30 يوليو 2016
رد: موريتانيون مسلمون لا تكفيريون ولا مستعبِدون
من المؤسف ما يقع فيه مثقفون وكتاب عرب كثيرون، حين يكتبون أو يتحدثون عن موريتانيا، ويحللون قضاياها الداخلية المعقدة بنظرة قبْلية، وانطلاقاً من أحكام مسبقة، لم يكلف أصحابها أنفسهم عناء البحث عن المعلومات الصحيحة، للوقوف على الخلفيات الحقيقية والدقيقة، بشأن ما جرى ويجري في هذا البلد القصي البعيد عن اهتمامات العرب.
لم يسلم من هذا الخطأ حسام أبو حامد في مقاله في "العربي الجديد" في 22 يناير/كانون الثاني الجاري، "التكفير والرق في موريتانيا"، فقد ضمّنه معلومات مغلوطة كثيرة عن موريتانيا، وأقحم نفسه في قضايا داخلية حساسة، من دون أن تكون لديه معرفة أو تصور عن هذه القضايا، بل انطلق في معالجته من مواقفه وأحكام مسبقة وفهم خاطئ لما جرى ويجري في موريتانيا. ومن المؤسف أن يفتقد كاتب رصين، كالأستاذ أبو حامد، الحس اللازم والحصافة الضرورية التي تمنع كاتباً مثله أن يتهم شعباً بالتكفير، ويتحدث عن قضاياه الداخلية بانتقائية شديدة، ومن دون تنبه لمنزلقات يمكن أن تنتج عن اصطفافه في معركة داخلية وصراعات سياسية محلية، تتداخل فيها الحقائق مع الأغراض السياسية، وتشتبك فيها العوامل التاريخية بالثقافية والسياسية والدينية. وقد تعرض المقال لقضتين اثنتين، وخلط بينهما، على الرغم من عدم وجود رابط بينهما، واتخذ منهما مواقف خاطئة، انطلاقاً من معلومات مغلوطة، أو استناداً إلى آراء مسبقة، لا علاقة لها بواقع وحقيقة ما يحدث ويجري في موريتانيا.
الأولى هي الحكم الذي أصدرته محكمة الجنايات في مدينة انواذيبو على الشاب محمد الشيخ ولد مخيطير، بسبب مقال مسيء للنبي صلى الله عليه وسلم، كتبه في شهر يناير/كانون الثاني عام 2014. وقد دافع حسام أبو حامد عن ولد مخيطير، ورأى أن ما قام به الأخير من تشكيك صريح في عدالة النبي صلى الله عليه وسلم، من باب أن ناقل الكفر ليس بكافر. واستدعى الكاتب نصوصاً وأقوالاً كثيرة محذرة من التكفير، وهو ما لا أختلف معه فيه، بل إن الفكرة العامة التي بُني عليها المقال فكرة صحيحة سليمة، وهي التحذير من التكفير، والتنويه إلى
أهمية حرية الرأي وضرورة غربلة التراث بنظرة نقدية فاحصة. وهذا كله لا خلاف فيه، لكنه لا علاقة له بقضية ولد مخيطير، فقد أقحمها الكاتب عن حسن ظن أو بسوء ظن. ذلك أن قضية ولد مخيطير واضحة وضوح الشمس، والحكم الصادر فيها صادر عن محكمة موريتانية، أثبتت توبته، وأصدرت عليه حكماً بالإعدام "حدّاً" لا كفراً. وإذا كان الكاتب على إلمام بأحكام الشريعة الإسلامية، سيدرك الفرق بين القتل "حدّاً" لا كفراً والقتل "كفراً"، فالأول صاحبه مسلم تائب يقام عليه الحد تطهيراً وتعزيراً، ويدفن في مقابر المسلمين، ويصلى عليه، ويرث ويورّث ماله، أما الثاني فلا يصلى عليه، ويعتبر مرتدّاً خارجاً من الملة، مع ما يترتب على ذلك من أحكام.
ثم إن قضية ولد مخيطير قضية اجماعية في موريتانيا، اتفق عليها الإسلاميون والعلمانيون والمعتدلون والمتطرفون، وأحيلت إلى العدالة، من أول يوم، وتسير وفق مسار قانوني واضح، حيث تم توفير كل الضمانات القانونية للمتهم، بما فيها تعيين محامين للدفاع عنه.
والأخطر فيما ذكره أبو حامد بشأن قضية ولد مخيطير خلطه بين حرية التعبير والتجني على المقدسات، وأريد أن أحسن الظن بالأستاذ، لأقول، إن ضعف اطلاعه على حقيقة ما قاله ولد مخيطير، بل وضعف معلوماته عمّا يجري في موريتانيا عموماً هو ما أوقعه في هذه الأخطاء.
