18 يناير 2018
من حق غزة أن تتنفس حرية
فادي الحسني (فلسطين)
ثمة تصور يمكن أن يحصل بعيداً عن الخيالات التي تتجاوز حدود المنطق، فيما يخص إمكانية اقتحام المتظاهرين الفلسطينيين للحدود والعبور إلى الأراضي المحتلة، في ذكرى سبعينية النكبة الفلسطينية.
تستعد إسرائيل، وبكل شراسة لمواجهة الجماهير الفلسطينية، ويجب أن نعي أنّ سقوط عدد كبير من الشهداء سيجعل الفصائل الفلسطينية في حرج من أمرها، وقد يدفعها إلى استخدام القوة في وجه إسرائيل. وهذا ليس مغنماً؛ فالمواجهة هي أقصر الطرق بالنسبة للاحتلال وأميركا من أجل تطبيق ما يعرف بـ"صفقة القرن". وبالتالي، فإنّ المشروع الذي يمهد له المتظاهرون المدنيون (أقصد مشروع حق العودة) أمام الشريط الحدودي المحاذي للقطاع منذ 14 مارس "يوم الأرض"، قد يذهب هدراً.
وقد يسأل سائل: كيف ستكون المواجهة أداة رفع لصفقة القرن؟ والإجابة باختصار، إنّ فتح النار من المقاومة رداً على سقوط الشهداء، سيجعل إسرائيل تستخدم قوتها المفرطة في التعامل مع غزة، وربما تكون هذه المواجهة هي الأطول مقارنة بالحروب الثلاثة السابقة. وذلك عائد لاستنزاف المخزون العسكري للمقاومة الفلسطينية، وبالتالي دفعها إلى القبول بشروط وقف إطلاق النار التي ستحاول إسرائيل فرضها. وتداعي الأطراف المختلفة (العربية الدولية) سريعاً لإيجاد حل جذري، سواء عبر جامعة الدول العربية أو مجلس الأمن، لهذا الصداع الذي تتسبّب به غزة كل أربع سنوات، عبر تطبيق تفاهمات طويلة الأمد.
تعي إسرائيل والعالم أن المواطنين في قطاع غزة ضاق بهم الحال ذرعاً، وأنهم يعانون ضائقة اقتصادية غير مسبوقة، لاسيما بعدما تجاوز حد الفقر 60% وارتفاع نسبة البطالة عن 50%. وما كان هذا الضغط ومحاولة حصرهم في الزاوية إلا من باب محاولة إخضاعهم للحلول، وإرغامهم على لباس الخرقة التي فصلت وفق المقاييس الأميركية الرامية إلى إسقاط مشروع حق عودة اللاجئين، ومنحهم دولة صغيرة في غزة، وعلى جزء من سيناء، ومنحهم ميناء ومطار بمقابل نزع سلاح المقاومة.
في المقام الثاني، قد يكون يوم 15 مايو يوماً عادياً، مثل الجمعات الثمانية التي سبقت، حيث يسقط فيه شهداء، ويصاب آخرون ويعلن الفلسطينيون الحداد، ومن ثم يظلّ الناس محتشدين قبالة السلك الشائك أياما أخرى. وهذا هو المغنم، وهنا لا أقصد سقوط الشهداء، وإنما الحفاظ على ديمومة مسيرة العودة، وذلك لسببين:
الأول، إطلاق التظاهرات على الحدود ما جاء إلا لتثبيت أركان حق العودة، وهذا ما كان يجب البناء عليه، لأنه في واقع الأمر أقلق إسرائيل، وأثر عليها من الناحية العملية، فهو جعل العالم يفتح عينيه أكثر على الحق الفلسطيني، بعدما كان يغلقها ويصمها آذانه ويتغاضى عما يعرف بحق عودة اللاجئين. ومثلا، الشموع التي أضيئت حدادا على مقتل الصحفي، ياسر مرتجى، في العواصم الغربية، كانت كفيلة بأن جعلت العالم يسأل: لماذا قتل؟ وفي أي سياق؟ وماذا كان يفعل على حدود غزة، أو على الأقل ما الذي يجري في غزة الآن؟، وهذا كان محرج بالنسبة للاحتلال.
من يلتفت إلى التغطية الإعلامية الدولية الموجودة في القطاع اليوم يدرك مدى التفات العالم لأهمية مواكبة الأحداث الجارية على حدود غزة، بعدما كان الإعلام الغربي يختزل القضية الفلسطينية في مشاهد المناكفات السياسية بين الخصوم وأزمة الكهرباء والرواتب ونجاح وفشل المصالحة فقط.
