أعلن الجيش الجزائري أن 2019 ستكون سنة الإجهاز الكامل على بقايا المجموعات الإرهابية، وإنهاء وجودها ونشاطها في الجزائر. يبدو ذلك ممكناً على الصعيد اللوجيستي والخبرة الميدانية التي اكتسبها الجيش والنزيف الحاد في صفوف كتائب الجماعات الإرهابية، لكن ذلك يبقى رهناً بعوامل أخرى تتعلق بالبيئة الإقليمية المتوترة التي تحيط بالجزائر. ومزهواً بالنتائج القياسية التي حققها الجيش في 2018 على صعيد مكافحة الإرهاب، أعلن القائد العام لأركان الجيش الجزائري، الفريق أحمد قايد صالح، أن 2019 ستكون سنة اجتثاث الإرهاب من جذوره من الجزائر. وأكد قايد صالح، في برقية لقيادات وكوادر الجيش لمناسبة السنة الجديدة، أن "اجتثاث الآفة الإرهابية وبقاياها المجرمة من بلادنا خلال سنة 2019، سيكون الهدف الأسمى، مع الحرص، والعالم يعيش تحولات رهيبة، على مزيد من اليقظة للحفاظ على الأمن".
وبقدر ما تكشف هذه البرقية أن الجيش ما زال يضع مسألة الإجهاز على بقايا المجموعات والكتائب الإرهابية المتناثرة، هدفاً رئيساً لوحداته وأجهزته خلال السنة الحالية، بقدر ما تؤكد أن المسألة الإرهابية والتهديدات الأمنية الداخلية، ما زالت تشكل هاجساً للقيادات العسكرية والأمنية والسياسية في الجزائر، برغم مرور 27 سنة على بداية نشاط المجموعات المسلحة في البلاد، قبل وعقب انقلاب الجيش وتوقيف المسار الانتخابي في يناير/ كانون الثاني 1992، وهي هواجس تدفع بقيادة الجيش إلى الاستمرار في إطلاق تحذيرات من أي تراخٍ أو استرخاء قد يكلف الأمن الداخلي للبلاد غالياً. وتحضر في السياق، بالنسبة لقيادة الجيش، سلسلة العمليات الانتحارية التي شهدتها الجزائر في العام 2007، في ظرف استرخاء أمني دام سنتين، والهجوم الاستعراضي على منشأة الغاز تيقنتورين في عين أميناس، جنوبي الجزائر، في يناير 2013، في وقت كانت فيه السلطات الجزائرية تتحدث حينها عن نهاية الإرهاب واندحار بقاياه.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2016 كان قايد صالح قد أعلن عن خطة لاجتثاث الإرهاب، وقد نجح الجيش في تطبيق جزء كبير منها بالنظر إلى إطباقه حصاراً خانقاً على المجموعات المسلحة، قضى خلالها بالكامل على تنظيم "جند الخلافة"، المنشق عن تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، وأحدث نزيفاً حاداً داخل تنظيم "القاعدة"، وطارد عدداً من قياداته التي لجأت إلى مناطق شمالي مالي والنيجر. ويستند رئيس الأركان الجزائري في التعهد باجتثاث الإرهاب في العام 2019 إلى جملة من المعطيات والأرقام التي تثبت حالة الإنهاك التي تعيشها المجموعات الإرهابية وانحسار نشاطها، إذ لم تسجل خلال السنة الماضية أية هجمات إرهابية تذكر، عدا هجوم على قافلة للجيش في منطقة بيسي قرب بلدة عزابة بولاية سكيكدة، شرقي الجزائر، أدى إلى مقتل سبعة عسكريين في 31 يوليو/ تموز الماضي، ومحاولة انتحاري تنفيذ هجوم في منطقة سكيكدة في سبتمبر/ أيلول الماضي. وفي المقابل، تكشف حصيلة نشرتها وزارة الدفاع الوطني عن عمليات مكافحة الإرهاب التي قام بها الجيش خلال 2018، أنه نجح في تحييد 189 مسلحاً، إذ قضى على 32 إرهابياً، واعتقل 25، فيما سلم 132 إرهابياً أنفسهم للسلطات العسكرية، معظمهم في مناطق الجنوب والصحراء القريبة من شمال مالي والنيجر، بهدف الاستفادة من تدابير العفو، فيما سجلت عودة 22 فرداً من عائلات الإرهابيين، بين نساء وقُصر ورضع ولدوا في الجبال، حيث كانوا يعيشون في مخابئ ومراكز الجماعات المسلحة. كما اعتقل خلال السنة الماضية 170 من عناصر شبكات دعم الإرهاب، إضافة إلى كشف وتدمير 499 مخبأً للإرهابيين واسترجاع المئات من قطع الأسلحة والصواريخ والقنابل، لكن ذلك لا يعني بالنسبة للمراقبين استسلام المجموعات الإرهابية لواقعها الجديد في الجزائر.
