27 سبتمبر 2018
سورية: صراع من أجل روسيا مهيمنة
تريد روسيا حسم الصراع في سورية بالقوة، وتريد فرض منظورها القائم على بقاء الأسد وسحق الثورة. كانت سورية اللحظة التي سمحت لروسيا بأن تتقدّم لكي تظهر قوة عالمية، حيث وقفت بشراسة في مجلس الأمن (ومعها الصين) ضد كل قرار يستهدف النظام السوري، أرادت منها أن تُظهر أنها قوةٌ عالمية، وأنها قوةٌ عالميةٌ مقرِّرة. لم تكن أميركا حينها ترفض الموقف الروسي، لأنها كانت تريد، وفق إستراتيجيتها المقرّرة بعد الأزمة المالية سنة 2008، التفاهم مع روسيا من جهة، وتريد كذلك سحق الثورات التي بدأت من تونس من جهة أخرى. وربما توضح هذه المسألة كل الموقف الأميركي إلى الآن. وكذلك كانت "تبيع" سورية لروسيا.
ولا تزال روسيا تعتبر أن سورية هي اللحظة التي تسعى، من خلالها، إلى أن تفرض نفسها قوة عالمية، فقد تدخلت لمنع سقوط النظام، وأوجدت قواعد عسكرية في الأرض السورية "غير محدَّدة الزمن"، وباتت القوة الأساسية في الحرب ضد الثورة، والتي تمارس أقسى العنف والتدمير لسحقها. ومنظورها بسيط، ينطلق من ضرورة تثبيت النظام بما فيه "الرئيس"، مدَّعية الحفاظ على "الشرعية"، لأنه "رئيس منتخب". هذا هو جوهر خطابها على الرغم من تكرارها تبريراتٍ متعدّدة، منها "الحرب ضد الإرهاب"، الحرب التي لم تَخُضها إطلاقاً. لهذا، فإن ما تريد أن تقوله لكل العالم إنها باتت قوةً عالمية، وإنها مستعدة للتدخل العسكري، وحتى الذهاب إلى حربٍ عالمية من أجل فرض مصالحها وتنفيذ ما تقول، وقد قالت، في سورية، إن الحل يقوم على بقاء الأسد، وعلى العالم أن يقبل ذلك، وعلى "المسلحين" أن يخضعوا لذلك، وإلا سيواجهون كل العنف الممكن بأحدث الأسلحة التي يقول الروس إنهم يستخدمونها لأول مرة. وحتى لفعل ما فعله فلاديمير بوتين في غروزني، العاصمة التي دمّرها في الحرب ضد شعب الشيشان.
"الرسالة العالمية" لروسيا من كل ما تفعله في سورية أنها تنفذ ما تُقرّر، وأنها التي تقرّر، وأنها مستعدة للذهاب إلى أقصى مدىً في الحرب من أجل تحقيق ذلك. وبالتالي، تحاول في دورها السوري أن تفرض هيمنةً عالميةً، بعد أن باتت معنيةً بتجاوز "الثنائية القطبية" لمصلحة دورها الهيمني. استخدمت في سورية أحدث الأسلحة، وصرّح مسؤولون فيها إنها تجرِّب تلك الأسلحة، وقد أظهرت وحشية فائقة في القتل والتدمير عبر استهداف المشافي والمدارس والأسواق، وفرق الإنقاذ، والبيوت، وهي مصرّة على حسم الحرب لمصلحتها. وذلك كله من أجل "تخويف" العالم، وجعله يقبل بسطوتها وهيمنتها. وفي هذا السياق، زادت من ميزانية الحرب، وأخذت تحرّك أساطيلها وطائراتها للتذكير بوجودها العالمي، ولإفهام العالم أن بوتين جاد جداً في ما يقول ويقرّر.
