14 مايو 2018
سجادة واحدة لا تكفي
فادي الحسني (فلسطين)
هل هناك أكثر من أن يصفق أزيد من 1500فلسطيني في غزة بحرارة لعرض سينمائي، حتى نقتنع أن القطاع متعطش إلى السينما؟ كما أنه ليس بالضرورة أن تنسف فوضى الحضور؛ جهود القائمين على مهرجان السجادة الحمراء الذي أقيم قبل أيام في مدينة غزة. لعل هذا المهرجان السينمائي الذي واجه طريقاً محفوفاً بالعراقيل، على اعتبار أن هناك من ينبذ السينما أصلاً، لأنها تصطدم مع ثقافة العيب التي تربى عليها ناسٌ كثيرون، يشكل أرضية حقيقية لصناعة سينما، فهل نحن مستعدون لدفع ثمن ذلك؟
الثمن الذي أتحدث عنه هو أن نعمل لأجل إنضاج هذه الفكرة بروح المسؤولية المشتركة، أسوة بالمجتمعات المتحضرة التي تراهن على الثقافة في صناعة الفكر، الثقافة التي هي أساس لصناعة جيل جديد، يحمل وعياً وقيماً أكثر نضجاً وانفتاحاً.
المأساة الكبرى التي نعيشها في قطاع غزة المحاصر أن بعضهم يحاول أن يربي المجتمع من خلال صندوق الأخبار الذي أكل عليه الدهر وشرب. ونسي أن هذا الصندوق لم يعد يشكل النافذة الأولى للتعليم والتثقيف، في حين أن في إسرائيل مثلاً 18 مؤسسة لتعليم السينما، فضلا عن أنها أقامت لها صناديق مالية خاصة، حتى تسهم في صناعتها منذ سبعينات القرن الماضي وما قبل.
قد يسجل بعضهم على "السجادة الحمراء" التي لم يمر بها مشاهير بالشاكلة نفسها التي تظهر فيها المهرجانات السينمائية الدولية، وجود إخفاقات فنية تعلقت برداءة الصوت، وضوضاء الحضور الذي حوصر في قاعة مركز رشاد الشوا، غير المهيأة أصلا لعروض سينمائية. ولكن، حتى لا نجلد القائمين على المهرجان، فإن هذه ليست مشكلتهم، وأجبروا على إحيائه في مكان مغلق.
في نهاية المطاف، حمل المهرجان قيمة كبيرة في نفوس الجمهور، لاسيما الذين لم يظفروا سابقاً بحضور عرض سينمائي واحد، خصوصا من أبناء جيل التسعينات، على ضوء الغياب القسري للسينما منذ اندلاع انتفاضة الحجارة (1987).
العلة أننا بلغنا من العالم مبلغاً، ومنا من لا يزال ينظر للسينما على أنها حرام، إن لم يكن قد ذهب في وصفها إلى ما هو أعقد وأبشع من ذلك، ولعل هذا يضعنا أمام تحدٍّ كبير جداً، لأنه ليس من السهل أن تقنع الاخرين بأن الاستثارة ليست وليدة مشاهد السينما خصوصا في ظل هذا الانفتاح الذي نحياه الآن، أو أن قاعات السينما محفز ومشجع رئيس وراء تعزيز العلاقات الغرامية، لأن من يلتفت إلى سجلات القضايا الأخلاقية يعي حقيقة ما أقول.
في المقابل، وحتى لا يُساء الفهم، نحن نشجع السينما لأنها جزء أصيل من تشكيلة وعي المجتمعات وثقافتها، نشجع السينما التي تحكي الواقع الفلسطيني بشكل درامي للأجيال التي لا تعرف شيئاً عن "النكبة"، غير التي في كتب التربية الوطنية أو التاريخ، وتقدم الفلسطيني على أنه ليس ذلك الشخص الملثم فحسب، وحتى لو كان كذلك، فهو بشر من مشاعر وأحاسيس، له قلب يحب ويعشق ويرأف، لأنه بطبيعته إنسان قبل أن يكون مقاتلاً، وأن العداء بالنسبة له ليس فطرة بقدر ما هو مرتبط بمحاولة استعادة حق سلب قبل 68 عاماً.
المعضلة الكبرى أنه كيف للعالم أن يقتنع بإنسانيتنا وبعدالة قضيتنا، ونحن لازلنا ننظر للسينما على أنها القُبْلة، والقُبْلة فقط!، لماذا دائماً نحاول إخفاء الأنثى من حياتنا، حتى نبدو أكثر نبلا وطهراً وصلاحاً، خصوصا في الأعمال الفنية؟ ولماذا نستكثر عليها الخروج بغير مظهر ربة المنزل، وكأنها خلقت لكي تكتسي فقط بمريول المطبخ.
لأجل قضيتنا أولاً، ولأجل الثقافة ثانياً، ولأجل المرأة التي هي جزء أساس في هذا المجتمع ثالثاً، ولأجل ما لا يمكن أن يعد أو يحصى، أقول للذين يواصلوا تفكيرهم بهذا النهج: أرفعوا أيديكم عن ثقافتنا، لأنكم لستم أوصياء على عقولنا، وأفسحوا للسينما طريقاً، ولا تزيدوا هذا الحصار حصاراً، فسجادة حمراء واحدة لا تكفي حتى نمهد للسينما طريقاً في غزة، وأطلقوا يد المخرجين لبناء سينما حقيقية مكتملة الأركان، قائمة على التوازن، وقادرة على إيجاد حالة استعطاف، لا يشوبها تشكيك ولا تحجبها " قُبْلة" أو عُرِيَ ذراع.
