06 نوفمبر 2024
رجل من "بلاد القرنفل"
أيام ويصبح أنطونيو غوتيريس القادم من بلاد "ثورة القرنفل" الرجل الأول في العالم، المكلف بتوطيد السلام والأمن، وضمان حرية البشر وحياتهم، ترافقه بقية أملٍ ما زلنا نحملها في أعماقنا، نحن الذين وأدت القوى الكبرى آمالنا، لعل غوتيريس يستطيع أن يفعل شيئاً من أجلنا، وهو الذي كان من أبناء ثورة أسقطت نظاماً دكتاتوريا شرساً، يشبه أنظمتنا ولا يشبهها، هو نظام سالازار الفاشي الذي نافس بعض حكامنا في مدة بقائه على قمة السلطة، وقد بلغت أكثر من أربعين عاماً!
كان غوتيريس قد تخلى عن طموحاته الشخصية، وموقعه العلمي المتميز خبيراً في الفيزياء والكهرباء، لينضم الى "ثورة القرنفل" التي اكتسبت هذه التسمية بعدما وضع العسكر البرتغاليون في فوهات بنادقهم زهور القرنفل الحمراء التي ترمز إلى الحب، ويسمونها "زهرة الإله"، وشدّوا على أيدي أبناء جلدتهم، تضامناً معهم، وانتصاراً لمطالبهم في الحياة والحرية، ولم يكونوا ليشبهوا عسكرنا الذين ما أن يقبضوا على السلطة حتى ينقلوا البلاد كلها إلى ملكية شخصية، يتحكّمون بها كما يشاءون، ويثقلون أيادي أهلها بالحديد، وينازعونهم، حتى على حدقات عيونهم!
هنا، نعود إلى وصف لافت علق في الذهن، كان رئيس البرتغال السابق، آنيبال سلفا، قد أطلقه على غوتيريس، عندما رشحته الأمم المتحدة، للعمل مفوضاً سامياً لشؤون اللاجئين، إذ قال عنه إنه "صوت محترم سوف يصغي إليه العالم جيداً"، هذا ما يجعلنا نتفاءل بقدومه، ونتفاءل أكثر عندما نتذكّر أن غوتيريس يحفظ لنا بعض أصولنا، فهو قادم من البلاد التي شهدت حضوراً عربياً وإسلامياً أيام كانت الرايات العربية ترفرف في هذا الشطر من الكون أو ذاك، وما زالت أرض مدينته لشبونة تحفظ وقع خطوات طارق بن زياد وصحبه.
ويظل مهماً أن نعرف أن غوتيريس يتقن لغاتٍ، كنا نتمنى لو كانت العربية منها، ليكون أكثر قرباً منا، ولكي تعينه أكثر على تفهم مشكلاتنا وهمومنا التي باتت مزمنة، لكن ميزته الأكبر أنه يعرف جيداً ما يعانيه المهمومون في العالم من فقراء، ولاجئين، ومنفيين اضطراراً أو اختياراً، وما يقاسيه أطفال العالم من ظلم أشراره وسيطرتهم، وقد عمل وسطهم، متطوعاً لخدمة الأحياء الفقيرة في موطنه سنوات، ومؤمناً "أن الأغنياء لا يلحظون وجود الفقراء إلا بعد أن يقتحم الفقراء باحات الأغنياء"، وهو أيضا شغل مسؤولية رعاية 65 مليوناً من اللاجئين والنازحين وحمايتهم، عشر سنوات خلت، باعتباره مفوضاً سامياً لشؤونهم من المنظمة الدولية، وعايش تراجيديا اللجوء العربي، بعد ربيعهم الموءود، ودان العالم لعدم إدراكه مدى خطورة أزمة اللاجئين السوريين، إلا بعد دخول موجات اللجوء الضخمة إلى أوروبا، وأقر بفشل المجتمع الدولي في التعامل مع ملف اللاجئين، وسجّل في مفكرته: "اللاجئون ضحايا الإرهاب، وليس مصدره".
يبدو لنا هنا أنطونيو غوتيريس من نمطٍ يختلف عن سلفه الكوري، بان كي مون، الذي كان يرى مشكلات العالم وأدواءه بعينٍ واحدةٍ، جعلته يعتقد أن التعبير عن قلقه تجاهها في البيانات والخطب كافٍ لحلها، أو على الأقل لنسيانها، وقد فشل في ابتكار حلولٍ للصراعات والمشكلات التي ناء العالم بحملها في فترة ولايته، كما فشل في توفير احتياجات الذين أثقلت الحروب والنزاعات حياتهم بالكدر، وهو في الواقع لم يكن يملك القدرة على الفعل، أو على الأصح لم يكن يملك الجرأة على اقترافه. وفي لفتةٍ ساخرةٍ، سجل متابعون على مواقع التواصل آلاف المرات التي عبر فيها عن قلقه فحسب، ووصفه متابعٌ خبيثٌ مرة بأنه "عبد مطيع للقلق، ليس أكثر ولا أقل".
وإذا كنا نتذكّر المثل الشعبي العتيق الذي ينصحنا بأن نذكر محاسن موتانا، فان بان كي مون كان محايداً في حالاتٍ كثيرة يهمنا أمرها، لكنه، في أواخر أيام ولايته، كسر هذا الحياد بوصفه الصحراء الغربية بأنها "أرض محتلة"، فأغضب أشقاءنا المغاربة الذين نتضامن معهم في غضبتهم. أما وقد أوشك على الرحيل فلا نملك سوى أن نغضّ الطرف عما فعله، وربنا يعطينا العوض في خلفه أنطونيو غوتيريس الذي سوف يحتل الكرسي الأول أمام ممثلي 193دولة، أكثرها حافلٌ بنزاعات وحروب ومشكلات يصعب التصدي لحلها، من دون إرادة القوى الكبرى التي تقتسم العالم، ساعده الله!