الثاني، أن العالم كان يتعامل مع الفلسطينيين فيما سبق كقوة عسكرية، وليس شعبا محتلا، فالاستعراض المبالغ فيه للقوة الفلسطينية خلال السنوات العشر الماضية جعل العالم ينظر إلينا قوى موازية لإسرائيل، وليس كشعب صاحب أرض وقضية يحق له أن يدافع عن نفسه، خصوصا وأن إسرائيل كانت تقدم نفسها للمجتمع الدولي دائما في ثوب الضحية، في الوقت الذي كانت تتباهى فيه بعض الفضائيات العربية والإسلامية بالحصيلة اليومية لحجم الصواريخ المحلية التي استخدمت في ضرب إسرائيل، بعيداً عن مدى تأثيرها أو حجم الخسائر التي أوقعها. كان الإعلام الغربي يفرغ مساحات واسعة من فضائه لمناقشة الإصابة بالذعر لدى الإسرائيليين، ويتعامل مع الشهداء الفلسطينيين على أنهم أرقاماً، مثل خبر عابر عن صفحة الوفيات.
ولهذا فإن التظاهر السلمي من وجهة نظري، قد أعاد الضوء للقضية الفلسطينية، بعدما خفت في ظلّ حالة الاضطراب التي يعيشها الإقليم بشكل خاص والشرق الأوسط عموماً، وهو بمثابة تأكيد المؤكد على أحقية الفلسطينيين في الدفاع عن أرضهم وتمسكهم بحق عودتهم، وفقاً لما نصت عليه قرارات الشرعية الدولية.
يسعى الاحتلال الاسرائيلي الآن وبقوة إلى إعطاء الفرصة للتخفيف عن قطاع غزة، عبر تقديم وعود لتحسين البنى التحتية، لا سيما فيما يخص الكهرباء والمياه، وإعطاء بعض التسهيلات على حركة المعابر.
هذا يعطي دلالة واضحةً على أن اسرائيل غير معنية في الوقت الراهن في فتح معركة مع غزة، لأنه لم يحن الوقت بعد، فالإنشغال على جبهة الجولان والتعامل مع الملف الإيراني هو الذي يستحوذ على تفكير دوائر صنع القرار في تل أبيب. وهي ليست في حاجة الآن إلى صداع جديد يأتيها من الجبهة الشمالية، ولكن قد تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن وتقع الحرب بما يخالف رغبة الطرفين، وهذه هي المقامرة بعينها، لأن الحرب لا طائل منها على المدى البعيد.
وهنا لا بد أن نذكر، لعل الذكرى تنفع المؤمنين، بأن غزة ليست الوطن، وإنما جزء لا يتجزأ من فلسطين. فلسطين الوطن، فلسطين القضية، فلسطين القدس والأرض والتاريخ. وفي الوقت نفسه، من حق غزة أن تقول كلمتها، وأن تتنفس حرية أيضاً.
تستعد إسرائيل، وبكل شراسة لمواجهة الجماهير الفلسطينية، ويجب أن نعي أنّ سقوط عدد كبير من الشهداء سيجعل الفصائل الفلسطينية في حرج من أمرها، وقد يدفعها إلى استخدام القوة في وجه إسرائيل. وهذا ليس مغنماً؛ فالمواجهة هي أقصر الطرق بالنسبة للاحتلال وأميركا من أجل تطبيق ما يعرف بـ"صفقة القرن". وبالتالي، فإنّ المشروع الذي يمهد له المتظاهرون المدنيون (أقصد مشروع حق العودة) أمام الشريط الحدودي المحاذي للقطاع منذ 14 مارس "يوم الأرض"، قد يذهب هدراً.
وقد يسأل سائل: كيف ستكون المواجهة أداة رفع لصفقة القرن؟ والإجابة باختصار، إنّ فتح النار من المقاومة رداً على سقوط الشهداء، سيجعل إسرائيل تستخدم قوتها المفرطة في التعامل مع غزة، وربما تكون هذه المواجهة هي الأطول مقارنة بالحروب الثلاثة السابقة. وذلك عائد لاستنزاف المخزون العسكري للمقاومة الفلسطينية، وبالتالي دفعها إلى القبول بشروط وقف إطلاق النار التي ستحاول إسرائيل فرضها. وتداعي الأطراف المختلفة (العربية الدولية) سريعاً لإيجاد حل جذري، سواء عبر جامعة الدول العربية أو مجلس الأمن، لهذا الصداع الذي تتسبّب به غزة كل أربع سنوات، عبر تطبيق تفاهمات طويلة الأمد.
تعي إسرائيل والعالم أن المواطنين في قطاع غزة ضاق بهم الحال ذرعاً، وأنهم يعانون ضائقة اقتصادية غير مسبوقة، لاسيما بعدما تجاوز حد الفقر 60% وارتفاع نسبة البطالة عن 50%. وما كان هذا الضغط ومحاولة حصرهم في الزاوية إلا من باب محاولة إخضاعهم للحلول، وإرغامهم على لباس الخرقة التي فصلت وفق المقاييس الأميركية الرامية إلى إسقاط مشروع حق عودة اللاجئين، ومنحهم دولة صغيرة في غزة، وعلى جزء من سيناء، ومنحهم ميناء ومطار بمقابل نزع سلاح المقاومة.
