لا يريد التونسي رشيد عماري أكثر من العمل. وعلى الرغم من صبره على مدى 18 عاماً، قرر أخيراً الإضراب عن الطعام والاعتصام لتحقيق مطلبه
قضى رشيد عماري أكثر من 18 عاماً ينتظر وظيفة لم تأتِ، ما جعله يلقّب بشيخ العاطلين من العمل في تونس. لطالما حلم بعمل مختلف بعيداً عن البناء أو الفلاحة يحفظ كرامته، بدلاً من أن يمد يده إلى والده المسن الضرير، الذي يقترب من 98 عاماً. تحلم والدته (95 عاماً) بأن يكون ابنها مدرّساً، هو الحاصل على شهادة جامعية في اللغة العربية. لكن مرّت السنوات وتلاشى الحلم يوماً بعد يوم.
رشيد من مواليد 27 مايو/ أيار في عام 1973. لكنّ الشيب الذي غزا شعره، يجعله يبدو أكبر سنّاً مما هو عليه. ملامح وجهه حزينة وغاضبة، وكأنه لم يبتسم أبداً. قصّة رشيد لقيت تعاطفاً كبيراً من منظمات ومكونات المجتمع المدني، إضافة إلى شباب من مختلف دول العالم، رفعوا شعارات ولافتات من قبل "شغل رشيد"، و"تشغيل رشيد حق موش مزية (ليس منّة)"، و"أين حق رشيد؟"، و"كن مع رشيد".
اقــرأ أيضاً
خاض رشيد إضراباً عن الطعام استمر 25 يوماً في معتمدية منزل بوزيان من محافظة سيدي بوزيد، وخارت قواه بسبب إضرابه المستمر عن الطعام. أحياناً كان يغيب عن الوعي، ثم يحاول الصمود مجدداً عسى أن يتفاعل المسؤولون في بلدته مع مأساته. لكنه فك الإضراب عن الطعام ويواصل اعتصامه اليوم في بيته من دون الإضراب عن الطعام.
يقول لـ "العربي الجديد": "أتمنى أن أكون سعيداً، وأفرح وأعيش مثل أي إنسان. لكن كتب عليّ الشقاء منذ طفولتي التي لم تكن سهلة. بدأت معاناتي حين كنت طفلاً، في ظل الفقر. ثم اضطررت إلى الانقطاع عن الدراسة في الصف الثالث ثانوي بسبب الظروف الاجتماعية القاهرة لأسرتي". لكنه كان متمسكاً بالعلم، وأصر على نيل الشهادة الجامعية. وحين عاد إلى مقاعد الدراسة، اعتقد أنه سيجد اليد التي تمتد إليه وتساعده، لكن رفضت عودته بسبب الإجراءات البيروقراطية، ما فاقم من أزمته. ويقول إنه على الرغم من الفقر ووضع الأسرة الصعب، عمل شقيقه الأكبر في محافظة القصرين وساعده ليدرس في مدرسة خاصة، على أمل أن يحقّق حلم العائلة ويحصل على وظيفة.
لم تكن مرحلة الدراسة بالنسبة لرشيد سهلة، خصوصاً للوصول إلى المعهد الثانوي، هو الذي يتحدّر من منطقة مهمشة منسية تسمى قرية المالوسي، ويعيش في محافظة بعيدة عن مسقط رأسه. وعلى الرغم من قضائه أياماً صعبة، إلا أنه كان يجتهد وينجح، إلى أن وصل إلى كلية الآداب والعلوم الإنسانية في القيروان. كان يعتقد أنه يقترب من تحقيق حلمه، والآتي سيكون أفضل، ويتحول الواقع المرّ إلى ذكرى. لكن في تلك الفترة، مرض والده ولم يعد قادراً على العمل في مجال البناء. والدته أيضاً عانت من مشاكل صحية وضعف بصرها.
