19 ابريل 2021
رهانات الثورة المضادّة
هناك نقاط مشتركة بين مواقف أصحاب القرار في الجزائر ولبنان والعراق، تتلخص في احتجاز الحراك والحؤول دون انتقاله من طور المطالب إلى طور البرامج، وجعله يدور في فراغٍ ليسهل اتهامه بإثارة الفوضى، من خلال احتلاله الشوارع وامتناعه عن التواصل مع السلطات لتقديم ما لديه، إنْ كان لديه حقا ما يقدّمه، أو راغبا في بلوغ أهدافه عبر إصلاحٍ شاملٍ عليه مساندته، عوض تعطيل البلاد وزجّها في مآزق يمنع السلطات من معالجتها، لأنه حراكٌ يرفض الحوار وليس له قيادة.
هذا النهج الرسمي المشترك، الذي يفيد من سلبية الثورة ونقاط ضعفها، أخذ في سورية صورة سحقٍ عنيفٍ للشعب وسيلتها الحرب لا السياسة، بينما يأخذ شكل احتواءٍ في لبنان والعراق والجزائر، يستند إلى توحيد مواقف أهل الحكم وضبطها، والتعايش مع الحراك، ورفض الاستجابة لمطالبه، إلى أن يستهلك نفسه ذاتيا، ويعجز عن تخطّي المماطلة الرسمية التي تدّعي الرغبة في حوار وطني يفتقر إلى الطرف الآخر، فتنفضّ بمرور الوقت جماهيره عنه، لافتقاره إلى برامج تنقله من تكرار مطالبه التي لا يستجيب إليها النظام إلى المبادرة التي تضعه في مواقف دفاعية.
هذا الرهان السلطوي الذي يهدف إلى المحافظة على الأمر القائم، كما في العراق، حيث لم يعد هناك من يصلح مرشّحا لتشكيل الوزارة غير عادل عبد المهدي الذي أرغمه الحراك على الاستقالة، أو من تقترحه أحزاب إيران التي ثار الشعب عليها، لاحتواء مطالبة الحراك ببديلٍ لا ينتمي إليها، بينما مكّن جيش الجزائر واحدا ممن ينسبهم الشعب إلى النظام من بلوغ سدة الرئاسة في انتخاباتٍ رفض 60% من الشعب المشاركة فيها، ليقود عملية الإصلاح بأصوات قرابة 20% من الجزائريين، وحال دون التوافق على برنامج إصلاح دستوري وانتخابي يتم اختيار أحد الذين يلتزمون بتنفيذه من خارج الطبقة السياسية الفاسدة، لرئاسة الجمهورية الديمقراطية الجديدة. بالتوازي مع ذلك، يتجاهل الجنرال ميشال عون في لبنان، منذ قرابة شهرين، مطالب المتظاهرين، ويعمل لامتصاص زخم حراكهم من خلال تصريحاتٍ تشيد بهم، من دون أن يتفاعل إيجابيا مع مطالبتهم بتغيير الفاسدين من أهل النظام، وخصوصا منهم صهره جبران باسيل.
يراهن أعداء الثورة على الوقت، وتعفين الحراك، وإغراقه بالعجز، لتفكيك حاضنته الشعبية، وتيئيس من يشاركون فيه من قطاعاتٍ شعبيةٍ تنتمي إلى جميع المنابت والأعمار. ويراهن الثائرون على عدالة مطالبهم وشعبيتها، ولكن السياسة ليست فقط هذا الرهان، بل هي التوسطات الضرورية لنقله من حيز الفكرة إلى رحابة الواقع، تلبيةً لحقوق المنخرطين فيه التي يجب أن يبرز طابعها المشترك في ما يقدّم لها من قراءاتٍ ومطالب إجرائية، ليعبّر عما في الحراك من ألوانٍ تمسّ الحاجة اليوم إلى تعريفها، بواسطة جهةٍ مؤهلةٍ لذلك من الحراكيين، بعد أن تجاوزوا المرحلة الأولى من نشاطهم الجماهيري الكثيف، وصار من الضروري فتح باب الحوار بشأن ما يجب أن يتوافق عليه المتظاهرون من طرح سياسي، يدفع القضية إلى طور وطني عام، لا بد أن يتضمّن تصنيفا للقوى السياسية العاملة في الساحة، وأن يحشد وراءه من يتبنّون برنامجه منها، لينقل التفكيك إلى الصف الرسمي، بدل أن يفكّكه الرسميون، وليبقي صفوفه موحدة، ومواقفه متصاعدة، وعصية على التعفين والنكوص.