بالتالي، إذا كان الفيتو في مجلس الأمن، مع بداية الثورة السورية، هو للتذكير بأن روسيا قوة عالمية، وإن لها رأياً ومصالح، ومن ثم يجب أخذها بالاعتبار، فإن الأمر بات يتعلق بصياغة النظام العالمي على أسسٍ جديدةٍ، تكون روسيا فيها الطرف المهيمن. لم تعد تقبل أن تكون طرفاً مكافئاً لأميركا، بل باتت تهدف إلى أن تحلّ حلها. وربما شعرت بأن أميركا في وضعٍ صعب، لا يسمح لها بأن تواجه التقدّم الروسي، كما ظهر واضحاً في سورية وفق ما توهمت، نتيجة "اللا مبالاة" الأميركية التي جرى تفسيرها بأنها نتيجة ضعف أميركا. لكن ما يدفع إلى هذا الوهم هو أزمتها هي، التي تتمثل في أنها باتت رأسمالية في وضع عالمي جرى تقاسمه، بما في ذلك البلدان التي كانت تابعةً لها خلال المرحلة السوفييتية (العديد من جمهوريات الاتحاد السوفييتي وأوروبا الشرقية)، فهي بحاجة إلى الأسواق وتصدير الرأسمال المتراكم لدى مافياتها، وخصوصاً هنا تصدير السلاح الذي هو السلعة التي يمكن أن تنافس فيها. ولهذا، تقوم بعملية استعراض ضخم في أجواء سورية، وعلى الأرض السورية، لتسويقه. هذه هي أزمة كل رأسمالية تتقدّم متأخرة، حيث يكون سوق المساومات قد أُغلق.
هذه هي الحالة التي أفضت إلى حربين عالميتين، بعد أن تقدمت ألمانيا، لكنها وجدت أنه جرى تقاسم العالم بين الرأسماليات القديمة. وهي الحالة التي تواجهها روسيا، حيث استغلت الرأسماليات القديمة انهيار الاتحاد السوفييتي، لكي تسيطر على البلدان التي كانت تحت سيطرته، وبالتالي، أن تُقلّص حدود المناورة الروسية التي حينما حاولت النهوض مع وصول بوتين إلى السلطة كانت منهارةً داخلياً وفاقدةً كل مرتكزاتها الخارجية، حتى في محيطها السابق.
وهذا هو الوضع الذي جعلها، لتجاوز "هزائمها" في العراق وليبيا ويوغوسلافيا السابقة، وشعورها بأن "الغرب" خدعها، تميل في سورية الى إثبات ذاتها عبر الفيتو أولاً، وعبر الوجود العسكري الفعلي ثانياً. والآن، عبر التأكيد للعالم أنها باتت معنيةً بفرض ما تقول، بعد أن تقدّمت ببطء في جورجيا (أوستينيا الجنوبية) وسحق الشيشان بوحشية، ومن ثم قضم شبه جزيرة القرم، ومحاولة السيطرة على شرق أوكرانيا بعد أن فقدتها. والآن، في سورية، حسم الأمر لمصلحة الاعتراف بها القوة المهيمنة.
إنها تحاول إخافة العالم، والدفع إلى الحدّ الأقصى الذي يوشك على الاشتباك، على أمل قبول منظورها خشية حربٍ عالميةٍ تفرض استخدام السلاح النووي. وعلى الرغم من كل الحشد الذي حشدته في سورية وفي البحر المتوسط، يبدو أنها تميل إلى حشد كل قواتها البحرية وجل قواتها الجوية في البحر المتوسط، بالضبط لكي تقول إن قرارها يجب أن يُفرض، أو ستكون الحرب.
هل ستنجح هذه السياسة الهجومية، والمتطرّفة؟ ما زالت أميركا تعتبر أنها القوة الأكبر، وإذا كانت قد تراجعت عن ميلها إلى الهيمنة المطلقة، فلم تتراجع عن كونها قوةً عظمى أولى. وبالتالي، إذا كانت تميل إلى التفاهم مع روسيا، وتقاسم المناطق معها، فإنها لا تبدو في وضعٍ يجعلها تقبل أن تصبح روسيا هي القوة المهيمنة. أوروبا كذلك (خصوصاً إنكلترا وألمانيا وفرنسا) تريد أن تزيد من دورها العالمي، لا الوقوع تحت سيطرة قوةٍ عظمى جديدة. وبالتالي، فإن الرأسماليات القديمة ترفض كلها الميل الهيمني الروسي، لكن "حرب الغرب" ما زالت تنحصر في العقوبات الاقتصادية، والضغط على الداخل الروسي، ولا تريد الوصول إلى مرحلة حربٍ عالمية. وهذا أيضاً تبتزّ روسيا به، وتستغلّ ذلك لتصعيد ضغطها وتخويفها، وتهديدها بالحرب، إلى حدّ أن الإعلام الروسي بات يتحدّث عن حربٍ عالميةٍ ثالثة بشكل متكرّر. على الرغم من أن للرأسماليات القديمة، ولأميركا خصوصاً، قدرة على استثارة المشكلات لروسيا، وتوريطها في معارك فرعية تنهكها. وأنه إزاء المصالح يمكن الانجراف إلى حربٍ مدمرة.
