سفر برلك زمن البعث السوري: تجنيد عشوائي لإرضاء الروس

22 نوفمبر 2015
النظام يريد ضم أكبر عدد لقواته (لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -
يشّن النظام السوري منذ أكثر من أسبوعين حملة اعتقالات واسعة بين الشباب، لزجهم في جبهات القتال، ما أعاد إلى السوريين تجربة "سفر برلك" التي خبرها السوريون في الحرب العالمية الأولى، وهي تركية المصدر وتعني "النفير العام" أو الحرب الأولى، لكنها لدى السوريين تدل على ذهاب الشباب من دون عودة. وضجت مواقع التواصل الاجتماعي، خلال الأيام القليلة الماضية، بكلمة "سفر برلك"، وربط الكثير من روّاد هذه المواقع، ما أقدم عليه العثمانيون، والذين كانوا يحكمون المنطقة بدايات القرن العشرين، بما يقدم عليه النظام السوري اليوم برئاسة بشار الأسد، معتبرين أنهما متطابقان بالفعل والأثر.

تقول الستينية الدمشقية أم يحيى، لـ"العربي الجديد"، إن "ما يحدث اليوم في دمشق يشبه ما كان جدي يحدثنا به عن الأيام السوداء التي مرت على السوريين أيام "سفر برلك"، حين كان يؤخذ الشباب من الأسواق والبيوت إلى جبهات الدولة العثمانية لتنقطع أخبارهم، واليوم دمشق تعيش التجربة ذاتها، مع اعتقال الشباب من الشوارع والأسواق لتنقطع أخبارهم، والله أعلم في أي أرض يقاتلون".

وأفاد ناشطون معارضون من دمشق بأن "عناصر من المليشيات الموالية للنظام، تنشئ حواجز مؤقتة في بعض مناطق دمشق، وتبتز الشباب عبر توقيفهم، وطلب مبالغ مالية مقابل إطلاق سراحهم"، في حين لم تستطع "العربي الجديد" التأكد من هذه المعلومات من مصادر محايدة.

كذلك علّق عدد آخر من فتيات دمشق على مواقع التواصل الاجتماعية بقولهن إن "دمشق خالية من الشباب". فيما أفاد مراسل شبكة "دمشق الآن" في دمشق، الموالية للنظام، بأنه "لوحظ غياب الشباب من شوارع وسط العاصمة بشكل ملحوظ مقارنة بالأسابيع الماضية، نظراً لاستمرار حملة سحب أسماء المطلوبين للاحتياط أو المتخلفين عن خدمة العلم"، مضيفاً "بعض المؤسسات الخاصة والعامة شهدت غياب بعض الموظفين نظراً لأن أسماءهم موضوعة ضمن لائحة الاحتياط".

وتثير هجمة النظام على الشباب في دمشق وبعض المدن والأوتوسترادات الرئيسية، والتي ما زال يسيطر عليها، الفزع والهلع بين العائلات، المهددة في استقرارها جراء انقطاع رجالها عن العمل، وأبنائها عن الجامعات، خوفاً من اعتقالهم، فيما تستعد عائلات في دمشق لمغادرتها إلى مناطق تكون سطوة النظام فيها أقل، أو تُهرّب أبناءها إلى خارج البلاد.

لجان تقييم روسية

وعلمت "العربي الجديد" أن الحملة التي يشنّها النظام السوري على الشباب في مناطق سيطرته، بهدف إلحاقهم بالخدمة العسكرية الإلزامية والاحتياطية، ناتجة عن وجود خبراء روس يزورون سورية لتقييم قدرات قوات النظام.

وتكشف مصادر مطلعة، لـ"العربي الجديد"، أن "النظام عمد إلى شن حملة واسعة لجمع الشباب وإلحاقهم بعدة معسكرات تابعة لقواته، بسبب تواجد لجان عسكرية روسية تزور تلك المعسكرات لتقييم إمكانات قوات النظام في شن عمليات عسكرية على الأرض". وتضيف أن "قرار شن هذه الحملة صادر عن القصر الجمهوري في دمشق، وجرى التشديد على ضرورة جمع أكبر عدد ممكن من الشباب، وتم تسيير دوريات خاصة، من الشرطة العسكرية وشعبة الأمن العسكري، تحمل معلومات عن عشرات آلاف الشباب المطلوبين إلى الخدمة العسكرية بين عمر 19 و42 عاماً، ويتم اقتياد الشباب إلى المعسكرات ومن أكبرها معسكر دريج التابع للقوات الخاصة".