ومما يجدر التذكير به، في هذا السياق، بأن موريتانيا، مثل كل الدول العربية، فيها متطرفون وتكفيريون، وفيها معتدلون ووسطيون، وأغلبية الشعب مسلمون تقليديون، يعتنقون المذهب المالكي، ويتميزون بالسماحة والاعتدال، وحين يأتي كاتب عربي ليتجني على بلد كامل، ويصمه بالتكفير، لأن محكمة أصدرت حكماً ابتدائيّاً بالإعدام على شاب متهم بالإساءة للنبي صلى الله عليه وسلم، فإن أقل ما يمكن أن يوصف به هذا التصرف بأنه إساءة وتجن على شعب طيب ومسامح، بل وتطرف في التوصيف، يفتقر صاحبه للباقة والكياسة.
القضية الثانية التي أقحم حسام أبو حامد نفسه فيها، من دون معرفة بالحقائق وخلفيات الأحداث، الرق الذي جزم بأنه موجود في موريتانيا، من دون أن يكلف نفسه عناء التثبت والتأكد، فالكل يعرف أنه لا توجد الآن عبودية في موريتانيا، بل توجد آثار وبقايا لهذه الظاهرة المشينة التي انتشرت في موريتانيا منذ زمن قديم وانتهت، وإنْ لم تنته آثارها وبقاياها المتمثلة أساساً في تهميش تعاني منه شريحة لحراطين.
وللأسف، لم يفرق أبو حامد بين الحقائق التي ينبغي أن ينطلق منها في بناء مواقفه وادعاءات سياسيين موريتانيين عن وجود العبودية في بلدهم، فسياسيون موريتانيون كثيرون يدخلون السياسة من بوابة محاربة العبودية وعبر النافذة الحقوقية، وأصبحت هذه القضية جزءاً من المناكفات السياسية الداخلية، وبالتالي، هي ورقة سياسية، أكثر منها حقيقة موضوعية. وما ذكره الكاتب عن عدم شرعية الرق فهو أمر مجمع عليه، ولا يوجد عاقل يختلف معه فيه. وما أورده عن وقوف الفقهاء في موريتانيا مع العبودية، أو تشريعهم لها، فكذب وافتراء، يردده ناشطون حقوقيون في إطار معركتهم لاستدرار التمويل الأجنبي، وانطلاقاً من خلفية أيديولوجية، ولا علاقة له بالحقيقة والواقع.
أختم بأنني لا أريد أن أحجر على أحد في الحديث عن قضايا موريتانيا، أو غيرها من الدول، فالجميع أحرار في أن يأخذوا من الآراء والمواقف ما يشاؤون. ولكن، لا بد أن يكون ذلك انطلاقاً من وعي وفهم للحقائق، وليس مجرد "قولبة"، وتنميط واتهامات مرسلة لبلد مسالم وشعب طيب. ووصم الموريتانيين بالتكفير والاستعباد كما فعل حسام أبو حامد في مقاله مجرد انغماس في معارك داخلية، ما كان ينبغي لكاتب حصيف أن يقدم عليه، أو هو تعسف في الاستدلال والتمثيل، حين غاب المثال وعزّ الشاهد، في معركة الكاتب للدفاع عن آرائه الأيديولوجية ومواقفه الفكرية.
لم يسلم من هذا الخطأ حسام أبو حامد في مقاله في "العربي الجديد" في 22 يناير/كانون الثاني الجاري، "التكفير والرق في موريتانيا"، فقد ضمّنه معلومات مغلوطة كثيرة عن موريتانيا، وأقحم نفسه في قضايا داخلية حساسة، من دون أن تكون لديه معرفة أو تصور عن هذه القضايا، بل انطلق في معالجته من مواقفه وأحكام مسبقة وفهم خاطئ لما جرى ويجري في موريتانيا. ومن المؤسف أن يفتقد كاتب رصين، كالأستاذ أبو حامد، الحس اللازم والحصافة الضرورية التي تمنع كاتباً مثله أن يتهم شعباً بالتكفير، ويتحدث عن قضاياه الداخلية بانتقائية شديدة، ومن دون تنبه لمنزلقات يمكن أن تنتج عن اصطفافه في معركة داخلية وصراعات سياسية محلية، تتداخل فيها الحقائق مع الأغراض السياسية، وتشتبك فيها العوامل التاريخية بالثقافية والسياسية والدينية. وقد تعرض المقال لقضتين اثنتين، وخلط بينهما، على الرغم من عدم وجود رابط بينهما، واتخذ منهما مواقف خاطئة، انطلاقاً من معلومات مغلوطة، أو استناداً إلى آراء مسبقة، لا علاقة لها بواقع وحقيقة ما يحدث ويجري في موريتانيا.