حتى الصين لا تقبل بأن تتبوأ روسيا هذا الموقع الذي تريده هي، وتسعى إليه بكل "نعومة"، وعبر التوسع الاقتصادي، على الرغم من أنها توسّع من قدراتها العسكرية، وتعزّز من وجودها العسكري في بحر الصين، وباتت تميل إلى إنشاء قواعد عسكرية في الخارج (جيبوتي)، فالصين أقوى اقتصادياً من روسيا، وأكثر طموحاً لأن تعتلي قمة الهرم.
وبالتالي، إذا كان هتلر قد وجد رأسمالياتٍ أخرى يتحالف معها (إيطاليا واليابان)، فإن روسيا لا تجد من تتحالف معه، حتى الصين التي يُشار عادة إلى "التحالف الروسي الصيني"، و"حلف شنغهاي" أو "دول البريكس"، ليس من الممكن أن تميل إلى تحالفٍ مع روسيا، على الرغم من التنسيق هنا أو هناك، بالضبط لأن الصراع بينهما هو "على القمة"، حيث تحسّ الصين أنها البديل، بقوة اقتصادها الذي بات ثاني أكبر قوة بعد أميركا، وتوسّعها الاقتصادي في مختلف أصقاع العالم، من أفريقيا إلى أميركا اللاتينية، وأوروبا وآسيا، وحتى أميركا نفسها. وبالتأكيد، ستستفيد من "الغباء الروسي"، لكي تعزّز مواقعها.
ما الممكن إذن؟ تندفع الأمور نحو تصعيدٍ كبير للتوتر، على الرغم من "هدوء" الرأسماليات القديمة. لكن، ربما يقود خطأ ما إلى كارثة. أو يُضبط "جنون" بوتين في روسيا نفسها. وخيار روسيا هو تجاوز الميل الإمبريالي لمصلحة بديل شعبي. وربما تدفع أزمةٌ ماليةٌ جديدةٌ تحدث في هذا البلد الرأسمالي أو ذلك إلى انفجار كبير يخلّص العالم من مجانينه.
في كل الأحوال، نحن من يتحمل نتائج "أزمة روسيا" التي حولتها إلى دولةٍ معتدية ومتوحشة، تريد الاحتلال والسيطرة، حتى وإن كان ذلك يتمّ على جثث السوريين، وعلى دمار تاريخ طويل لحضارة عريقة عاشتها.
ولا تزال روسيا تعتبر أن سورية هي اللحظة التي تسعى، من خلالها، إلى أن تفرض نفسها قوة عالمية، فقد تدخلت لمنع سقوط النظام، وأوجدت قواعد عسكرية في الأرض السورية "غير محدَّدة الزمن"، وباتت القوة الأساسية في الحرب ضد الثورة، والتي تمارس أقسى العنف والتدمير لسحقها. ومنظورها بسيط، ينطلق من ضرورة تثبيت النظام بما فيه "الرئيس"، مدَّعية الحفاظ على "الشرعية"، لأنه "رئيس منتخب". هذا هو جوهر خطابها على الرغم من تكرارها تبريراتٍ متعدّدة، منها "الحرب ضد الإرهاب"، الحرب التي لم تَخُضها إطلاقاً. لهذا، فإن ما تريد أن تقوله لكل العالم إنها باتت قوةً عالمية، وإنها مستعدة للتدخل العسكري، وحتى الذهاب إلى حربٍ عالمية من أجل فرض مصالحها وتنفيذ ما تقول، وقد قالت، في سورية، إن الحل يقوم على بقاء الأسد، وعلى العالم أن يقبل ذلك، وعلى "المسلحين" أن يخضعوا لذلك، وإلا سيواجهون كل العنف الممكن بأحدث الأسلحة التي يقول الروس إنهم يستخدمونها لأول مرة. وحتى لفعل ما فعله فلاديمير بوتين في غروزني، العاصمة التي دمّرها في الحرب ضد شعب الشيشان.
