14 نوفمبر 2024
رهائن حماس في معتقلات السعودية
(1)
على استحياء شديد تسربت أنباء اعتقال سلطات العربية السعودية نحو ستين من المواطنين الأردنيين والفلسطينيين، من دون توجيه أي تهمة لهم، أو تقديمهم للمحاكمة. انقطعت أخبارهم عدة أشهر، بعد اعتقالهم في ظروف غريبة، ثم بدأت السلطات تسمح لبعض العائلات بزيارة معتقليها، وفي أحيان أخرى سمحت للمعتقلين بالتحدّث مع أبناء أسرهم هاتفيا، بين خمس دقائق إلى عشرين دقيقة، وربما أكثر. وفجأة قررت السلطات عزل المعتقلين تماما عن أهاليهم، ومنعت الزيارات والاتصالات الهاتفية، وغاب "الأسرى"، أو قل "الرهائن"، وراء صمتٍ مطبقٍ من السلطات، فلا إيضاحات ولا تفسير، ولا أي خبر.
قل ما شئت عن ظروف الاعتقال أو الأسر، فأنت تتحدّث عن دولة بلا قوانين، ولا دستور، بل تعليمات مؤقتة تتغير شفهيّا أو كتابيا، والأمر كله منوط بمزاج "طويل العمر" المتحكّم في أعمار الخلق، وفق مزاجه ووفق ما يمليه عليه حلمُه في أن يصبح ملكا. وفي الطريق إلى تحقيق هذا الحلم، لا بأس من تقطيع جمال خاشقجي بالمنشار، وإذابة جثته في الأسيد، أو حرقها في فرن أسطوري. ولا بأس أيضا من ختم كل فم ينطق بكلمةٍ لا تعجبه بالشمع الأحمر، وزجّه في قبو سجن منسي. ولا بأس من ارتكاب كل ما يُملى عليه من الأسياد، حتى لو وصل الأمر إلى تمزيق كل "ثوابت" المملكة، وقيمها، وأخلاقها، وعاداتها، وإطلاق ذبابه وبقّه لتمجيد جرائم الاحتلال الصهيوني، والغزل بنتنياهو وشتم فلسطين وأهلها، فالمهم أن يرضى عنه الأسياد، ويمهدون له الطريق إلى كرسي الحكم المطلق.
ستّون جمال خاشقجي الآن في قبضة الغموض والخوف والمصير المجهول، لا يعلم عنهم
أهلوهم شيئا، ومصيرهم في يد شخص واحد، حياتهم منوطة بما ينطقه. إن سكت سكت الجميع، وإن تجرأ أحدٌ وسأل عن قريبه قيل له أي شيء، فلا قوانين تردع أو أنظمة تكفل حياة أحد. من الممكن مثلا، وقبل الانتهاء من كتابة هذا المقال، أن يحدث أي شيء بلا تفسير أو إيضاح، والخوف الذي يتملّك أسر الأسرى أكبر من أن تحتويه كلمات، فأهالي الأردنيين من الرهائن هرعوا إلى حكومتهم لإنقاذ فلذات أكبادهم، بلا أي نتيجة أو فائدة، أو حتى رد فعل حقيقي، بيان رسمي واحد لم تنطق به الحكومة الأردنية، والجواب الدائم الذي يسمعه من يراجعها من الأهالي: نتابع القضية مع السلطات المختصة، والحقيقة أنه لا متابعة، ولا من يحزنون، فهم يتلقون فقط ما تقوله لهم تلك "السلطات المختصة!"، هذا إن قالت. وقل مثل هذا عن مجلس النواب الأردني، ونقابة الصحافيين الأردنيين ومجلس النقباء والأحزاب، لم ينطق أحدٌ ولو بكلمة، كأن آل سعود غول ابتلع ألسنة الجميع. وباستثناء تسريبات وأخبار متقطعةٍ وتغريداتٍ مجتزأة هنا أو هناك، ولهاثٍ من بعض منظمات حقوق الإنسان، أو نداءات متعبة، لا يجرؤ أحد على الحديث، وحتى حركة حماس، باعتبارها الحركة ذات العلاقة بالأسرى الذين تتهم سلطات آل سعود بعضهم بالانتماء إليها، لم تنطق ولو بحرفٍ واحدٍ، لحسابات هي أدرى بها.
