يحمل رجال الأمن في تونس، لليوم الثاني على التوالي، الشارة الحمراء للمطالبة بتفعيل الاتفاقيات المبرمة مع سلطة الإشراف، واحتجاجاً على نظام العمل بطريقة 12 ساعة أو ما يعرف بـ 12-12، والتي كانت قد توختها وزارة الداخلية التونسية منذ ضربة سوسة الإرهابية. ولكن يبدو أن هذا النظام رغم مزاياه العديدة فإنه أنهك أعوان العمل وساهم في تفاقم المشاكل الاجتماعية والأسرية لديهم.
ولئن سارعت وزارة الداخلية إلى إلغاء العمل بنظام 12 ساعة بداية من اليوم الثلاثاء، إلا أنه وبحسب عديد النقابات الأمنية، فإن مطالب رجال الأمن تتجاوز ذلك إلى مطالب مهنية ومالية لم تتم الاستجابة لها.
ويشار إلى أن طول ساعات العمل كان قد تسبب في حرمان عديد الأمنيين من العودة إلى ديارهم، ومن الاهتمام بأطفالهم وعائلاتهم، ما دفعهم إلى المطالبة منذ فترة بضرورة مراجعة هذا النظام واحتساب الساعات الإضافية.
ورغم عديد المكاسب التي حققها الأمنيون منذ الإطاحة بنظام بن علي في 14 يناير/كانون الثاني 2011، ومنها رفع منحة الخطر إلى 50 دولاراً بدلاً من 10 دولارات سابقاً، والترقيات ومراجعة المسار المهني للعاملين في القطاعات الأمنية من سجون وحرس ووحدات تدخل، إلا أن عديد الأسباب دفعت بهم إلى المزيد من المطالب بتحسين وضعهم المادي والمهني، ومراجعة بعض القرارات التي اتخذت في إطار مقاومة الإرهاب وحالة الطوارئ التي تخضع لها تونس.
يقول محمد علي العبيدي كاتب عام نقابة الأمن الوطني بباردو، ورئيس لجنة المفاوضات مع إقليم تونس لـ"العربي الجديد" إنّ نظام العمل بنظام 12 ساعة أثرّ كثيراً على عديد الأمنيين، فالكثير منهم لم يعد قادراً على العودة إلى مقرّ إقامته لضيق الوقت، مشيراً إلى أنّ من حق الزوجة أنّ يكون زوجها بالقرب منها، وأن يسهر على الاهتمام بشؤون أسرته، مؤكداً أن أغلب الأمنيين يعودون إلى ديارهم منهكين ومتوترين بسبب طول ساعات العمل والضغط الحاصل عليهم، ما أدّى إلى حصول مشاكل أسرية وخلافات، موضحاً أنّهم تلقوا شكاوى في هذا الصدد.
وذكر أنّ السبب الثاني لحمل الشارة الحمراء يعود إلى ضرورة تنفيذ المطالب المشروعة التي سبق واتفق عليها مع سلطة الإشراف، وهي تتعلق بالنظر في الوضعيات الاجتماعية للأمنيين وفي منحة قانون الإرهاب، مشيراً إلى أنه يوجد ما لا يقل عن 28700 رجل أمن، يأملون أن تنصت إليهم وزارة الداخلية، مبينا أنهم سيؤمنون العمل بصفة عادية وأنهم عازمون على التصدي للإرهاب وعلى مواصلة العمل مهما كانت الصعوبات.
في السياق ذاته، أكدّ مهدي الشاوش الناطق الرسمي باسم نقابة موظفي الإدارة العامة لوحدات التدخل لـ"العربي الجديد" أنهم يأملون فتح باب المفاوضات الاجتماعية والمادية مع وزارة الداخلية، مبينا أن هناك مطالب عالقة منذ فترة لطفي بن جدو الوزير الأسبق. واعتبر أنّ المكاسب التي حققت لرجال الأمن، منذ الثورة إلى الآن، لا ترقى إلى مستوى طموحاتهم، وأنهم طيلة الفترة السابقة كانوا في مرحلة استرداد حقوق.