"الرسالة العالمية" لروسيا من كل ما تفعله في سورية أنها تنفذ ما تُقرّر، وأنها التي تقرّر، وأنها مستعدة للذهاب إلى أقصى مدىً في الحرب من أجل تحقيق ذلك. وبالتالي، تحاول في دورها السوري أن تفرض هيمنةً عالميةً، بعد أن باتت معنيةً بتجاوز "الثنائية القطبية" لمصلحة دورها الهيمني. استخدمت في سورية أحدث الأسلحة، وصرّح مسؤولون فيها إنها تجرِّب تلك الأسلحة، وقد أظهرت وحشية فائقة في القتل والتدمير عبر استهداف المشافي والمدارس والأسواق، وفرق الإنقاذ، والبيوت، وهي مصرّة على حسم الحرب لمصلحتها. وذلك كله من أجل "تخويف" العالم، وجعله يقبل بسطوتها وهيمنتها. وفي هذا السياق، زادت من ميزانية الحرب، وأخذت تحرّك أساطيلها وطائراتها للتذكير بوجودها العالمي، ولإفهام العالم أن بوتين جاد جداً في ما يقول ويقرّر.
بالتالي، إذا كان الفيتو في مجلس الأمن، مع بداية الثورة السورية، هو للتذكير بأن روسيا قوة عالمية، وإن لها رأياً ومصالح، ومن ثم يجب أخذها بالاعتبار، فإن الأمر بات يتعلق بصياغة النظام العالمي على أسسٍ جديدةٍ، تكون روسيا فيها الطرف المهيمن. لم تعد تقبل أن تكون طرفاً مكافئاً لأميركا، بل باتت تهدف إلى أن تحلّ حلها. وربما شعرت بأن أميركا في وضعٍ صعب، لا يسمح لها بأن تواجه التقدّم الروسي، كما ظهر واضحاً في سورية وفق ما توهمت، نتيجة "اللا مبالاة" الأميركية التي جرى تفسيرها بأنها نتيجة ضعف أميركا. لكن ما يدفع إلى هذا الوهم هو أزمتها هي، التي تتمثل في أنها باتت رأسمالية في وضع عالمي جرى تقاسمه، بما في ذلك البلدان التي كانت تابعةً لها خلال المرحلة السوفييتية (العديد من جمهوريات الاتحاد السوفييتي وأوروبا الشرقية)، فهي بحاجة إلى الأسواق وتصدير الرأسمال المتراكم لدى مافياتها، وخصوصاً هنا تصدير السلاح الذي هو السلعة التي يمكن أن تنافس فيها. ولهذا، تقوم بعملية استعراض ضخم في أجواء سورية، وعلى الأرض السورية، لتسويقه. هذه هي أزمة كل رأسمالية تتقدّم متأخرة، حيث يكون سوق المساومات قد أُغلق.
هذه هي الحالة التي أفضت إلى حربين عالميتين، بعد أن تقدمت ألمانيا، لكنها وجدت أنه جرى تقاسم العالم بين الرأسماليات القديمة. وهي الحالة التي تواجهها روسيا، حيث استغلت الرأسماليات القديمة انهيار الاتحاد السوفييتي، لكي تسيطر على البلدان التي كانت تحت سيطرته، وبالتالي، أن تُقلّص حدود المناورة الروسية التي حينما حاولت النهوض مع وصول بوتين إلى السلطة كانت منهارةً داخلياً وفاقدةً كل مرتكزاتها الخارجية، حتى في محيطها السابق.
وهذا هو الوضع الذي جعلها، لتجاوز "هزائمها" في العراق وليبيا ويوغوسلافيا السابقة، وشعورها بأن "الغرب" خدعها، تميل في سورية الى إثبات ذاتها عبر الفيتو أولاً، وعبر الوجود العسكري الفعلي ثانياً. والآن، عبر التأكيد للعالم أنها باتت معنيةً بفرض ما تقول، بعد أن تقدّمت ببطء في جورجيا (أوستينيا الجنوبية) وسحق الشيشان بوحشية، ومن ثم قضم شبه جزيرة القرم، ومحاولة السيطرة على شرق أوكرانيا بعد أن فقدتها. والآن، في سورية، حسم الأمر لمصلحة الاعتراف بها القوة المهيمنة.