أما الفلسطينيون من أبناء قطاع غزة من الأسرى، فلا بواكي لهم أيضا، وسلطة غزة أضعف من حكومة الأردن في هذا المجال، أما سلطة رام الله فربما "تعاونت" مع سلطات آل سعود في ما فعلت، والله أعلم.
(2)
مر على اعتقال الأسرى نحو ستة أشهر، ولا يبدو في الأفق ولو بصيص أمل بانتهاء محنتهم. التهمة التي شاعت أنهم يحملون أفكارا مؤيدة للمقاومة، ويعمل بعضهم بالعمل الخيري الداعم لأبناء فلسطين، تحت الاحتلال أو خارجه. وبعض المعتقلين بلغ من العمر عتيا، ومعظمهم مرضى يحتاجون علاجا ومتابعة طبية. ومن الناحية الرسمية، لم يصدر علنا أي خبر من حكومة العربية السعودية يعترف باعتقالهم، إلا ما تسرّبه للسفارة الأردنية في المملكة، ولا يدري الإعلام، على وجه الخصوص، عن ماهية ما تقوله حكومة آل سعود للحكومة الأردنية عبر السفارة، فلم ينطق أحد، لا في عمّان ولا في الرياض ولا في غزة ولا في رام الله، فهي قضيةٌ من أغرب ما يمر في بلادنا، تكتّم وغموض وأسرار، تحيط بستين شخصا أو أكثر، وخلفهم أسر وأهال يعدّون بالمئات، يعيشون على أعصابهم، لا يدرون ما يفعلون، يتامى في قبضة من لا يرحم، وصاحب سوابق تقشعر لها الأبدان.
لا أعرف على وجه التحديد حقيقة علاقة هؤلاء الأسرى بحركة حماس، ولكني متأكد، على
وجه اليقين، من أن لكل أو جل الأسرى مواقف وطنية مشرّفة من المقاومة الفلسطينية، ومتعاطفون معها، وهو أمر معلنٌ، وتعلم عنه حكومة آل سعود منذ سنوات، بل إن من عمل لفلسطين من الأسرى أو الرهائن عمل بدعمٍ من هذه الحكومة وعلمها، ولم يعمل شيئا يهدّد أمن البلد الذي يعيش فيه. ومع هذا يجد ذلك المصير المخيف، إذ يغيب خلف جدران المعتقل كل هذه المدة، ومصيره مجهول، ولا أحد، تقريبا، يطالب به بشكل جدّي.
ليست هذه القضية قضية حماس، حتى ولو تمت على سبيل الضغط عليها لتغيير سياساتها، وتسليم بنادقها للاحتلال، والسير في ركب السائرين في طريق كوشنر وترامب ونتنياهو. هذه قضية رأي عام وحريات ومعتقلين مستضعفين في الأرض، يحتاجون دعم كل صاحب رأي أو سلطة أو قلم، للوقوف في وجه عصابة المناشير، فمن أزهق روح جمال خاشقجي بتلك الطريقة البشعة، وأفلت من العقاب أو كاد، ليس صعبا عليه أن يعيد تكرار الجريمة، ولو بطريقة أخرى، ربما بـ"احترافية" أكثر هذه المرة.
الستون إنسانا اليوم ربما هم رهائن "حماس" في سجون آل سعود، خصوصا بعد زيارة وفدها إلى طهران (!) والاستفزاز الذي شعرت به الرياض، ولكنهم، في الوقت نفسه، هم مواطنون بشر يستحقون كل دعم لإنقاذهم من ذهنية المنشار، وأحكام الإعدام التي يطلقها "مشايخ" قتلة، بأوامر من "طويل العمر" المتخصص في تقصير أعمار الخلق، والتحكّم في رقابهم، بدعم دولي، وربما عربي، من العصابة التي تحكم العالم، ولا ترى بأسا من تقصير قامات البشر على مقاس ارتفاع كعب حذاء أصغر أفرادها.
