سناء عليان من مدينة بيت لحم في جنوب الضفة الغربية المحتلة، تجلس يومياً وحيدة على مائدة الإفطار، بعد أن غيبت سجون الاحتلال الإسرائيلي أبناءها الثلاثة وجعلتها تتجرع مرارة الفراق خصوصاً لحظة أذان المغرب.
تكاد الوحدة تخنقها، فتستسلم للبكاء عند الإفطار، وتقول لـ"العربي الجديد": "أخذوا فرحتي، أخذوا كل إشي، ما عندي نفس للأكل، ما بفكر أطبخ وأعمل سفرة، ما في نفس بعد ولادي"، تغمس لقمتها بالدموع، تتناول بعض التمور وتشرب الماء ثم تكرس وقتها للأذكار والدعاء بأن يجمعها الله من جديد بأبنائها.
قبل ثماني سنوات اغتالت وحدات المستعربين التابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي زوجها أحمد البلبول القيادي في كتائب شهداء الأقصى، والذي ظل مطارداً قبل اغتياله لمدة عشر سنوات.
وتقول عليان: "جيش الاحتلال لا يريد لأبناء الشهداء وعائلاتهم النجاح، ونجاح أولادي على ما يبدو أزعج سلطات الاحتلال الإسرائيلي، فقرروا تخريب حياتنا، والتنغيص علينا، وتدميرنا".
"نوران نِفسها تصلي في المسجد الأقصى المبارك، ألحت كثيراً علي، ثم سمحت لها بمرافقة زوجة عمها لتحقيق حلمها، كنت قلقة عليها لكني صدمت حين سرقها الاحتلال مني" تقول الأم.
اعتقلت نوران (15 عاماً) قبل شهرين على حاجز (300) العسكري، كانت في طريقها للصلاة في المسجد الأقصى المبارك، إلا أن نقاشاً حدث بينها وبين إحدى المجندات التي رفضت السماح لها بالدخول، فاتهموها بمحاولة الطعن وحيازة سكين.
صدمت عليان لاعتقال طفلتها، التي حكم عليها، وهي ابنة الصف العاشر الأساسي، بالسجن لمدة أربعة أشهر مع غرامة مالية، وثلاث سنوات مع وقف التنفيذ.
في اليوم الرابع من شهر رمضان، الموافق التاسع من يونيو/ حزيران الجاري، اعتقلت قوات الاحتلال ابنيها محمد ومحمود، وتقول الوالدة سناء: "قلبي موجوع، بس ما بسمح للاحتلال يكسرني، كل ما انهار برجع بقوي حالي".
وعن اعتقالهما تقول: "سمعنا صوت انفجارات، نظر محمد من النافذة، وأبلغني أن جنود الاحتلال يحاصرون البنايات المحيطة، واعتلوا الأسطح، ثم حاصروا بيتنا من كل الجهات، وفجأة حدث انفجار كبير، فجروا باب المنزل ودخلوا إلينا".
سأل جنود الاحتلال لحظة اقتحام المنزل عن محمد (25 عاما) ومحمود (23 عاما)، قيدوهما واعتدوا عليهما بالضرب، وسخروا من الأم قبيل انسحابهم.
طلبت عليان من جنود الاحتلال أن يعتقلوها مع ابنيها، "قلت له الدنيا رمضان، شو بدي أضل أعمل لحالي، خذني معهم" ضحك الجنود، وقال لها الضابط: "انت ستبقين هنا، حتى تذهبي وتأتي للمحاكم"، في محاولة لتعذيبها نفسيا.
اعتقل جنود الاحتلال محمد وهو طبيب أسنان، يملك عيادة خاصة، ومحمود وهو طالب في الدراسات العليا ويحمل البكالوريوس في علم النفس.
استشهد زوجها عام 2008 وترك لها وصية تعليم أبنائها، وتقول: "الله ألهمني القوة والصبر، وتعبت كثيراً حتى نفذت وصيته". كما اجتازت عليان الثانوية العامة، ثم تخرجت من الجامعة، وأصبحت مدرسة في إحدى مدارس بيت لحم.
بعض الأقارب يحاولون التخفيف عنها وفك حدتها، لكنها تفضل البقاء وحيدة حتى تقهر الاحتلال وتواظب على الدعاء من أجل أبنائها.
وتختم حديثها: "كنت أقدم إلهم السفرة وكثير ينبسطوا، يحكولي أزكا سفرة في العالم يمّا، الآن شو بدي أفطر تمر وسلطة وأي شيء موجود وبصير أبكي، الله يجمعني في ولادي ما بدي شيء غير هيك".