الأولى هي الحكم الذي أصدرته محكمة الجنايات في مدينة انواذيبو على الشاب محمد الشيخ ولد مخيطير، بسبب مقال مسيء للنبي صلى الله عليه وسلم، كتبه في شهر يناير/كانون الثاني عام 2014. وقد دافع حسام أبو حامد عن ولد مخيطير، ورأى أن ما قام به الأخير من تشكيك صريح في عدالة النبي صلى الله عليه وسلم، من باب أن ناقل الكفر ليس بكافر. واستدعى الكاتب نصوصاً وأقوالاً كثيرة محذرة من التكفير، وهو ما لا أختلف معه فيه، بل إن الفكرة العامة التي بُني عليها المقال فكرة صحيحة سليمة، وهي التحذير من التكفير، والتنويه إلى
ثم إن قضية ولد مخيطير قضية اجماعية في موريتانيا، اتفق عليها الإسلاميون والعلمانيون والمعتدلون والمتطرفون، وأحيلت إلى العدالة، من أول يوم، وتسير وفق مسار قانوني واضح، حيث تم توفير كل الضمانات القانونية للمتهم، بما فيها تعيين محامين للدفاع عنه.
والأخطر فيما ذكره أبو حامد بشأن قضية ولد مخيطير خلطه بين حرية التعبير والتجني على المقدسات، وأريد أن أحسن الظن بالأستاذ، لأقول، إن ضعف اطلاعه على حقيقة ما قاله ولد مخيطير، بل وضعف معلوماته عمّا يجري في موريتانيا عموماً هو ما أوقعه في هذه الأخطاء.
ومما يجدر التذكير به، في هذا السياق، بأن موريتانيا، مثل كل الدول العربية، فيها متطرفون وتكفيريون، وفيها معتدلون ووسطيون، وأغلبية الشعب مسلمون تقليديون، يعتنقون المذهب المالكي، ويتميزون بالسماحة والاعتدال، وحين يأتي كاتب عربي ليتجني على بلد كامل، ويصمه بالتكفير، لأن محكمة أصدرت حكماً ابتدائيّاً بالإعدام على شاب متهم بالإساءة للنبي صلى الله عليه وسلم، فإن أقل ما يمكن أن يوصف به هذا التصرف بأنه إساءة وتجن على شعب طيب ومسامح، بل وتطرف في التوصيف، يفتقر صاحبه للباقة والكياسة.
القضية الثانية التي أقحم حسام أبو حامد نفسه فيها، من دون معرفة بالحقائق وخلفيات الأحداث، الرق الذي جزم بأنه موجود في موريتانيا، من دون أن يكلف نفسه عناء التثبت والتأكد، فالكل يعرف أنه لا توجد الآن عبودية في موريتانيا، بل توجد آثار وبقايا لهذه الظاهرة المشينة التي انتشرت في موريتانيا منذ زمن قديم وانتهت، وإنْ لم تنته آثارها وبقاياها المتمثلة أساساً في تهميش تعاني منه شريحة لحراطين.
وللأسف، لم يفرق أبو حامد بين الحقائق التي ينبغي أن ينطلق منها في بناء مواقفه وادعاءات سياسيين موريتانيين عن وجود العبودية في بلدهم، فسياسيون موريتانيون كثيرون يدخلون السياسة من بوابة محاربة العبودية وعبر النافذة الحقوقية، وأصبحت هذه القضية جزءاً من المناكفات السياسية الداخلية، وبالتالي، هي ورقة سياسية، أكثر منها حقيقة موضوعية. وما ذكره الكاتب عن عدم شرعية الرق فهو أمر مجمع عليه، ولا يوجد عاقل يختلف معه فيه. وما أورده عن وقوف الفقهاء في موريتانيا مع العبودية، أو تشريعهم لها، فكذب وافتراء، يردده ناشطون حقوقيون في إطار معركتهم لاستدرار التمويل الأجنبي، وانطلاقاً من خلفية أيديولوجية، ولا علاقة له بالحقيقة والواقع.
أختم بأنني لا أريد أن أحجر على أحد في الحديث عن قضايا موريتانيا، أو غيرها من الدول، فالجميع أحرار في أن يأخذوا من الآراء والمواقف ما يشاؤون. ولكن، لا بد أن يكون ذلك انطلاقاً من وعي وفهم للحقائق، وليس مجرد "قولبة"، وتنميط واتهامات مرسلة لبلد مسالم وشعب طيب. ووصم الموريتانيين بالتكفير والاستعباد كما فعل حسام أبو حامد في مقاله مجرد انغماس في معارك داخلية، ما كان ينبغي لكاتب حصيف أن يقدم عليه، أو هو تعسف في الاستدلال والتمثيل، حين غاب المثال وعزّ الشاهد، في معركة الكاتب للدفاع عن آرائه الأيديولوجية ومواقفه الفكرية.