وأوضح أنّ جلّ الزيادات ورواتبهم الحالية لا تضاهي تلك التي يتقاضاها العسكريون، مبيناً أنّ هناك بوناً كبيراً بين الخدمات الصحية التي تقدم في المؤسستين، إلى جانب أنّ رجل الأمن يعمل ليلاً ونهاراً وكذلك في العطل والمناسبات.
يقول الشاوش:"هناك منظومة عمل قانونية تتعلق بساعات العمل الإضافية، فمن غير المعقول أن يعمل الأمني التونسي 12 ساعة، وبمعدل 84 ساعة أسبوعياً، دون أن يتم احتساب العمل الإضافي له، كما أن هناك جاهزية بدنية وذهنية للعون يجب أن تكون متوفرة، فالأمني بشر ويجب التعامل معه كإنسان"، مشيراً إلى أنه وفي جلّ بلدان العالم توجد منظومات عمل تراعي مختلف هذه الجوانب، والتي لا يمكن لأي وزير أن ينتهكها، مطالباً بعدم تشتيت تركيز الأمنيين أكثر فأكثر.
وأوضح أنّ الأمنيين وبحكم القانون المفروض عليهم لا يمكنهم الانخراط في اتحاد الشغل الذي يفاوض على الزيادة في أجور الموظفين، ولا الانخراط في نقابات أخرى خلافاً للنقابات الأمنية، معتبراً أن النقابات الأمنية هي الوحيدة التي بإمكانها الدفاع عن حقوق الأمنيين والمطالبة بتحسين أوضاعهم الاجتماعية، مبيناً أن النقابات ليست مجرد "ديكور" يؤثث المشهد الأمني التونسي بل عليها أن تتحرك وتفاوض وتناقش.
وقال الناطق الرسمي لنقابة موظفي الإدارة العامة لوحدات التدخل إنّ تحركاتهم للفترة القادمة ستكون مدروسة، إذ سيتم حمل الشارات الحمراء إلى غاية اليوم الثلاثاء، ثم سيتم تنظيم ندوة صحافية بعد غدٍ الخميس، تليها تحرّكات احتجاجية جهوية ستنّفذها النقابات الأمنية فقط، لضمان استمرارية العمل. وأكدّ أنهم قد يلجأون إلى وقفة كبرى في ساحة القصبة، إذا واصلت وزارة الداخلية اتباع سياسة التجاهل وصم الآذان عن نداءات أعوانها.
واعتبر محمد زيتوني المنافقي كاتب عام نقابة المصالح المختصة أنّ هذه التحركات تأتي على إثر النداءات المتكررة للأمنيين من مختلف الأسلاك، والتي تتمسك بحقهم في الراحة والإحاطة بأسرهم. وأوضح لـ"العربي الجديد" أنّ تحركات الأمنيين لا تشمل فقط نظام العمل، بل كذلك غياب الإستراتيجية الواضحة في الموارد البشرية، بخاصة في ظل حالة الطوارئ، وتواصل سياسة التهميش المادي والاجتماعي لمنتسبي المؤسسة الأمنية.
وذكر أنه رغم تفهمهم للوضعية الدقيقة والصعبة التي تمر بها البلاد، فإن الزيادات في الأجور والمنح للأمنيين ما زالت دون توقعاتهم، مبينا أن المعلم مثلاً يتقاضى 120 ديناراً منحة طباشير في تونس، في حين أن الأمني العامل على الحدود التونسية يتقاضى 5.7 دولارات فقط، كما أن منحة ساعة عمل أمني في جبال الشعانبي 0.052 دولار، معتبراً أنها منحة هزيلة مقارنة بأسلاك أخرى.
وشدّد مسؤول أمني لـ"العربي الجديد" على أنّ إلغاء نظام العمل بـ12 ساعة كان مقرّرا أمس الاثنين قبل حمل الأمنيين للشارة الحمراء، مشيراً إلى انّ هذا النظام تطلبه الوضع الدقيق الذي مرّت به تونس في إطار السياسة التي توختها في محاربة الإرهاب وحماية المناطق السياحية، إذ إنه لا سبيل لأي تقصير أو ارتخاء.
اقرأ أيضاً:معظم التونسيين مع محاكمة المسؤولين وكشف الفساد