08 نوفمبر 2024
رمال الصحراء تتحرّك مجدّداً
لم تكن لتمر تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، أخيراً، حول الصحراء المغربية، من دون أن تثير غضب الرباط التي اعتبرتها "غير ملائمة سياسياً، وغير مسبوقة في تاريخ هذه المنظمة، ومخالفة لقرارات مجلس الأمن، وتتناقض مع القاموس الذي دأبت على استخدامه، خصوصاً فيما يتعلق بحديثه عن احتلال مغربي لأراضي الشعب الصحراوي".
تصريحات بان كي مون هاته، والتي تأتي أسابيع قليلة قبل تقديمه تقريره السنوي أمام مجلس الأمن، تثير أسئلة وعلامات استفهام كثيرة، فهي من ناحية تتجاوز قرارات المجلس الذي لم يسبق له أن وصف المغرب بلداً محتلاً، بل ما فتئ يؤكد على ضرورة التوصل إلى حل سياسي متوافق عليه من جميع الأطراف، ومن ناحية أخرى، تجنبت هذه التصريحات الخوض، بشكلٍ لا يخلو من مفارقة، في بعض الجوانب الإنسانية ذات الصلة بالنزاع، وأبرزها رفض الجزائر و"بوليساريو" تنفيذ معاهدة جنيف الخاصة بإحصاء اللاجئين، والسماح لهم بحرية التجول والإقامة في بلد اللجوء، أو في أي بلد آخر.
يصعب الجزم بأن الأمر يتعلق بزلة لسان دبلوماسية غير محسوبة، أو سوء تقدير وقع فيه المسؤول الأممي الأول عن غير قصد، فالمعروف أن من أبسط الشروط التي يجب توفرها في هذا المنصب القدرة على التحلي بالحيادية والتحفظ والتوازن، خصوصاً الملفات التي تتسم بتعقيداتٍ قانونيةٍ وسياسيةٍ واستراتيجية، وإلا فما الذي منعه طوال السنوات المنصرمة من الإشارة إلى حالات احتلالٍ حقيقيةٍ لا تعوزها حجة التاريخ ولا الجغرافيـا، وأكثرها دلالــة ومدعاة للإدانة والشجب احتلالُ إسرائيل فلسطين وأراض عربية أخرى، واستمرارها في انتهاكاتها الصارخة، من دون حسيب أو رقيب، فلماذا لا يتفهم بان كي مون غضب الفلسطينيين، وإحساسهم بالظلم الذي يلحق بهم جرّاء الاحتلال الإسرائيلي المتواصل؟
لا يمكن استبعاد وجود ارتباط بين تصريحاته وتوقيتها الذي يتزامن مع التداعيات التي خلفها قرار محكمة العدل الأوروبية، أخيراً، حول إلغاء توسيع الاتفاق الفلاحي بين الرباط والاتحاد الأوروبي، ليشمل أقاليم المغرب الجنوبية، وهو قرار أثار استياء الحكومة المغربية، ودفعها إلى تعليق اتصالاتها مع مؤسسات الاتحاد، قبل أن يعمد الأخير إلى تقديم ضماناتٍ بشأن الاستمرار في العمل بالاتفاق. بمعنى أن النزاع بات يفرز واجهاتٍ جديدةً، تلعب فيها اللوبيات وجماعات الضغط والمصالح دوراً لا يمكن التقليل من أهميته، لا سيما أمام تزايد الاستقطابات الإقليمية والدولية بشأن الثروات الطبيعية الهائلة في المنطقة، وإذا ما وضعنا في الاعتبار أن ولاية بان كي مون تنتهي مطلع السنة المقبلة، وبأنه ليس لديه ما يخسره من الناحية المهنية، فمن غير المستبعد أن تكون في تصريحاته محابـاة (لها ما وراءها ربما!) لصناع القرار في قصر المرادية في الجزائر.