في المقام الثاني، قد يكون يوم 15 مايو يوماً عادياً، مثل الجمعات الثمانية التي سبقت، حيث يسقط فيه شهداء، ويصاب آخرون ويعلن الفلسطينيون الحداد، ومن ثم يظلّ الناس محتشدين قبالة السلك الشائك أياما أخرى. وهذا هو المغنم، وهنا لا أقصد سقوط الشهداء، وإنما الحفاظ على ديمومة مسيرة العودة، وذلك لسببين:
الأول، إطلاق التظاهرات على الحدود ما جاء إلا لتثبيت أركان حق العودة، وهذا ما كان يجب البناء عليه، لأنه في واقع الأمر أقلق إسرائيل، وأثر عليها من الناحية العملية، فهو جعل العالم يفتح عينيه أكثر على الحق الفلسطيني، بعدما كان يغلقها ويصمها آذانه ويتغاضى عما يعرف بحق عودة اللاجئين. ومثلا، الشموع التي أضيئت حدادا على مقتل الصحفي، ياسر مرتجى، في العواصم الغربية، كانت كفيلة بأن جعلت العالم يسأل: لماذا قتل؟ وفي أي سياق؟ وماذا كان يفعل على حدود غزة، أو على الأقل ما الذي يجري في غزة الآن؟، وهذا كان محرج بالنسبة للاحتلال.
من يلتفت إلى التغطية الإعلامية الدولية الموجودة في القطاع اليوم يدرك مدى التفات العالم لأهمية مواكبة الأحداث الجارية على حدود غزة، بعدما كان الإعلام الغربي يختزل القضية الفلسطينية في مشاهد المناكفات السياسية بين الخصوم وأزمة الكهرباء والرواتب ونجاح وفشل المصالحة فقط.
الثاني، أن العالم كان يتعامل مع الفلسطينيين فيما سبق كقوة عسكرية، وليس شعبا محتلا، فالاستعراض المبالغ فيه للقوة الفلسطينية خلال السنوات العشر الماضية جعل العالم ينظر إلينا قوى موازية لإسرائيل، وليس كشعب صاحب أرض وقضية يحق له أن يدافع عن نفسه، خصوصا وأن إسرائيل كانت تقدم نفسها للمجتمع الدولي دائما في ثوب الضحية، في الوقت الذي كانت تتباهى فيه بعض الفضائيات العربية والإسلامية بالحصيلة اليومية لحجم الصواريخ المحلية التي استخدمت في ضرب إسرائيل، بعيداً عن مدى تأثيرها أو حجم الخسائر التي أوقعها. كان الإعلام الغربي يفرغ مساحات واسعة من فضائه لمناقشة الإصابة بالذعر لدى الإسرائيليين، ويتعامل مع الشهداء الفلسطينيين على أنهم أرقاماً، مثل خبر عابر عن صفحة الوفيات.
ولهذا فإن التظاهر السلمي من وجهة نظري، قد أعاد الضوء للقضية الفلسطينية، بعدما خفت في ظلّ حالة الاضطراب التي يعيشها الإقليم بشكل خاص والشرق الأوسط عموماً، وهو بمثابة تأكيد المؤكد على أحقية الفلسطينيين في الدفاع عن أرضهم وتمسكهم بحق عودتهم، وفقاً لما نصت عليه قرارات الشرعية الدولية.
يسعى الاحتلال الاسرائيلي الآن وبقوة إلى إعطاء الفرصة للتخفيف عن قطاع غزة، عبر تقديم وعود لتحسين البنى التحتية، لا سيما فيما يخص الكهرباء والمياه، وإعطاء بعض التسهيلات على حركة المعابر.
هذا يعطي دلالة واضحةً على أن اسرائيل غير معنية في الوقت الراهن في فتح معركة مع غزة، لأنه لم يحن الوقت بعد، فالإنشغال على جبهة الجولان والتعامل مع الملف الإيراني هو الذي يستحوذ على تفكير دوائر صنع القرار في تل أبيب. وهي ليست في حاجة الآن إلى صداع جديد يأتيها من الجبهة الشمالية، ولكن قد تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن وتقع الحرب بما يخالف رغبة الطرفين، وهذه هي المقامرة بعينها، لأن الحرب لا طائل منها على المدى البعيد.
وهنا لا بد أن نذكر، لعل الذكرى تنفع المؤمنين، بأن غزة ليست الوطن، وإنما جزء لا يتجزأ من فلسطين. فلسطين الوطن، فلسطين القضية، فلسطين القدس والأرض والتاريخ. وفي الوقت نفسه، من حق غزة أن تقول كلمتها، وأن تتنفس حرية أيضاً.
مقالات أخرى
21 مايو 2016
07 مارس 2016
16 يناير 2016