07 نوفمبر 2024
راشيل كوري.. وردة الإنسانية
عندما نشرتُ مقال الأسبوع الماضي، في هذه المساحة، عن ثلاث نساء شجاعات، هن مي سكاف وإيلين إيرسون وعهد التميمي، على سبيل التحية الخالصة لهن، والتنويه بما قمن به، نماذج لقدرات المرأة في تحدياتٍ تتعلق بالمبادئ وحقوق الإنسان والأوطان، وصلت إلي تعليقاتٌ كثيرةٌ، تذكّر بأسماء أخرى كان ينبغي، وفقا لأصحاب هذه التعليقات المتحمسين، أن أكتب عنها أولاً، أو على الأقل في سياق ما كتبت! وكان في مقدمة قائمة المقترحات الشابة الأميركية الراحلة، راشيل كوري، والتي تخلد اسمها في الوجدان الإنساني، منذ بذلت روحها في سبيل ما تؤمن به من مبدأ يتعلق بالحق الفلسطيني.
لم يكن ليغيب عني اسم مضيء كاسم كوري، وأنا التي تابعت نضالاتها حتى قبل أن ينهرس جسدُها النحيل تحت عجلات جرّافة صهيونية في العام 2003، لكن مقالتي الأسبوع الفائت عنيت بالأسماء الثلاثة المذكورة، باعتبارها الأهم خلال شهر واحد هو يوليو/ تموز الماضي، ثم إن الحديث الإيجابي عن نضالات مبدئية إنسانية لا ينبغي، كما أرى، أن تتم معايرته في موازين ثابتة، للمقارنة بين أحجام النضالات الفردية كل على حدة. على أن هذا كله لا يمنع أبدا من استغلال الفرصة للتذكير مجدّدا، وعلى الأقل من أجل الأجيال الجديدة، بسيرة عطرة لشابة أميركية عرفت بحبها للسلام، وأنه المصير الأسمى للعنصر البشري على هذه الأرض. وفي سبيل تعزيز إيمانها الإنساني، وتكريسه ليكون فاعلا في كل القضايا العادلة، التحقت راشيل كوري، المولودة في العام 1979 في واشنطن، بحركة "التضامن العالمية" التي تدعم القضية الفلسطينية، لأنها أرادت أن تحوّل أفكارها النظرية إلى قوة حقيقية، تساهم في رفع الأذى عن الفلسطينيين، وهم يقاومون المحتل الصهيوني.
لم تولد راشيل في بيتٍ يؤمن، فطريا، بالحق الفلسطيني، كما ولدنا نحن العرب والمسلمين، ولم تدرس درس فلسطين الأول في مادة التاريخ، ولم ترسم خريطة فلسطين قبل الاحتلال وبعده في حصة الجغرافيا، بل اجتهدت بنفسها منذ كانت على مقاعد الدراسة الثانوية، لتصل إلى الحقيقة، وسط أجواء مناهضة لذلك الحق في بلادٍ تنحاز كل سياساتها للخصم الإسرائيلي دائما! وهذا ما أضفى على اجتهادها في سبيل فلسطين، باعتبارها قضية إنسانية قبل كل اعتبار آخر، تلك المسحة الإنسانية الخالصة لوجه الحق، والتي جعلتها تلتحق بوفدٍ لحركة التضامن العالمية الذي اتجه إلى غزة بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية في العام 2003. وسرعان ما انخرطت في نشاط موسّع، يهدف إلى منع السلطات الصهيونية من هدم منازل الفلسطينيين، وتركهم في العراء، إن خرج منها في الوقت المناسب، وإلا فلن تبالي بهرسهم مع منازلهم وخلط أشلائهم برمالها وحجارتها وأثاثاتها! كان هذا بالضبط هو مصير راشيل، إذ وقفت، في أحد أحياء مدينة رفح، وهي ترفع شعار "كن إنسانا"، أمام جرّافة إسرائيلية كانت تستعد لهدم أحد المنازل.
رفعت راشيل، في تلك اللحظة، صوتها، وهي تدعو سائق الجرافة إلى أن يتوقف، معتقدة أنه سيتوقف إن علم أنها أميركية وليست فلسطينية، لكنه لم يبال بذلك، ما دامت إنسانا يدعو إلى الإنسانية.