اقرأ أيضاً: سورية: النظام يجنّد الشبّان لتعويض خسائره

وتتوقّع المصادر أن "تستمر الحملة خلال الأسابيع القليلة المقبلة إلى حين مغادرة اللجان الروسية سورية، وخصوصاً أن التقييمات الروسية سيكون لها الأثر الأكبر على استراتيجية التدخّل الروسي في سورية، وسط أنباء عن تهديد الروس للنظام السوري بوقف العمليات الجوية في حال تواصل عجز قواته عن تحقيق تقدّم على الأرض".

ويتناقل الشارع السوري العديد من الشائعات حول سبب هذه الحملة الشرسة، فمنهم من يقول إنها تهدف إلى ملء الفيلق الرابع المستحدث أخيراً، ومنها تتحدث عن غضب القصر الجمهوري من وصول نسبة الالتحاق بالخدمة العسكرية إلى الصفر تقريباً، مع بداية شهر نوفمبر/تشرين الثاني الحالي.

مأساة المعتقلات

وعن أحوال الشباب السوريين المعتقلين في معسكرات التجنيد الإجباري والاحتياطي التابعة لقوات النظام، يقول المواطن السوري أبو فادي، والد أحد الشباب الذي اعتقل قبل أيام خلال عودته من عمله، ليُرسل إلى معسكر الدريج العسكري، لـ"العربي الجديد": "لقد زرت ابني في المعسكر، وضعهم مأساوي، لا يشبه سوى معتقلات النازية، فتمر على نحو خمسة حواجز، لتصل إلى بوابة المعسكر، حيث توجد أكثر من ألف بطاقة شخصية، لعائلات شباب اعتُقلوا خلال الأيام الماضية". ويلفت إلى أن "الشباب في المعسكر يعانون من نقص شديد في الإطعام، ما يجعلهم يعانون من الجوع، إضافة إلى شح المياه، فمنهم من لم يغتسل منذ أكثر من شهر، إضافة إلى عدم وجود تدفئة". وأضاف: "يمضي الشباب وقتهم حتى الظهيرة في اجتماعات، وتعلّم فك وتركيب البندقية، في ظل زيارة تفقدية لعسكريين، قال لهم مدربوهم إنهم ضباط روس".

ويستدرك قائلاً: "لكن الغريب في الأمر ليس سوء المعاملة الذي خبرها السوريون طوال عقود خلال خدمتهم في هذه المؤسسة، بل خطاب قائد المعسكر، وهو من مدينة جبلة الساحلية المعروفة بكثرة العسكريين فيها، إذ قال للمحتجزين في المعسكر، بحسب ما نقله ابني عن لسان الأخير: لا أعلم لماذا جلبوكم إلى هنا، نحن لا نثق بكم، نحن سننتصر دونكم، نعلم أنكم ستفرون في أول فرصة تصح لأي منكم، ومن يريد أن يغادر فليغادر نحن لا نريدكم". ويشير إلى أن "معنويات الشباب في المعسكر منهارة، والجميع يفكر بالفرار، إذ يزداد الحقد والسخط يومياً، ولا أحد يعلم ما ستكون ردود فعلهم، عند تحميلهم السلاح وإنزالهم على أرض".

ويرى ناشطون أن مأساة السوريين اليوم، هي أشد إيلاماً من أيام "سفر برلك"، في الحرب العالمية الأولى، إذ إنهم خسروا أكثر من 300 ألف قتيل، ونحو مليون جريح ومفقود، وقرابة 12 مليوناً بين نازح ولاجئ، في وقت يعيش فيه أكثر من 75 في المائة من الشعب السوري تحت خط الفقر، في ظل استمرار الصراع العسكري الذي تنخرط فيه العديد من الدول، ليبقى الشعب السوري الخاسر الأكبر، من دون أن يلوح في الأفق أي بوادر لوقف هذه المأساة.

اقرأ أيضاً: موسم الهجرة من جيش الأسد: نصف مليون هارب

المساهمون