"سيّدة تحمل ورقة بيدها تُخبر زوجها بديون متراكمة عليها، وأخرى تستأذنه لبيع أثاث المنزل"، عبارات كُتبت على قطع من ورق حملها بعض أهالي أسر المحبوسين في جلسات المحاكمة، حملت خلفها العديد من القصص لغياب عائل الأسرة الوحيد. فغياب عائل الأسرة، دفع الزوجات لإنشاء مشاريعهن الخاصّة، وسط صعوبة الحصول على وظيفة في الوقت الحالي.
أكل بيتي
فقدت أم حمزة زوجها في الأحداث التي تلت فضّ ميداني رابعة العدوية والنهضة في 14 أغسطس/ آب 2013، ولم يعد هناك عائل لها. "أم حمزة للأكل البيتي"، هكذا قرّرت أن تعمل معتمدة على نفسها، موضّحة في حديث إلى "جيل" أن تلك كانت الفكرة الفضلى بالنسبة لها، حتى يتسنّى لها أن تكون مع أبنائها الصغار لرعايتهم، في ظل انعدام فرص للعمل، معلقة بالقول: "لا يوجد حل آخر".
بدأت أم حمزة العمل منذ ما يقرب من 3 أشهر في محافظة بني سويف، بصعيد مصر، ووجدت مساعدة من الأسر المحيطة بها وتشجيعًا منهم، مؤكدة أنها حتى الآن لم تتعرّض إلى المشاكل، كونها زوجة أحد ضحايا الأحداث، فبعض الأفراد ترفض التعامل معهم.
"ياسمين للأكل البيتي ومساعدة أهالي المحبوسين، تعبتي من أكل الزيارة، بتيجي من سفر وبتشيلي هم ومشقة النقل"، كان هذا نص الإعلان الذي بدأت به زوجة أحد المحبوسين مشروعها الخاص على صفحات التواصل الاجتماعي.
تعلم أم ياسمين، معاناة الزيارة وتجهيز الطعام، خاصّة وأنها زوجة أحد المحبوسين بسجن طرّة، وهو ما دفعها لبدء مشروع يحمل عائدًا ماديًا لها، وفي الوقت نفسه تمكنها مساعدة الأهالي وتوفير بعض المشقّة عنهن، على حدّ قولها.
واجهت أم ياسمين العديد من الانتقادات، خاصّة بعد أن أعلنت ذلك، لكنها تؤكّد أنها تعلم معاناة الأهالي في الزيارة، خاصّة أن الكثير منهم يأتي من محافظات بعيدة عن القاهرة مما يعرّض الطعام للتلف خلال السفر، تكتفي بكلمات الشكر التي تستمع لها أمام بوابات سجن طرة عند تسليمها الطعام للأهالي، على حد تعبيرها.
لا حل آخر
اضطرت زوجة محمد، إلى الخروج للعمل بعد القبض عليه في بداية 2014، ورفضت الجهة التي كان يشتغل فيها زوجها إعطاءها راتبه كاملاً، وأصبحت تحصل على نصفه فقط، في مقابل ذلك تعيل زوجته 6 أطفال أصغرهم مريض بالقلب.
بدأت العمل في إنهاء بعض الخدمات المنزلية، خاصّة أنها لا تملك شهادة تعليمية يمكنها العمل بها، وأصبحت تلك وسيلتها لزيادة الدخل لتتمكّن من تحمل تكلفة الزيارة وعلاج نجلها الشهرية، وعلاج زوجها المريض داخل السجن.
تعتبر أن ما تحصل عليه من العمل يمكنه سدّ احتياجات زيارة زوجها، التي لم تعد تستطيع الذهاب لها إلا مرّة شهريًا توفيرًا للنفقات.
مشروع آخر بدأته "أم عبد الرحمان" والدة أحد المحبوسين، توفي زوجها ولم يعد هناك عائلٌ للأسرة، لديها ابنتان بحاجة للإنفاق عليهن. حيث تعمل أم عبد الرحمان موظفة حكومية إلا أن راتبها لم يعد كافيًا، خاصة مع مصاريف الزيارة وما يحتاجه نجلها السجين في ظل غياب عائل للأسرة، فاضطرت لشراء ماكنة خياطة للعمل عليها وبيع الملابس والمفروشات.
"بالتقسيط" هكذا تعمل أم عبد الرحمان، ساعدها عملها وبعض أهالي المحبوسين في التسويق لمنتجاتها حتى استطاعت خلال فترة قصيرة شراء ماكنة أخرى أكبر وتوسيع مشروعها.
تتابع المتحدّثة :"هنعمل إيه، الحياة والزيارات مرهقة جدًا، لازم أشتغل عندي بنتين وابني محبوس، مسؤوليات بيت فيه محبوس لا يكفيه راتب وظيفة حكومية".
بنفس الفكرة تعمل أم إسلام أيضًا، في تفصيل الملابس والمفروشات، موضّحة أنها بدأت المشروع منذ 3 سنوات بعد وفاة زوجها والقبض على نجلها الوحيد، فاضطرت لإيجاد مصدر رزق لها.
تجد مشكلة في مواصلة العمل، وخاصّة أنها لا تملك إمكانيات كبيرة، ورغبة الأهالي في دفع ثمن الملابس بالتقسيط، لكنها لا تجد حلاً آخر للعمل، معلقة: "أعمل على نطاق ضيّق وبحاجة لإمكانيات أكبر، ولكن ليس لدي حلول أخرى".