اقــرأ أيضاً
ويبيّن أن الظروف الاجتماعية أثرت عليه كثيراً. وكلّما صارع الحياة لتحقيق حلمه ومساعدة والديه على مجابهة الحياة، واجه صعوبات تعيده خطوات عدة إلى الوراء. شارك في عشرات المناظرات والانتدابات للقيمين والمعلمين من دون جدوى، ولم يحصل على أي عمل حتى في غير تخصصه. وقد اضطرته الظروف إلى العمل في البناء والفلاحة لكسب قوت اليوم، من دون أن يظفر يوماً بما يؤمن له الاستقرار.
يقول رشيد إنه تزوّج، لكنّ زوجته كانت تعاني مشكلة صحية ما حال دون إنجابهما الأطفال. وبعد إجرائها عملية جراحية، وصف لها الطبيب أدوية باهظة الثمن، ليبقى هذا الحلم مؤجلاً. شارك رشيد في الكثير من الاعتصامات والاحتجاجات التي اندلعت في منطقته منزل بوزيان منذ الثورة التونسية في 14 يناير/ كانون الثاني 2011، وأولها كان احتجاج أصحاب الشهادات العليا العاطلين من العمل، فكان أن حصل هو وآخرون على وعود بتسوية أوضاعهم، من دون أن تتحقق. ويقول رشيد إنّ ترتيبه كان 26، ضمن مئات الشباب الذين سيحصلون على عمل. لكنّ بعد فض الاعتصام تلاشت الأحلام، مبيّناً أنّه خاض إضرابات عدة عن الطعام في وقت سابق، وقاد احتجاجاً من بيته تحت عنوان "اعتصام المنفى" و"الإقامة الجبرية"، إلى أن وصل إلى الإضراب الأخير، إضراب الأمعاء الخاوية والذي يعد الأقسى بالنسبة إليه.
وعلى الرغم من أن حالته الصحية كانت تسوء، وقد نقل أكثر من مرة إلى المستشفى، إلا أنه كان يعود كل مرة إلى مكان الاعتصام أمام مكتب المعتمد.
يؤكد رشيد أنّه خلال إضرابه عن الطعام لم ير والديه، مشيراً إلى أنه افتقد خلال هذه الفترة إلى لمسة حنونة من والدته المسنة، التي لا يفارق محياها مخيلته، ووالده الضرير. ويلفت إلى أن أسرته كانت ترفض استمراره في الإضراب عن الطعام، لكن بالنسبة إليه، الحلم ليس مجرد وظيفة، بل هو حلم في الحياة.
رشيد من مواليد 27 مايو/ أيار في عام 1973. لكنّ الشيب الذي غزا شعره، يجعله يبدو أكبر سنّاً مما هو عليه. ملامح وجهه حزينة وغاضبة، وكأنه لم يبتسم أبداً. قصّة رشيد لقيت تعاطفاً كبيراً من منظمات ومكونات المجتمع المدني، إضافة إلى شباب من مختلف دول العالم، رفعوا شعارات ولافتات من قبل "شغل رشيد"، و"تشغيل رشيد حق موش مزية (ليس منّة)"، و"أين حق رشيد؟"، و"كن مع رشيد".
خاض رشيد إضراباً عن الطعام استمر 25 يوماً في معتمدية منزل بوزيان من محافظة سيدي بوزيد، وخارت قواه بسبب إضرابه المستمر عن الطعام. أحياناً كان يغيب عن الوعي، ثم يحاول الصمود مجدداً عسى أن يتفاعل المسؤولون في بلدته مع مأساته. لكنه فك الإضراب عن الطعام ويواصل اعتصامه اليوم في بيته من دون الإضراب عن الطعام.