قل ما شئت عن ظروف الاعتقال أو الأسر، فأنت تتحدّث عن دولة بلا قوانين، ولا دستور، بل تعليمات مؤقتة تتغير شفهيّا أو كتابيا، والأمر كله منوط بمزاج "طويل العمر" المتحكّم في أعمار الخلق، وفق مزاجه ووفق ما يمليه عليه حلمُه في أن يصبح ملكا. وفي الطريق إلى تحقيق هذا الحلم، لا بأس من تقطيع جمال خاشقجي بالمنشار، وإذابة جثته في الأسيد، أو حرقها في فرن أسطوري. ولا بأس أيضا من ختم كل فم ينطق بكلمةٍ لا تعجبه بالشمع الأحمر، وزجّه في قبو سجن منسي. ولا بأس من ارتكاب كل ما يُملى عليه من الأسياد، حتى لو وصل الأمر إلى تمزيق كل "ثوابت" المملكة، وقيمها، وأخلاقها، وعاداتها، وإطلاق ذبابه وبقّه لتمجيد جرائم الاحتلال الصهيوني، والغزل بنتنياهو وشتم فلسطين وأهلها، فالمهم أن يرضى عنه الأسياد، ويمهدون له الطريق إلى كرسي الحكم المطلق.
ستّون جمال خاشقجي الآن في قبضة الغموض والخوف والمصير المجهول، لا يعلم عنهم
أما الفلسطينيون من أبناء قطاع غزة من الأسرى، فلا بواكي لهم أيضا، وسلطة غزة أضعف من حكومة الأردن في هذا المجال، أما سلطة رام الله فربما "تعاونت" مع سلطات آل سعود في ما فعلت، والله أعلم.
(2)
مر على اعتقال الأسرى نحو ستة أشهر، ولا يبدو في الأفق ولو بصيص أمل بانتهاء محنتهم. التهمة التي شاعت أنهم يحملون أفكارا مؤيدة للمقاومة، ويعمل بعضهم بالعمل الخيري الداعم لأبناء فلسطين، تحت الاحتلال أو خارجه. وبعض المعتقلين بلغ من العمر عتيا، ومعظمهم مرضى يحتاجون علاجا ومتابعة طبية. ومن الناحية الرسمية، لم يصدر علنا أي خبر من حكومة العربية السعودية يعترف باعتقالهم، إلا ما تسرّبه للسفارة الأردنية في المملكة، ولا يدري الإعلام، على وجه الخصوص، عن ماهية ما تقوله حكومة آل سعود للحكومة الأردنية عبر السفارة، فلم ينطق أحد، لا في عمّان ولا في الرياض ولا في غزة ولا في رام الله، فهي قضيةٌ من أغرب ما يمر في بلادنا، تكتّم وغموض وأسرار، تحيط بستين شخصا أو أكثر، وخلفهم أسر وأهال يعدّون بالمئات، يعيشون على أعصابهم، لا يدرون ما يفعلون، يتامى في قبضة من لا يرحم، وصاحب سوابق تقشعر لها الأبدان.
لا أعرف على وجه التحديد حقيقة علاقة هؤلاء الأسرى بحركة حماس، ولكني متأكد، على
ليست هذه القضية قضية حماس، حتى ولو تمت على سبيل الضغط عليها لتغيير سياساتها، وتسليم بنادقها للاحتلال، والسير في ركب السائرين في طريق كوشنر وترامب ونتنياهو. هذه قضية رأي عام وحريات ومعتقلين مستضعفين في الأرض، يحتاجون دعم كل صاحب رأي أو سلطة أو قلم، للوقوف في وجه عصابة المناشير، فمن أزهق روح جمال خاشقجي بتلك الطريقة البشعة، وأفلت من العقاب أو كاد، ليس صعبا عليه أن يعيد تكرار الجريمة، ولو بطريقة أخرى، ربما بـ"احترافية" أكثر هذه المرة.
الستون إنسانا اليوم ربما هم رهائن "حماس" في سجون آل سعود، خصوصا بعد زيارة وفدها إلى طهران (!) والاستفزاز الذي شعرت به الرياض، ولكنهم، في الوقت نفسه، هم مواطنون بشر يستحقون كل دعم لإنقاذهم من ذهنية المنشار، وأحكام الإعدام التي يطلقها "مشايخ" قتلة، بأوامر من "طويل العمر" المتخصص في تقصير أعمار الخلق، والتحكّم في رقابهم، بدعم دولي، وربما عربي، من العصابة التي تحكم العالم، ولا ترى بأسا من تقصير قامات البشر على مقاس ارتفاع كعب حذاء أصغر أفرادها.