إنها تحاول إخافة العالم، والدفع إلى الحدّ الأقصى الذي يوشك على الاشتباك، على أمل قبول منظورها خشية حربٍ عالميةٍ تفرض استخدام السلاح النووي. وعلى الرغم من كل الحشد الذي حشدته في سورية وفي البحر المتوسط، يبدو أنها تميل إلى حشد كل قواتها البحرية وجل قواتها الجوية في البحر المتوسط، بالضبط لكي تقول إن قرارها يجب أن يُفرض، أو ستكون الحرب.
هل ستنجح هذه السياسة الهجومية، والمتطرّفة؟ ما زالت أميركا تعتبر أنها القوة الأكبر، وإذا كانت قد تراجعت عن ميلها إلى الهيمنة المطلقة، فلم تتراجع عن كونها قوةً عظمى أولى. وبالتالي، إذا كانت تميل إلى التفاهم مع روسيا، وتقاسم المناطق معها، فإنها لا تبدو في وضعٍ يجعلها تقبل أن تصبح روسيا هي القوة المهيمنة. أوروبا كذلك (خصوصاً إنكلترا وألمانيا وفرنسا) تريد أن تزيد من دورها العالمي، لا الوقوع تحت سيطرة قوةٍ عظمى جديدة. وبالتالي، فإن الرأسماليات القديمة ترفض كلها الميل الهيمني الروسي، لكن "حرب الغرب" ما زالت تنحصر في العقوبات الاقتصادية، والضغط على الداخل الروسي، ولا تريد الوصول إلى مرحلة حربٍ عالمية. وهذا أيضاً تبتزّ روسيا به، وتستغلّ ذلك لتصعيد ضغطها وتخويفها، وتهديدها بالحرب، إلى حدّ أن الإعلام الروسي بات يتحدّث عن حربٍ عالميةٍ ثالثة بشكل متكرّر. على الرغم من أن للرأسماليات القديمة، ولأميركا خصوصاً، قدرة على استثارة المشكلات لروسيا، وتوريطها في معارك فرعية تنهكها. وأنه إزاء المصالح يمكن الانجراف إلى حربٍ مدمرة.
حتى الصين لا تقبل بأن تتبوأ روسيا هذا الموقع الذي تريده هي، وتسعى إليه بكل "نعومة"، وعبر التوسع الاقتصادي، على الرغم من أنها توسّع من قدراتها العسكرية، وتعزّز من وجودها العسكري في بحر الصين، وباتت تميل إلى إنشاء قواعد عسكرية في الخارج (جيبوتي)، فالصين أقوى اقتصادياً من روسيا، وأكثر طموحاً لأن تعتلي قمة الهرم.
وبالتالي، إذا كان هتلر قد وجد رأسمالياتٍ أخرى يتحالف معها (إيطاليا واليابان)، فإن روسيا لا تجد من تتحالف معه، حتى الصين التي يُشار عادة إلى "التحالف الروسي الصيني"، و"حلف شنغهاي" أو "دول البريكس"، ليس من الممكن أن تميل إلى تحالفٍ مع روسيا، على الرغم من التنسيق هنا أو هناك، بالضبط لأن الصراع بينهما هو "على القمة"، حيث تحسّ الصين أنها البديل، بقوة اقتصادها الذي بات ثاني أكبر قوة بعد أميركا، وتوسّعها الاقتصادي في مختلف أصقاع العالم، من أفريقيا إلى أميركا اللاتينية، وأوروبا وآسيا، وحتى أميركا نفسها. وبالتأكيد، ستستفيد من "الغباء الروسي"، لكي تعزّز مواقعها.
ما الممكن إذن؟ تندفع الأمور نحو تصعيدٍ كبير للتوتر، على الرغم من "هدوء" الرأسماليات القديمة. لكن، ربما يقود خطأ ما إلى كارثة. أو يُضبط "جنون" بوتين في روسيا نفسها. وخيار روسيا هو تجاوز الميل الإمبريالي لمصلحة بديل شعبي. وربما تدفع أزمةٌ ماليةٌ جديدةٌ تحدث في هذا البلد الرأسمالي أو ذلك إلى انفجار كبير يخلّص العالم من مجانينه.
في كل الأحوال، نحن من يتحمل نتائج "أزمة روسيا" التي حولتها إلى دولةٍ معتدية ومتوحشة، تريد الاحتلال والسيطرة، حتى وإن كان ذلك يتمّ على جثث السوريين، وعلى دمار تاريخ طويل لحضارة عريقة عاشتها.