تحت شعار البيئة تحتاج إلى أكثر من تضامن، نظّمت الناشطة السودانية الدكتورة، إشراقة مصطفى، في النمسا عدداً من الفعاليات في تسعينيات القرن الماضي. وقد اعترفت حينها بأنها تحلم في اليوم الذي يتوحّد فيه حلم الناشطين البيئيين على مستوى العالم، وتعلو أصواتهم لوقف الدمار الذي يتعرّض له كوكب الأرض. بالنسبة إليها لا يكفي نشاط هنا وآخر هناك، بينما تسهم السياسات الاقتصادية في زيادة وتيرة التدمير. الأغنياء يستخدمون كل مقدراتهم الضخمة ليزدادوا غنى من دون التفكير في حقوق الأجيال المقبلة للعيش في بيئة لها قدرة العطاء، أما الفقراء فلا يجدون ما يسدّون به الرمق ويلجأون إلى مقدراتهم الفقيرة ليقتاتوا على حساب البيئة من حولهم.
ولا فرق في ناتج فعل هؤلاء وأولئك. المصانع الضخمة وعمليات استخراج وتصنيع النفط، كما هجوم الفقراء على الغابات والمساحات الخضراء. ويعتمد رفاه البشرية والبيئة وأداء الاقتصاد في نهاية المطاف على الإدارة المسؤولة للموارد الطبيعية لكوكب الأرض. ومثلما تورد وثائق الأمم المتحدة، فإن الأدلة تتواتر على أن الناس تستهلك أكثر بكثير مما يمكن للكوكب أن يوفّره من موارد طبيعية بشكل مستدام. وتحت ضغط النمو السكاني المرتفع والتنمية الاقتصادية، توشك نظم بيئية عديدة على بلوغ نقطة اللاعودة الحرجة، أي النضوب أو التغيير الذي لا رجوع فيه. وفي حال استمرّت أنماط الاستهلاك والإنتاج الحالية بالنسق ذاته، فإننا سنكون بحاجة إلى ثلاثة كواكب بحلول عام 2050. حينها، من المتوقّع أن يبلغ عدد سكان العالم 9.6 مليارات نسمة.
لكن، ألا يمكننا التوقّف لحظة للنظر في هذا؟ ألا يمكن أن نجبر الأغنياء على توفير قليل من أحلام الفقراء؟ ألا يمكن أن يتوحد حلمنا ببقاء الكوكب معافى؟ ولعل هذا ما تنبّه إليه ناشطون هذا العام ورفعوا شعاراً لليوم العالمي للبيئة "سبعة مليارات حلم. كوكب واحد. استهلك برفق"، إذ العيش في حدود إمكانيات الكوكب هو الاستراتيجية الأمثل لضمان المستقبل. ولا يحتاج الرخاء البشري أن تكون تكلفته كوكب الأرض. كذلك فإن العيش على نحو مستدام يعني أن ننجز أكثر بإمكانات أقل.
وأتذكّر حكاية ذاك الطفل الذي حاول ملء فمه وجيوب جلبابه وكفَّيه بالبلح حين دعاه جده. وما إن لاحظ فعله حتى نهره قائلاً: "الدنيا طارت؟". وفهم الصغير لاحقاً ما كان جده يعنيه، إذ كان كلما عاد إليه وجد عنده ما يملأ كفَّيه. تُرى كيف يفكر اليوم الرجل الذي كان ذاك الطفل؟ هل راكم من الأحلام ما قد يصل إلى الألف حلم بشأن استدامة الموارد؟
اقرأ أيضاً: بناء السلام البيئي