من المرجح أن تعرف رمال الصحراء حركةً كثيرةً في الفترة المقبلة، ما يعني أن القضية الوطنية مقبلة على انعطافةٍ حاسمةٍ على ضوء المتغيرات الحاصلة، وتزايد أعمال العنف والفوضى في الجوار الإقليمي، والتحديات التي باتت تواجهها دول المنطقة بخصوص احتمال إعادة تشكيل خرائطها على أسس جديدة. لذلك، البدائل والخيارات التي انخرط فيها المغرب (مقترح الحكم الذاتي الذي قدمه عام 2007، الرهان على تنمية الأقاليم الصحراوية والتنزيل القانوني والتنظيمي للجهوية الموسعة...) تبدو، على أهميتها، بحاجة إلى تعزيزاتٍ سياسيةٍ ومؤسساتيةٍ واقتصاديةٍ واجتماعيةٍ كبرى، تدفع في اتجاه الخروج العاجل من الخانة الرمادية المحكومة بلبرلة سياسية محدودة، وغير منتجة لامتداداتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية على المدى البعيد، وتبني تحول ديمقراطي حقيقي، تصبح معه هذه القضية أحد روافد هذا التحول، باعتبارها شأناً لا يهم فقط السلطة والنخب، بل المغاربة بمختلف فئاتهم.
لهذا، لن تصبح ما يسميها بعضهم في المغرب الدبلوماسية الموازية فاعلةً، وقادرة على التأثير في بعض مسارات النزاع، إلا في ضوء أداء دبلوماسي حكومي محكم، ينطلق من رؤية متوازنة، تأخذ بالاعتبار جدلية المكاسب والخسائر في كل قرارٍ ذي صلة بالصحراء، ومواقفَ القوى الكبرى وخياراتها، وما يطرأ عليها من تحول يرتبط دائماً بمصالحها الاقتصادية والاستراتيجية، بمعنى أنه لا يمكن أن نضع العربة قبل الحصان، فالدبلوماسية التي تقوم بها النخب الحزبية والبرلمانية ومنظمات المجتمع المدني، على الرغم من أهميتها أحياناً، لا يمكن أن تكون بديلاً عن الدبلوماسية الرسمية التي باتت بحاجة، أكثر من أي وقت مضى، لتجديد دمائها ومراجعة آليات اشتغالها المختلفة.
تصريحات بان كي مون هاته، والتي تأتي أسابيع قليلة قبل تقديمه تقريره السنوي أمام مجلس الأمن، تثير أسئلة وعلامات استفهام كثيرة، فهي من ناحية تتجاوز قرارات المجلس الذي لم يسبق له أن وصف المغرب بلداً محتلاً، بل ما فتئ يؤكد على ضرورة التوصل إلى حل سياسي متوافق عليه من جميع الأطراف، ومن ناحية أخرى، تجنبت هذه التصريحات الخوض، بشكلٍ لا يخلو من مفارقة، في بعض الجوانب الإنسانية ذات الصلة بالنزاع، وأبرزها رفض الجزائر و"بوليساريو" تنفيذ معاهدة جنيف الخاصة بإحصاء اللاجئين، والسماح لهم بحرية التجول والإقامة في بلد اللجوء، أو في أي بلد آخر.