ويعتقد أستاذ العلوم السياسية في جامعة تيبازة، قرب العاصمة الجزائرية، زهير بوعمامة، أن الكثير من المؤشرات الأمنية تؤكد أن 2019 يمكن أن تكون سنة تعزيز المنجز على صعيد مكافحة الإرهاب، لكن ليس بالضرورة اجتثاثه كلياً، وذلك بسبب عدة عوامل متداخلة تتحكم بسيرورة النشاط الإرهابي في الجزائر. وقال بوعمامة، لـ"العربي الجديد"، إنه "بلا شك ستكون سنة لتعزيز ما تم تحقيقه خلال الفترة الأخيرة في مجال مكافحة الإرهاب. إن الجماعات الإرهابية أصبحت لا تملك هوامش حركة تذكر في الجزائر، ولكن من الصعب أيضاً القول إنها ستكون سنة نهاية النشاط الإرهابي. كلنا يعلم أن هذه المجموعات تتراجع وتتخفى حين يتم تضييق الخناق عليها من قبل القوات المسلحة ومصالح الأمن، وخصوصاً حين تفقد كل أشكال الدعم والتغطية من السكان. لكنها، ولأسباب عديدة، تتحين كل الفرص لكي تعلن عن وجودها بأعمال إرهابية". وأضاف "ما زالت بقايا الإرهاب، رغم اندحاره وخسارته لكل رهاناته في الجزائر، تتغذى من مصادر داخلية تتعلق بالإيديولوجيات المتطرفة، وحالة البؤس والحرمان التي يعيشها بعض الشباب في بعض المناطق، وأخرى خارجية تتعلق بوجود الجزائر وسط بيئة مضطربة وغير مستقرة تماماً مع صعوبة تأمين جغرافيتها المترامية الأطراف، وانخراط بعض القوى في الإقليم في أجندات ومحاولة استغلال كل فرصة لإضعاف الجزائر".
من جانب آخر، لا تنفصل تعهدات قائد الجيش عن سياقات سياسية ورهانات داخلية، على علاقة بوضع المؤسسة العسكرية ضمن المشهد العام في الجزائر، خصوصاً في الفترة الأخيرة التي بات فيها الجيش جزءاً من مجادلات سياسية. ويعتقد بوعمامة أن تعهدات كهذه "تندرج بشكل أكبر في السعي لتطمين الجزائريين بأن المؤسسة العسكرية تؤدي مهامها الطبيعية باقتدار، والحرص على إبقاء الثقة بها، خصوصاً بعد الجدل الذي أثير أخيراً بخصوص دورها المفترض في حسم مخرجات الاستحقاق الرئاسي المقبل". واعتبر أنه يمكن فهم تصريحات قائد الجيش بهذا الشأن على أساس أنه "شيء من التذكير المستمر بما يصنع مشروعية مستدامة للمؤسسة العسكرية قيامها بمهام تحقيق الأمن ضد التهديدات المختلفة، وعلى رأسها الإرهاب الآن". يشار إلى أن الجزائر تعاني من ظاهرة الإرهاب منذ 27 سنة، وإذا كانت قد نجحت عبر مشروعي "الوئام المدني" في 1999 و"المصالحة الوطنية" في 2005 في سحب عدد كبير من المسلحين ودفعهم لوضع السلاح جانباً والعودة إلى المجتمع، فإن بقايا المجموعات الإرهابية، على قلتها، ما زالت تشكل حالة مقلقة للجزائر والجزائريين. وقد يبدو طرح السؤال مشروعاً عن ظروف وملابسات استمرار نشاط هذه الجماعات بعد كل هذه الفترة وبعد الخبرة الكبيرة التي اكتسبها الجيش في عمليات ملاحقة العصابات والجماعات الإرهابية وضرورة الحسم النهائي معها؟