الثمن الذي أتحدث عنه هو أن نعمل لأجل إنضاج هذه الفكرة بروح المسؤولية المشتركة، أسوة بالمجتمعات المتحضرة التي تراهن على الثقافة في صناعة الفكر، الثقافة التي هي أساس لصناعة جيل جديد، يحمل وعياً وقيماً أكثر نضجاً وانفتاحاً.
المأساة الكبرى التي نعيشها في قطاع غزة المحاصر أن بعضهم يحاول أن يربي المجتمع من خلال صندوق الأخبار الذي أكل عليه الدهر وشرب. ونسي أن هذا الصندوق لم يعد يشكل النافذة الأولى للتعليم والتثقيف، في حين أن في إسرائيل مثلاً 18 مؤسسة لتعليم السينما، فضلا عن أنها أقامت لها صناديق مالية خاصة، حتى تسهم في صناعتها منذ سبعينات القرن الماضي وما قبل.
قد يسجل بعضهم على "السجادة الحمراء" التي لم يمر بها مشاهير بالشاكلة نفسها التي تظهر فيها المهرجانات السينمائية الدولية، وجود إخفاقات فنية تعلقت برداءة الصوت، وضوضاء الحضور الذي حوصر في قاعة مركز رشاد الشوا، غير المهيأة أصلا لعروض سينمائية. ولكن، حتى لا نجلد القائمين على المهرجان، فإن هذه ليست مشكلتهم، وأجبروا على إحيائه في مكان مغلق.
في نهاية المطاف، حمل المهرجان قيمة كبيرة في نفوس الجمهور، لاسيما الذين لم يظفروا سابقاً بحضور عرض سينمائي واحد، خصوصا من أبناء جيل التسعينات، على ضوء الغياب القسري للسينما منذ اندلاع انتفاضة الحجارة (1987).
العلة أننا بلغنا من العالم مبلغاً، ومنا من لا يزال ينظر للسينما على أنها حرام، إن لم يكن قد ذهب في وصفها إلى ما هو أعقد وأبشع من ذلك، ولعل هذا يضعنا أمام تحدٍّ كبير جداً، لأنه ليس من السهل أن تقنع الاخرين بأن الاستثارة ليست وليدة مشاهد السينما خصوصا في ظل هذا الانفتاح الذي نحياه الآن، أو أن قاعات السينما محفز ومشجع رئيس وراء تعزيز العلاقات الغرامية، لأن من يلتفت إلى سجلات القضايا الأخلاقية يعي حقيقة ما أقول.
في المقابل، وحتى لا يُساء الفهم، نحن نشجع السينما لأنها جزء أصيل من تشكيلة وعي المجتمعات وثقافتها، نشجع السينما التي تحكي الواقع الفلسطيني بشكل درامي للأجيال التي لا تعرف شيئاً عن "النكبة"، غير التي في كتب التربية الوطنية أو التاريخ، وتقدم الفلسطيني على أنه ليس ذلك الشخص الملثم فحسب، وحتى لو كان كذلك، فهو بشر من مشاعر وأحاسيس، له قلب يحب ويعشق ويرأف، لأنه بطبيعته إنسان قبل أن يكون مقاتلاً، وأن العداء بالنسبة له ليس فطرة بقدر ما هو مرتبط بمحاولة استعادة حق سلب قبل 68 عاماً.
المعضلة الكبرى أنه كيف للعالم أن يقتنع بإنسانيتنا وبعدالة قضيتنا، ونحن لازلنا ننظر للسينما على أنها القُبْلة، والقُبْلة فقط!، لماذا دائماً نحاول إخفاء الأنثى من حياتنا، حتى نبدو أكثر نبلا وطهراً وصلاحاً، خصوصا في الأعمال الفنية؟ ولماذا نستكثر عليها الخروج بغير مظهر ربة المنزل، وكأنها خلقت لكي تكتسي فقط بمريول المطبخ.
لأجل قضيتنا أولاً، ولأجل الثقافة ثانياً، ولأجل المرأة التي هي جزء أساس في هذا المجتمع ثالثاً، ولأجل ما لا يمكن أن يعد أو يحصى، أقول للذين يواصلوا تفكيرهم بهذا النهج: أرفعوا أيديكم عن ثقافتنا، لأنكم لستم أوصياء على عقولنا، وأفسحوا للسينما طريقاً، ولا تزيدوا هذا الحصار حصاراً، فسجادة حمراء واحدة لا تكفي حتى نمهد للسينما طريقاً في غزة، وأطلقوا يد المخرجين لبناء سينما حقيقية مكتملة الأركان، قائمة على التوازن، وقادرة على إيجاد حالة استعطاف، لا يشوبها تشكيك ولا تحجبها " قُبْلة" أو عُرِيَ ذراع.
مقالات أخرى
18 يناير 2018
07 مارس 2016
16 يناير 2016