كان غوتيريس قد تخلى عن طموحاته الشخصية، وموقعه العلمي المتميز خبيراً في الفيزياء والكهرباء، لينضم الى "ثورة القرنفل" التي اكتسبت هذه التسمية بعدما وضع العسكر البرتغاليون في فوهات بنادقهم زهور القرنفل الحمراء التي ترمز إلى الحب، ويسمونها "زهرة الإله"، وشدّوا على أيدي أبناء جلدتهم، تضامناً معهم، وانتصاراً لمطالبهم في الحياة والحرية، ولم يكونوا ليشبهوا عسكرنا الذين ما أن يقبضوا على السلطة حتى ينقلوا البلاد كلها إلى ملكية شخصية، يتحكّمون بها كما يشاءون، ويثقلون أيادي أهلها بالحديد، وينازعونهم، حتى على حدقات عيونهم!
هنا، نعود إلى وصف لافت علق في الذهن، كان رئيس البرتغال السابق، آنيبال سلفا، قد أطلقه على غوتيريس، عندما رشحته الأمم المتحدة، للعمل مفوضاً سامياً لشؤون اللاجئين، إذ قال عنه إنه "صوت محترم سوف يصغي إليه العالم جيداً"، هذا ما يجعلنا نتفاءل بقدومه، ونتفاءل أكثر عندما نتذكّر أن غوتيريس يحفظ لنا بعض أصولنا، فهو قادم من البلاد التي شهدت حضوراً عربياً وإسلامياً أيام كانت الرايات العربية ترفرف في هذا الشطر من الكون أو ذاك، وما زالت أرض مدينته لشبونة تحفظ وقع خطوات طارق بن زياد وصحبه.
ويظل مهماً أن نعرف أن غوتيريس يتقن لغاتٍ، كنا نتمنى لو كانت العربية منها، ليكون أكثر قرباً منا، ولكي تعينه أكثر على تفهم مشكلاتنا وهمومنا التي باتت مزمنة، لكن ميزته الأكبر أنه يعرف جيداً ما يعانيه المهمومون في العالم من فقراء، ولاجئين، ومنفيين اضطراراً أو اختياراً، وما يقاسيه أطفال العالم من ظلم أشراره وسيطرتهم، وقد عمل وسطهم، متطوعاً لخدمة الأحياء الفقيرة في موطنه سنوات، ومؤمناً "أن الأغنياء لا يلحظون وجود الفقراء إلا بعد أن يقتحم الفقراء باحات الأغنياء"، وهو أيضا شغل مسؤولية رعاية 65 مليوناً من اللاجئين والنازحين وحمايتهم، عشر سنوات خلت، باعتباره مفوضاً سامياً لشؤونهم من المنظمة الدولية، وعايش تراجيديا اللجوء العربي، بعد ربيعهم الموءود، ودان العالم لعدم إدراكه مدى خطورة أزمة اللاجئين السوريين، إلا بعد دخول موجات اللجوء الضخمة إلى أوروبا، وأقر بفشل المجتمع الدولي في التعامل مع ملف اللاجئين، وسجّل في مفكرته: "اللاجئون ضحايا الإرهاب، وليس مصدره".
يبدو لنا هنا أنطونيو غوتيريس من نمطٍ يختلف عن سلفه الكوري، بان كي مون، الذي كان يرى مشكلات العالم وأدواءه بعينٍ واحدةٍ، جعلته يعتقد أن التعبير عن قلقه تجاهها في البيانات والخطب كافٍ لحلها، أو على الأقل لنسيانها، وقد فشل في ابتكار حلولٍ للصراعات والمشكلات التي ناء العالم بحملها في فترة ولايته، كما فشل في توفير احتياجات الذين أثقلت الحروب والنزاعات حياتهم بالكدر، وهو في الواقع لم يكن يملك القدرة على الفعل، أو على الأصح لم يكن يملك الجرأة على اقترافه. وفي لفتةٍ ساخرةٍ، سجل متابعون على مواقع التواصل آلاف المرات التي عبر فيها عن قلقه فحسب، ووصفه متابعٌ خبيثٌ مرة بأنه "عبد مطيع للقلق، ليس أكثر ولا أقل".
وإذا كنا نتذكّر المثل الشعبي العتيق الذي ينصحنا بأن نذكر محاسن موتانا، فان بان كي مون كان محايداً في حالاتٍ كثيرة يهمنا أمرها، لكنه، في أواخر أيام ولايته، كسر هذا الحياد بوصفه الصحراء الغربية بأنها "أرض محتلة"، فأغضب أشقاءنا المغاربة الذين نتضامن معهم في غضبتهم. أما وقد أوشك على الرحيل فلا نملك سوى أن نغضّ الطرف عما فعله، وربنا يعطينا العوض في خلفه أنطونيو غوتيريس الذي سوف يحتل الكرسي الأول أمام ممثلي 193دولة، أكثرها حافلٌ بنزاعات وحروب ومشكلات يصعب التصدي لحلها، من دون إرادة القوى الكبرى التي تقتسم العالم، ساعده الله!