الثورة صراعٌ يكسبه من يديره أفضل من خصمه، لأن عدالة أي قضيةٍ لا تكفي لانتصارها، ولو كانت كافيةً لانتصر السوريون بعد أيام من ثورتهم. ومن يراقب ما يحدث في لبنان والعراق، يرى الطبقة السياسية وقد حافظت على تماسكها في وجه حراكٍ يتحول إلى حدث يومي، يطالب بما لا يستطيع تحقيقه، وتتلاشى قدرته على كسب رهان الثورة، كما حدث في الجزائر، وقد يحدث في لبنان، حيث تمسّ الحاجة إلى ديناميةٍ سياسيةٍ هدفها كسب الصراع بدعم شارع نشط، يقبل خصومه الإصلاح، أو يغادرون السلطة!
هذا الرهان السلطوي الذي يهدف إلى المحافظة على الأمر القائم، كما في العراق، حيث لم يعد هناك من يصلح مرشّحا لتشكيل الوزارة غير عادل عبد المهدي الذي أرغمه الحراك على الاستقالة، أو من تقترحه أحزاب إيران التي ثار الشعب عليها، لاحتواء مطالبة الحراك ببديلٍ لا ينتمي إليها، بينما مكّن جيش الجزائر واحدا ممن ينسبهم الشعب إلى النظام من بلوغ سدة الرئاسة في انتخاباتٍ رفض 60% من الشعب المشاركة فيها، ليقود عملية الإصلاح بأصوات قرابة 20% من الجزائريين، وحال دون التوافق على برنامج إصلاح دستوري وانتخابي يتم اختيار أحد الذين يلتزمون بتنفيذه من خارج الطبقة السياسية الفاسدة، لرئاسة الجمهورية الديمقراطية الجديدة. بالتوازي مع ذلك، يتجاهل الجنرال ميشال عون في لبنان، منذ قرابة شهرين، مطالب المتظاهرين، ويعمل لامتصاص زخم حراكهم من خلال تصريحاتٍ تشيد بهم، من دون أن يتفاعل إيجابيا مع مطالبتهم بتغيير الفاسدين من أهل النظام، وخصوصا منهم صهره جبران باسيل.
يراهن أعداء الثورة على الوقت، وتعفين الحراك، وإغراقه بالعجز، لتفكيك حاضنته الشعبية، وتيئيس من يشاركون فيه من قطاعاتٍ شعبيةٍ تنتمي إلى جميع المنابت والأعمار. ويراهن الثائرون على عدالة مطالبهم وشعبيتها، ولكن السياسة ليست فقط هذا الرهان، بل هي التوسطات الضرورية لنقله من حيز الفكرة إلى رحابة الواقع، تلبيةً لحقوق المنخرطين فيه التي يجب أن يبرز طابعها المشترك في ما يقدّم لها من قراءاتٍ ومطالب إجرائية، ليعبّر عما في الحراك من ألوانٍ تمسّ الحاجة اليوم إلى تعريفها، بواسطة جهةٍ مؤهلةٍ لذلك من الحراكيين، بعد أن تجاوزوا المرحلة الأولى من نشاطهم الجماهيري الكثيف، وصار من الضروري فتح باب الحوار بشأن ما يجب أن يتوافق عليه المتظاهرون من طرح سياسي، يدفع القضية إلى طور وطني عام، لا بد أن يتضمّن تصنيفا للقوى السياسية العاملة في الساحة، وأن يحشد وراءه من يتبنّون برنامجه منها، لينقل التفكيك إلى الصف الرسمي، بدل أن يفكّكه الرسميون، وليبقي صفوفه موحدة، ومواقفه متصاعدة، وعصية على التعفين والنكوص.
الثورة صراعٌ يكسبه من يديره أفضل من خصمه، لأن عدالة أي قضيةٍ لا تكفي لانتصارها، ولو كانت كافيةً لانتصر السوريون بعد أيام من ثورتهم. ومن يراقب ما يحدث في لبنان والعراق، يرى الطبقة السياسية وقد حافظت على تماسكها في وجه حراكٍ يتحول إلى حدث يومي، يطالب بما لا يستطيع تحقيقه، وتتلاشى قدرته على كسب رهان الثورة، كما حدث في الجزائر، وقد يحدث في لبنان، حيث تمسّ الحاجة إلى ديناميةٍ سياسيةٍ هدفها كسب الصراع بدعم شارع نشط، يقبل خصومه الإصلاح، أو يغادرون السلطة!