وجدت "حركة النهضة" نفسها في مأزق في الفترة الأخيرة، تعمل على معالجته بحذرٍ شديد. فضغط القواعد لا يرحم القيادات، غير أن مصالح الحركة تبقى الضاغط الرئيسي لتحقيق المكاسب. وفي هذا الإطار، لا معنى للحديث عن "الحياد التام" الذي ورد على لسان رئيس الحركة راشد الغنوشي، في أجواء التجاذب الحادّ بين مرشحي الرئاسة الباجي قايد السبسي والمنصف المرزوقي.
ووقعت الحركة في موقف حرج، يوم قررت عدم ترشيح ممثل عنها لخوض الانتخابات الرئاسية. وهو ما أثار جدالاً واسعاً فيها، تحديداً عندما قرر أمينها العام السابق حمادي الجبالي الترشح بصفة مستقلة، وكان يتوقع بأن تسنده "النهضة" ضمنياً، بحكم الولاء والتاريخ المشترك. الأمر الذي لم يحصل. ووجد الجبالي الصدّ والتهميش الواضح لمبادرته، مما جعله يتخلّى عن الفكرة، وينكمش داخل محيطه الضيّق.
وأسست الحركة قرارها على فرضية توقّعها فوزاً ساحقاً، أو واسعاً أقلّه، في الانتخابات البرلمانية. وبناء عليه، كان توجه القيادة يرمي إلى الإمساك بالبرلمان، والتفاوض حول تركيبة الحكومة، تاركة المجال لبقية الأطراف للتحرك داخل دائرة الرئاسة. وقد عملت في هذا الاتجاه على التلويح بورقة "الرئيس التوافقي" التي رفضتها معظم الأطراف. ومن جهة أخرى، شجّعت القيادة شخصيات عدة لتقديم ترشيحاتها إلى الانتخابات الرئاسية، من أجل إغراق السباق والتقليل من حظوظ السبسي.
وسقطت هذه الفرضية بمجرد ظهور نتائج الانتخابات التشريعية، ووجدت "النهضة" نفسها تواجه تداعيات انقلاب موازين القوى. مع أنها لوّحت في البداية بإمكانية المراهنة على أحد المرشحين، لكنها تخوفت من أن يؤدي ذلك إلى أحد الاحتمالين: إما أن تُمنى بهزيمة جديدة بعد التشريعية، أو أن يؤدي ذلك إلى قطع شعرة معاوية مع رئيس حزب "نداء تونس" الباجي قايد السبسي. تراجعت الحركة، ودعت قواعدها وجمهورها الانتخابي إلى "الحياد وحرية المبادرة في الاختيار". بمعنى آخر، بدلاً من أن تتجنب المأزق، وقعت كلياً فيه.
وانحاز جمهور "النهضة" بشكل واسع إلى المرزوقي، الذي عرف كيف يغازل قواعدها ويدفعها إلى الاصطفاف وراءه. كما اندمج المئات من كوادر الحركة في حملته الانتخابية، وهو ما فتح المجال أمام خصومها لشن حملة واسعة ضدها، واتهامها بالمناورة وعدم الصدق في إعلانها "الحياد الرسمي"، في وقتٍ مارست فيه "الانحياز العملي".
لا تنكر الحركة أن المرزوقي كان حليفاً لها، لكن قيادتها لم تعد تعتبره الأفضل في حساباتها السياسية والانتخابية، حسب تقييمها الداخلي بعد ثلاث سنوات من التجربة، وهو ما يعلمه المرزوقي جيداً، لكن الحركة لم تحدد في المقابل مرشحاً بديلاً عنه. والخطر الرئيسي الذي أصبحت تشعر به القيادة دون أن تفصح عنه، هو أنها في لحظة ما وجدت نفسها أمام وضعية غريبة، خصوصاً حين التفاف جماهيرها، التي لا تملك مرشحاً، حول قائد سياسي بلا حزب ولا جمهور واسع، يمكنه من فرض نفسه كما في السابق. فلو حدث هذا الأمر وفق تخطيط واع ومسبق من قبل الحركة، لكان الأمر مستساغاً، ويمكن إدراجه ضمن لعبة تديرها، غير أن هذا المشهد المفاجئ، قد تشكّل من دون رغبة أو اقتناع من القيادة.
لم تعد الحركة قادرة على تغيير المسار الذي فرضته الأحداث، ولم يعد بإمكان قواعدها مراجعة انحيازها، خصوصاً أن وتيرة الحملة تصاعدت بشكل اختلط فيها الحماس بالتوتر، إثر التصريحات التي أدلى بها السبسي وبعض قادة "نداء تونس"، مما صعّد من درجات الاستقطاب، ودفع الأجواء نحو تقسيم جغرافي واجتماعي خطير.
لم يعد المجال يسمح لـ "النهضة" في الإبقاء على صيغة "الحياد التام"، على المستويين التنظيمي والشكلي. ولم يبق أمامها إلا الدعوة إلى التهدئة في أجواء بدأت تتسم بالتوتر، الذي ينذر باتساع حركة الاحتجاج، حرصاً منها على تجنّب تورّط قواعدها في تصعيد مرتجل، من شأنه أن يتمّ استغلاله من جهات مشبوهة.