يقول لـ "العربي الجديد": "أتمنى أن أكون سعيداً، وأفرح وأعيش مثل أي إنسان. لكن كتب عليّ الشقاء منذ طفولتي التي لم تكن سهلة. بدأت معاناتي حين كنت طفلاً، في ظل الفقر. ثم اضطررت إلى الانقطاع عن الدراسة في الصف الثالث ثانوي بسبب الظروف الاجتماعية القاهرة لأسرتي". لكنه كان متمسكاً بالعلم، وأصر على نيل الشهادة الجامعية. وحين عاد إلى مقاعد الدراسة، اعتقد أنه سيجد اليد التي تمتد إليه وتساعده، لكن رفضت عودته بسبب الإجراءات البيروقراطية، ما فاقم من أزمته. ويقول إنه على الرغم من الفقر ووضع الأسرة الصعب، عمل شقيقه الأكبر في محافظة القصرين وساعده ليدرس في مدرسة خاصة، على أمل أن يحقّق حلم العائلة ويحصل على وظيفة.
لم تكن مرحلة الدراسة بالنسبة لرشيد سهلة، خصوصاً للوصول إلى المعهد الثانوي، هو الذي يتحدّر من منطقة مهمشة منسية تسمى قرية المالوسي، ويعيش في محافظة بعيدة عن مسقط رأسه. وعلى الرغم من قضائه أياماً صعبة، إلا أنه كان يجتهد وينجح، إلى أن وصل إلى كلية الآداب والعلوم الإنسانية في القيروان. كان يعتقد أنه يقترب من تحقيق حلمه، والآتي سيكون أفضل، ويتحول الواقع المرّ إلى ذكرى. لكن في تلك الفترة، مرض والده ولم يعد قادراً على العمل في مجال البناء. والدته أيضاً عانت من مشاكل صحية وضعف بصرها.
ويبيّن أن الظروف الاجتماعية أثرت عليه كثيراً. وكلّما صارع الحياة لتحقيق حلمه ومساعدة والديه على مجابهة الحياة، واجه صعوبات تعيده خطوات عدة إلى الوراء. شارك في عشرات المناظرات والانتدابات للقيمين والمعلمين من دون جدوى، ولم يحصل على أي عمل حتى في غير تخصصه. وقد اضطرته الظروف إلى العمل في البناء والفلاحة لكسب قوت اليوم، من دون أن يظفر يوماً بما يؤمن له الاستقرار.
يقول رشيد إنه تزوّج، لكنّ زوجته كانت تعاني مشكلة صحية ما حال دون إنجابهما الأطفال. وبعد إجرائها عملية جراحية، وصف لها الطبيب أدوية باهظة الثمن، ليبقى هذا الحلم مؤجلاً. شارك رشيد في الكثير من الاعتصامات والاحتجاجات التي اندلعت في منطقته منزل بوزيان منذ الثورة التونسية في 14 يناير/ كانون الثاني 2011، وأولها كان احتجاج أصحاب الشهادات العليا العاطلين من العمل، فكان أن حصل هو وآخرون على وعود بتسوية أوضاعهم، من دون أن تتحقق. ويقول رشيد إنّ ترتيبه كان 26، ضمن مئات الشباب الذين سيحصلون على عمل. لكنّ بعد فض الاعتصام تلاشت الأحلام، مبيّناً أنّه خاض إضرابات عدة عن الطعام في وقت سابق، وقاد احتجاجاً من بيته تحت عنوان "اعتصام المنفى" و"الإقامة الجبرية"، إلى أن وصل إلى الإضراب الأخير، إضراب الأمعاء الخاوية والذي يعد الأقسى بالنسبة إليه.
وعلى الرغم من أن حالته الصحية كانت تسوء، وقد نقل أكثر من مرة إلى المستشفى، إلا أنه كان يعود كل مرة إلى مكان الاعتصام أمام مكتب المعتمد.
يؤكد رشيد أنّه خلال إضرابه عن الطعام لم ير والديه، مشيراً إلى أنه افتقد خلال هذه الفترة إلى لمسة حنونة من والدته المسنة، التي لا يفارق محياها مخيلته، ووالده الضرير. ويلفت إلى أن أسرته كانت ترفض استمراره في الإضراب عن الطعام، لكن بالنسبة إليه، الحلم ليس مجرد وظيفة، بل هو حلم في الحياة.