تماشياً مع التطورات الدولية، الاقتصادية والاجتماعية، وحتى المتعلقة بعلم النفس، بل وما وراءه "الباراسيكيولوجيا"، حصد مسؤولو نظام الأسد، حصتهم بهذه القطاعات ولا شك، فالحكاية بالبلد الممانع، اعتياد السبق والريادة، ومن شبّ على شيء، شاب عليه.
فوزير المال بحكومة بشار الأسد، مأمون حمدان، يراقب من موقع منصبه، حتى إيماءات وجوه السوريين، ليستشف مستوى الواقع المعيشي، ربما من نضارة الوجوه واحمرار الوجنات، ويستنتج من إيماءات الوجوه، مدى الرضى عن السياسة المالية والاقتصادية.
فرأى السيد الوزير في ما رأى، اللهم اجعله خيراً، أن المواطن السوري يبتسم أخيراً، بعد تعافي سعر صرف الليرة بنحو 20% خلال شهرين، فاستنتج أن خطوات الحكومة المقاومة جيدة لتحسين الاقتصاد.
وضمن استنتاجات ورؤى الوزير التي أفصح عنها أمام أعضاء مجلس الشعب في الخامس من ديسمبر/كانون الأول الجاري، والتي تتعدى مقولة "وفسر الماء بعد الجهد بالماء" أن كل من كانت مدخراته بالعملات الصعبة، فقد تأذى جراء تحسن سعر الليرة، في حين كل من كانت مدخراته بالليرة السورية، فقد انتعش واستفاد.
وتتعدى رؤية الوزير مقولة تفسير الماء بالماء، لسبب بسيط، وهو أن المواطن الذي قبض عليه الوزير مبتسماً، قد يكون، إن سلمنا جدلاً بجريمة الابتسام، قد اقترف هذا الجرم من مبدأ شرّ البلية ما يضحك، لأن المواطن، ووزير المال الأعلم، خارج معادلة الانتعاش والتأذي، فهو ببساطة بلا مدخرات، بعد ست سنوات من سياسة التفقير الممنهجة، جراء تفشي البطالة لأكثر من 80% والفقر إلى 87% ورفع الأسعار 12 ضعفاً وتثبيت الدخل، وصل السوريون، أو جلهم، إلى بيع كل ما يمكن التخلي عنه من ممتلكاتهم، بما فيها المنازل للغرباء، ليستمروا على قيد الحياة وبحدودها الدنيا.
قصارى القول: بما أن السوريين يبتسمون، فليس من داع ملحّ لزيادة الرواتب والأجور، الآن على الأقل، لأن هذه المجازفة، تحسين المعيشة، تتطلب دراسات معمّقة، حكومة الأسد وحدها، القادرة على إجرائها وتقدير تبعاتها وعقابيلها.
ولكن ولأن ممثلي الشعب بالبرلمان، إن صحت تسمية ممثلين، ألحوا على الوزير بالسؤال عن زيادة الأجور والرواتب، فحان دور ما أسلفنا إليه، من تطور الاقتصاد وحتى اللغة الاقتصادية بسورية الأسد، فكانت إجابة الوزير حرفياً "الحكومة تتجه في تفكيرها منذ استلامها مقاليد السلطة التنفيذية إلى خلق حالة إنتاجية حقيقية تؤمن تشغيل رؤوس الأموال واليد العاملة بما يؤمن الوفرة السلعية للسوق المحلية وللتصدير".
الوزير قال هذه الجملة التي من المفترض أن تدرّس بكليات ومعاهد الاقتصاد، دون أن يقدم شرحاً لعلاقتها بالأجور التي لا تتجاوز 95 دولاراً (40 ألف ليرة)، أو حتى أن يبيّن لأعضاء المجلس أو للشعب المبتسم الذي سيقرأ تصريح الوزير، شرحاً للمفردات، وخاصة من قبيل، خلق حالة إنتاجية وتشغيل رؤوس الأموال، في بلد هجره صناعيوه ورأسماليوه بعد أن بات أرضاً لتصفية الحسابات الدولية ويفتقر لأي مناخ آمن.
بل، ولم يفسر الوزير لسائليه، كيف ستتوفر السلع وتنكسر أسعارها، إن كان الوزير نفسه، قد قال وجواباً عن سؤال آخر وبنفس جلسة مناقشة الموازنة العامة بمجلس الشعب" يجب ألا ينتظر المواطن انخفاض الأسعار خلال يومين أو ثلاثة أو أسبوع، لأن الاستيراد يعتمد على المكان الذي نستورد منه، فإذا استوردنا من القارة الأميركية فهذا يتطلب شهرين أو ثلاثة لكي ينعكس ذلك على الأسعار في السوق".
ولكن، أتقف حكاية استمرار الغلاء والتجويع لثلاثة أشهر، لشعب صامد يجوع، منذ وصول آل الأسد للسلطة وتم كشف حاله خلال حربهم على الثورة، وبخاصة أن بدأ يبتسم؟
نهاية القول: من قبيل الرؤية بكلتا العينين ولئلا نبخس جهود حكومة الأسد جهودها، فقد زف وزير المال وصحبه من الفريق الاقتصادي وخلال الجلسة ذاتها، رزمة من الآمال بعنوان "سورية تتطلع"، فقالوا مما قالوه، تتطلع سورية لإصدار قانون جديد للاستثمار، يكون قانوناً عصرياً يحاكي أفضل قوانين الاستثمار الموجودة في العالم، ويناسب ظروف سورية وتطلعاتها لإعادة الإعمار.
وتتطلع سورية لجذب الرساميل، خاصة أن هناك ميلاً معلناً من قبل شركات خليجية كبرى ومن الصف الأول، للاستثمار في سورية وفي قطاعات مهمة بعد قناعتها أنّ سورية الخارجة من الحرب ستكون قبلة الاستثمار الأهم ليس في المنطقة وربما أبعد في كل ذلك.
وسورية تتطلع لإصدار شهادات إيداع بفوائد مشجعة وبات من المؤكد أنّه سيكون فاتحة العام 2018. وينظر الجميع الى إصدار شهادات الإيداع على أنه الإناء الذي يمكن أن يصون مدخرات المواطنين وفي نفس الوقت يغني عن طباعة العملة ومشاكلها التضخمية.
أيعقل، بعد كل هذه التطلعات والرؤى والاستشفافات، أن يبقى السوري حزيناً، أم وفق أقل ردات الفعل، أن يبتسم إن لم نقل يقهقه، ليرى السيد الوزير بابتسامته انفراجاً للاقتصاد وقرب النصر على المؤامرة الكونية.