في رسالتها التي تركتها لأهلها، قبل أن تواجه مصيرها، كتبت راشيل كوري؛ "أعتقد أن أي عمل أكاديمي، أو أي قراءة، أو أي مشاركة في مؤتمرات، أو مشاهدة أفلام وثائقية، أو سماع قصص وروايات، لم تكن لتسمح لي بإدراك الواقع هنا، ولا يمكن تخيّل ذلك، إذا لم تشاهده بنفسك، وحتى بعد ذلك تفكّر طوال الوقت بما إذا كانت تجربتك تعبر عن واقع حقيقي".
صنعت راشيل من حياتها القصيرة واقعا حقيقيا خالدا في الوجود، ووردةً جميلة في حديقة الإنسانية.
لم يكن ليغيب عني اسم مضيء كاسم كوري، وأنا التي تابعت نضالاتها حتى قبل أن ينهرس جسدُها النحيل تحت عجلات جرّافة صهيونية في العام 2003، لكن مقالتي الأسبوع الفائت عنيت بالأسماء الثلاثة المذكورة، باعتبارها الأهم خلال شهر واحد هو يوليو/ تموز الماضي، ثم إن الحديث الإيجابي عن نضالات مبدئية إنسانية لا ينبغي، كما أرى، أن تتم معايرته في موازين ثابتة، للمقارنة بين أحجام النضالات الفردية كل على حدة. على أن هذا كله لا يمنع أبدا من استغلال الفرصة للتذكير مجدّدا، وعلى الأقل من أجل الأجيال الجديدة، بسيرة عطرة لشابة أميركية عرفت بحبها للسلام، وأنه المصير الأسمى للعنصر البشري على هذه الأرض. وفي سبيل تعزيز إيمانها الإنساني، وتكريسه ليكون فاعلا في كل القضايا العادلة، التحقت راشيل كوري، المولودة في العام 1979 في واشنطن، بحركة "التضامن العالمية" التي تدعم القضية الفلسطينية، لأنها أرادت أن تحوّل أفكارها النظرية إلى قوة حقيقية، تساهم في رفع الأذى عن الفلسطينيين، وهم يقاومون المحتل الصهيوني.
لم تولد راشيل في بيتٍ يؤمن، فطريا، بالحق الفلسطيني، كما ولدنا نحن العرب والمسلمين، ولم تدرس درس فلسطين الأول في مادة التاريخ، ولم ترسم خريطة فلسطين قبل الاحتلال وبعده في حصة الجغرافيا، بل اجتهدت بنفسها منذ كانت على مقاعد الدراسة الثانوية، لتصل إلى الحقيقة، وسط أجواء مناهضة لذلك الحق في بلادٍ تنحاز كل سياساتها للخصم الإسرائيلي دائما! وهذا ما أضفى على اجتهادها في سبيل فلسطين، باعتبارها قضية إنسانية قبل كل اعتبار آخر، تلك المسحة الإنسانية الخالصة لوجه الحق، والتي جعلتها تلتحق بوفدٍ لحركة التضامن العالمية الذي اتجه إلى غزة بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية في العام 2003. وسرعان ما انخرطت في نشاط موسّع، يهدف إلى منع السلطات الصهيونية من هدم منازل الفلسطينيين، وتركهم في العراء، إن خرج منها في الوقت المناسب، وإلا فلن تبالي بهرسهم مع منازلهم وخلط أشلائهم برمالها وحجارتها وأثاثاتها! كان هذا بالضبط هو مصير راشيل، إذ وقفت، في أحد أحياء مدينة رفح، وهي ترفع شعار "كن إنسانا"، أمام جرّافة إسرائيلية كانت تستعد لهدم أحد المنازل.
رفعت راشيل، في تلك اللحظة، صوتها، وهي تدعو سائق الجرافة إلى أن يتوقف، معتقدة أنه سيتوقف إن علم أنها أميركية وليست فلسطينية، لكنه لم يبال بذلك، ما دامت إنسانا يدعو إلى الإنسانية.
في رسالتها التي تركتها لأهلها، قبل أن تواجه مصيرها، كتبت راشيل كوري؛ "أعتقد أن أي عمل أكاديمي، أو أي قراءة، أو أي مشاركة في مؤتمرات، أو مشاهدة أفلام وثائقية، أو سماع قصص وروايات، لم تكن لتسمح لي بإدراك الواقع هنا، ولا يمكن تخيّل ذلك، إذا لم تشاهده بنفسك، وحتى بعد ذلك تفكّر طوال الوقت بما إذا كانت تجربتك تعبر عن واقع حقيقي".
صنعت راشيل من حياتها القصيرة واقعا حقيقيا خالدا في الوجود، ووردةً جميلة في حديقة الإنسانية.