يصعب الجزم بأن الأمر يتعلق بزلة لسان دبلوماسية غير محسوبة، أو سوء تقدير وقع فيه المسؤول الأممي الأول عن غير قصد، فالمعروف أن من أبسط الشروط التي يجب توفرها في هذا المنصب القدرة على التحلي بالحيادية والتحفظ والتوازن، خصوصاً الملفات التي تتسم بتعقيداتٍ قانونيةٍ وسياسيةٍ واستراتيجية، وإلا فما الذي منعه طوال السنوات المنصرمة من الإشارة إلى حالات احتلالٍ حقيقيةٍ لا تعوزها حجة التاريخ ولا الجغرافيـا، وأكثرها دلالــة ومدعاة للإدانة والشجب احتلالُ إسرائيل فلسطين وأراض عربية أخرى، واستمرارها في انتهاكاتها الصارخة، من دون حسيب أو رقيب، فلماذا لا يتفهم بان كي مون غضب الفلسطينيين، وإحساسهم بالظلم الذي يلحق بهم جرّاء الاحتلال الإسرائيلي المتواصل؟
لا يمكن استبعاد وجود ارتباط بين تصريحاته وتوقيتها الذي يتزامن مع التداعيات التي خلفها قرار محكمة العدل الأوروبية، أخيراً، حول إلغاء توسيع الاتفاق الفلاحي بين الرباط والاتحاد الأوروبي، ليشمل أقاليم المغرب الجنوبية، وهو قرار أثار استياء الحكومة المغربية، ودفعها إلى تعليق اتصالاتها مع مؤسسات الاتحاد، قبل أن يعمد الأخير إلى تقديم ضماناتٍ بشأن الاستمرار في العمل بالاتفاق. بمعنى أن النزاع بات يفرز واجهاتٍ جديدةً، تلعب فيها اللوبيات وجماعات الضغط والمصالح دوراً لا يمكن التقليل من أهميته، لا سيما أمام تزايد الاستقطابات الإقليمية والدولية بشأن الثروات الطبيعية الهائلة في المنطقة، وإذا ما وضعنا في الاعتبار أن ولاية بان كي مون تنتهي مطلع السنة المقبلة، وبأنه ليس لديه ما يخسره من الناحية المهنية، فمن غير المستبعد أن تكون في تصريحاته محابـاة (لها ما وراءها ربما!) لصناع القرار في قصر المرادية في الجزائر.
من المرجح أن تعرف رمال الصحراء حركةً كثيرةً في الفترة المقبلة، ما يعني أن القضية الوطنية مقبلة على انعطافةٍ حاسمةٍ على ضوء المتغيرات الحاصلة، وتزايد أعمال العنف والفوضى في الجوار الإقليمي، والتحديات التي باتت تواجهها دول المنطقة بخصوص احتمال إعادة تشكيل خرائطها على أسس جديدة. لذلك، البدائل والخيارات التي انخرط فيها المغرب (مقترح الحكم الذاتي الذي قدمه عام 2007، الرهان على تنمية الأقاليم الصحراوية والتنزيل القانوني والتنظيمي للجهوية الموسعة...) تبدو، على أهميتها، بحاجة إلى تعزيزاتٍ سياسيةٍ ومؤسساتيةٍ واقتصاديةٍ واجتماعيةٍ كبرى، تدفع في اتجاه الخروج العاجل من الخانة الرمادية المحكومة بلبرلة سياسية محدودة، وغير منتجة لامتداداتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية على المدى البعيد، وتبني تحول ديمقراطي حقيقي، تصبح معه هذه القضية أحد روافد هذا التحول، باعتبارها شأناً لا يهم فقط السلطة والنخب، بل المغاربة بمختلف فئاتهم.
لهذا، لن تصبح ما يسميها بعضهم في المغرب الدبلوماسية الموازية فاعلةً، وقادرة على التأثير في بعض مسارات النزاع، إلا في ضوء أداء دبلوماسي حكومي محكم، ينطلق من رؤية متوازنة، تأخذ بالاعتبار جدلية المكاسب والخسائر في كل قرارٍ ذي صلة بالصحراء، ومواقفَ القوى الكبرى وخياراتها، وما يطرأ عليها من تحول يرتبط دائماً بمصالحها الاقتصادية والاستراتيجية، بمعنى أنه لا يمكن أن نضع العربة قبل الحصان، فالدبلوماسية التي تقوم بها النخب الحزبية والبرلمانية ومنظمات المجتمع المدني، على الرغم من أهميتها أحياناً، لا يمكن أن تكون بديلاً عن الدبلوماسية الرسمية التي باتت بحاجة، أكثر من أي وقت مضى، لتجديد دمائها ومراجعة آليات اشتغالها المختلفة.