وتأمل "النهضة" في ألا تتجه الأمور نحو قطيعة مع السبسي، سواء نجح في الوصول إلى قصر قرطاج، أو بقي خارجه، ليقود المرحلة السياسية المقبلة. فالطريق لا يزال طويلاً، وكل السيناريوهات تكاد تتساوى، لتبقى استعادة التوازن الهدف الرئيسي للغنوشي، المستند على مرونته العالية، عساه ينجح في تجنيب سفينة "النهضة" الارتطام بالصخور الناتئة.
ووقعت الحركة في موقف حرج، يوم قررت عدم ترشيح ممثل عنها لخوض الانتخابات الرئاسية. وهو ما أثار جدالاً واسعاً فيها، تحديداً عندما قرر أمينها العام السابق حمادي الجبالي الترشح بصفة مستقلة، وكان يتوقع بأن تسنده "النهضة" ضمنياً، بحكم الولاء والتاريخ المشترك. الأمر الذي لم يحصل. ووجد الجبالي الصدّ والتهميش الواضح لمبادرته، مما جعله يتخلّى عن الفكرة، وينكمش داخل محيطه الضيّق.
وأسست الحركة قرارها على فرضية توقّعها فوزاً ساحقاً، أو واسعاً أقلّه، في الانتخابات البرلمانية. وبناء عليه، كان توجه القيادة يرمي إلى الإمساك بالبرلمان، والتفاوض حول تركيبة الحكومة، تاركة المجال لبقية الأطراف للتحرك داخل دائرة الرئاسة. وقد عملت في هذا الاتجاه على التلويح بورقة "الرئيس التوافقي" التي رفضتها معظم الأطراف. ومن جهة أخرى، شجّعت القيادة شخصيات عدة لتقديم ترشيحاتها إلى الانتخابات الرئاسية، من أجل إغراق السباق والتقليل من حظوظ السبسي.
وسقطت هذه الفرضية بمجرد ظهور نتائج الانتخابات التشريعية، ووجدت "النهضة" نفسها تواجه تداعيات انقلاب موازين القوى. مع أنها لوّحت في البداية بإمكانية المراهنة على أحد المرشحين، لكنها تخوفت من أن يؤدي ذلك إلى أحد الاحتمالين: إما أن تُمنى بهزيمة جديدة بعد التشريعية، أو أن يؤدي ذلك إلى قطع شعرة معاوية مع رئيس حزب "نداء تونس" الباجي قايد السبسي. تراجعت الحركة، ودعت قواعدها وجمهورها الانتخابي إلى "الحياد وحرية المبادرة في الاختيار". بمعنى آخر، بدلاً من أن تتجنب المأزق، وقعت كلياً فيه.
لا تنكر الحركة أن المرزوقي كان حليفاً لها، لكن قيادتها لم تعد تعتبره الأفضل في حساباتها السياسية والانتخابية، حسب تقييمها الداخلي بعد ثلاث سنوات من التجربة، وهو ما يعلمه المرزوقي جيداً، لكن الحركة لم تحدد في المقابل مرشحاً بديلاً عنه. والخطر الرئيسي الذي أصبحت تشعر به القيادة دون أن تفصح عنه، هو أنها في لحظة ما وجدت نفسها أمام وضعية غريبة، خصوصاً حين التفاف جماهيرها، التي لا تملك مرشحاً، حول قائد سياسي بلا حزب ولا جمهور واسع، يمكنه من فرض نفسه كما في السابق. فلو حدث هذا الأمر وفق تخطيط واع ومسبق من قبل الحركة، لكان الأمر مستساغاً، ويمكن إدراجه ضمن لعبة تديرها، غير أن هذا المشهد المفاجئ، قد تشكّل من دون رغبة أو اقتناع من القيادة.
لم تعد الحركة قادرة على تغيير المسار الذي فرضته الأحداث، ولم يعد بإمكان قواعدها مراجعة انحيازها، خصوصاً أن وتيرة الحملة تصاعدت بشكل اختلط فيها الحماس بالتوتر، إثر التصريحات التي أدلى بها السبسي وبعض قادة "نداء تونس"، مما صعّد من درجات الاستقطاب، ودفع الأجواء نحو تقسيم جغرافي واجتماعي خطير.
لم يعد المجال يسمح لـ "النهضة" في الإبقاء على صيغة "الحياد التام"، على المستويين التنظيمي والشكلي. ولم يبق أمامها إلا الدعوة إلى التهدئة في أجواء بدأت تتسم بالتوتر، الذي ينذر باتساع حركة الاحتجاج، حرصاً منها على تجنّب تورّط قواعدها في تصعيد مرتجل، من شأنه أن يتمّ استغلاله من جهات مشبوهة.
وتأمل "النهضة" في ألا تتجه الأمور نحو قطيعة مع السبسي، سواء نجح في الوصول إلى قصر قرطاج، أو بقي خارجه، ليقود المرحلة السياسية المقبلة. فالطريق لا يزال طويلاً، وكل السيناريوهات تكاد تتساوى، لتبقى استعادة التوازن الهدف الرئيسي للغنوشي، المستند على مرونته العالية، عساه ينجح في تجنيب سفينة "النهضة" الارتطام بالصخور الناتئة.