روهينغا مع اختلاف التفاصيل
شهد الأسبوع الماضي تطوراً ملفتاً في قضية اضطهاد أقلية الروهينغا، المستمرة منذ سنوات في ميانمار (بورما)، وضعها في صدارة نشرات الأخبار، إذ سقط عشرات من أفراد الشرطة البورمية قتلى في أكبر هجوم مسلح يشنه جيش إنقاذ شعب الروهينغا في ولاية أراكان. على الأثر، سارع عشرات الآلاف من السكان المحليين إلى الفرار باتجاه بنغلادش، مخافة أن يكرّر الجيش البورمي الفظائع التي ارتكبها بحقهم، بعد هجماتٍ مماثلة وقعت ضده في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، شملت جرائم اغتصاب جماعية وعمليات تعذيب ومجازر.
والروهينغا أقلية من البورميين، يدينون بالإسلام ويقطنون ولاية أراكان غرب ميانمار قرب الحدود مع بنغلادش. يتعرض هؤلاء القوم الذين ترفض السلطات البورمية التسمية التي تطلق عليهم، بادعاء أنهم مهاجرون من بنغلادش، للاضطهاد منذ حصول البلاد على استقلالها عن بريطانيا عام 1948. لكن التنكيل بهم، وللمفارقة، ازداد على نطاقٍ واسع بعد انتهاء الحكم العسكري الذي قبض على السلطة منذ الاستقلال وحتى عام 2011، حيث غدا التطهير العرقي سياسةً رسمية للدولة، منذ وصول الحكومة المدنية إلى السلطة بعد انتخابات عام 2010، وحيث شغلت "مناضلة" حقوق الإنسان، أون سان سو تشي، مناصب رفيعة فيها بما في ذلك منصب وزير الخارجية والتعليم والطاقة، قبل أن تؤول إليها رئاسة الحكومة العام الماضي.
تعد أون سان سو تشي أيقونة في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان والنضال من أجل الديموقراطية ضد الحكم العسكري في بورما أكثر من عشرين عاماً، لكن من الواضح أن هذه السيدة عندما كانت تطلب الحرية لشعبها لم تكن تقصد أن الروهينغا مشمولون بهذا الحق، حيث رفضت، بعد تسلمها جائزة نوبل للسلام عام 1991، أن تصفهم مواطنين بورميين، كما رفضت إدانة العنف الذي يتعرّضون له، أو اعتبار ما يجري ضدهم من أنواع الإبادة. وقد طلبت السيدة سو تشي، العام الماضي، بعد أن غدت رئيسة للوزراء من سفيرها في الأمم المتحدة التوقف عن استخدام اسم الروهينغا عند الإشارة الى مسلمي أراكان، فيما اتهمتها وسائل إعلام غربية بأنها تشرعن الإبادة الجماعية في ميانمار.
تجري مذابح الروهينغا منذ سنوات على مرأى من العالم، وتقوم بها عصاباتٌ بوذية متطرّفة تغطيها حكومة سو تشي القريبة من الغرب، وباستثناء تشكيل بعثة تقصي حقائق أممية برئاسة الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة، كوفي أنان، حول الوضع في أراكان، لم يحرك العالم ساكنا لوقف الجرائم التي يتعرّض لها الروهينغا. وكان أقصى ما ذهبت إليه البعثة في تقريرها الذي نشر الأسبوع الماضي الدعوة إلى منح مزيد من الحقوق للروهينغا، خصوصا حق التنقل (أن يسمح لهم بهجرة بلادهم!)، "وإلا فإن التطرّف والتشدد سوف يغلب عليهم".
لم ينتظر الروهينغا أن تتوصل بعثة أنان الى هذا الكشف المثير، بل قامت جماعة منهم أواخر العام الماضي بتأسيس "جيش إنقاذ شعب الروهينغا"، معلنين أن هدفهم هو الوقوف بوجه الجرائم التي ترتكب ضدهم على مرأى من العالم. ومنذ إعلانه، والسلطات البورمية تحاول لصق تهمة التطرّف بالتنظيم الناشئ، مدعية أن مقاتلين أجانب من تنظيمات متشدّدة في باكستان وبنغلادش يقودونه. وفي ظل المناخ العالمي السائد حول الإسلام، والإرهاب الذي يضرب في غير مكان من العالم على يد محسوبين عليه، قد تنجح حكومة ميانمار، على الأرجح، في وصم جيش إنقاذ الروهينغا بالإرهاب. وسوف يساعدها في ذلك التنظيم إذا اتجه إلى استهداف المدنيين، ردًا على الجرائم التي يرتكبها المتطرّفون البوذيون بحق الروهينغا، عندها سينسى العالم الفظائع التي دفعت إلى نشوء الجيش، وستصبح القضية قضية إرهاب، وقد يحشد عندها الرئيس ترامب الحشود، لمواجهته باعتبار أن محاربة الإرهاب مهمة حضارية ألقيت عليه. كيف تختلف هذه القصة عما يجري في المشرق العربي؟ الفرق في التفاصيل فقط، فهنا كما هناك، على الشعوب أن تُذبح صامتة، وإلا فتهمة الإرهاب جاهزة، وقد يكون هذا أفضل للجلاد، لأن العالم سيهب حينها لمساعدته. في المحصلة، يبدو أن الجميع روهينغا، وفي كل الحالات ميتون، صمتاً أو مع شيءٍ من المقاومة، ثم يستغربون لماذا يتطرّف الناس.