13 مايو 2018
سورية.. والعدالة الانتقالية قبل وقف الحرب
الدول التي لجأت إلى مسارات العدالة الانتقالية، لتسوية ذيول أزمات فيها، فعلت ذلك بعيد انتهاء هذه الأزمات، ووقف القتل أو القتال، أو حصول تغير في نظام الحكم. أما في الحالة السورية، فقد بدأت مجموعات حقوقية التحضير للعدالة الانتقالية، منذ عام 2013، والعمل جديا، لرسم ملامح العدالة الانتقالية ومساراتها. ما قد يعود إلى الشعور بأن سقوط النظام بات قاب قوسين أو أدنى، ما دفع منظمات سورية وناشطين إلى التركيز على هذا المسار. وربما وراء هذا الشروع المبكر رغبة السوريين في أن لا يقع بلدهم "الناجي من ويلات حكم العصابات" في ويلات الانتقام، عبر عصابات من شكل آخر.
لاقى هذا التوجه، في البدء، مقاومة كبيرة عند قطاعاتٍ من المتضرّرين من الممارسات التعسفية والإجرامية لنظام الأسدين، الأب والابن، لا سيما أن تسويق مفاهيم العدالة الانتقالية، في البدء، كان يوحي كأنها دعوة إلى الصفح عن جرائم النظام بحق ملايين السوريين، أو الارتهان لآليات إجرائية، يمكن أن تفضي إلى أثر رمزي لما يمكن أن يسمى إنصاف الضحية من الجاني.
اليوم، وبعد سبع سنوات، تمت في أثنائها عشرات أو مئات الملتقيات والمؤتمرات، ما نزال نتحدث عن العدالة الانتقالية، بالآليات نفسها التي بدأناها عام 2013، حين كانت الثورة السورية في أوج عنفوانها.
والمعلوم أن مسارات العدالة الانتقالية ترتكز إلى خمس نقاط، والناظر بتبسيط مفرط إليها، وإمكانية إنجاحها، تصيبه خيبة أمل كبيرة.
إنشاء لجان تقصّي الحقائق وتحديد المسؤولين، وهذا جار منذ بدء الثورة تقريبا. تنظيم محاكم مدنية وجنائية، للنظر في هذه الانتهاكات. وهذا أقرب إلى المستحيل، خصوصا مع أطروحات التسويات المحتملة، والتي ستفرض على السوريين. جبر الضرر وتعويض المتضررين. وهذا من أشباه المستحيلات، إذ يتطلب موارد هائلة، من الصعب تخيّل توفرها أصلا. إصلاح
المؤسسات الرسمية. وهذا سيكون هدفا صعبا في ظل التسويات التي ستجعل من النظام ومؤسساته الوالغة في الفساد شريكا مفروضا على السوريين، لا سيما أن تجارب الربيع العربي الأخرى أثبتت مدى مقاومة الدولة العميقة أي إصلاح جوهري. تخليد التغيير في الذاكرة الجمعية. وربما سيكون هذا ممكنا إلى حد ما، مع وجود صعوباتٍ كبيرةٍ ستعترضه، إذ سيطالب الطرف الآخر باعتبار ضحاياه موضع التقدير نفسه، الأمر الذي سيميع المضمون، ويساوي بين الضحية والجلاد.
طبعا يجب استمرار الاهتمام بالمنجز المهم لهذا المسار، وهو "شيوع التوثيق" بشكليه، التقني القانوني والصحافي، الأمر الذي سيجعل من الصعوبة بمكان التملص من هذا الكم الهائل من الانتهاكات.
السؤال الملحّ: هل ساهم هذا في تمادي المجرمين في سورية، وطمأنتهم بنجاتهم من أي مساءلةٍ مستقبليةٍ، خصوصا أن قيادات الدرجة الأولى، أي الرئيس وقيادة أركانه، يتحرّكون بحذر شديد إزاء ما يمكن أن يشكل إدانة فردية لأحدهم، وهذا ما عهدناه أيام الأسد الأب، حيث كان يعهد بكل أوامره شفهيا، من دون أي توثيق لها، وأخطرها التوقيع على أوامر الإعدام الجماعي الذي كان يتكرر في ساحات تدمر عدة مرات كل شهر، فقد كان التوقيع على هذه الأحكام موكلا به إلى وزير الدفاع، مصطفى طلاس، وهكذا كانت الانتهاكات تتم وما زالت.
أمر آخر، باستعراض سيرورة الانتهاكات لدى نظام الأسدين، يتبيّن أنها في تصعيد مستمر. وهذا ليس عبثا أو سوء تقدير، إنما لإدراكهم أنه كلما اتسعت دائرة الإجرام والانتهاكات بات من المحال مقاربة تحقيق العدالة بشكلها الصوري، وسيضطر الضحايا أو الناجون للقبول بعدالة رمزية.
السؤال الذي يبرز أيضا، من أي مرحلةٍ من تاريخ الإجرام المتصل الذي ارتكبه نظام الأسدين، سيتم اعتماد الملفات والقضايا؟ هل نذهب إلى أحداث الثمانينيات من نهاية القرن المنصرم، والتي راح ضحيتها الآلاف، في مجازر كبرى، مثل مجزرتي حماة وسجن تدمر، وعشرات المجازر المتسلسلة، مع الافتقار الكبير للمستندات اللازمة، والتوثيق المستحيل في تلك الآونة؟ أم سنقدم الجرائم المستمرة منذ بدايات الثورة في عام 2011، بتصعيد كبير، والتي باتت أطراف دولية (إيران وروسيا)، وإقليمية (مليشيات عراقية ولبنانية وأفغانية شيعية) شريكة فيها.
لا شيء في الأفق يمكن أن يبشر بخير أو ببريق أمل، سوى ما ينبعث من صدور العاملين الصابرين في هذا الحقل، والمصرّين على السعي إلى العدالة إصرار القديسين، في مخاضات بائسة، تبتلع كل ما هو حق وعادل، وتحيل المسائل إلى محض تسوياتٍ، تجري عبر صفقات، بين نظام مجرم من جهة ومحتل غير معني بأية عدالة.
تلك الصفقات يحضّر لها، بحيث تكون نجاة الجناة أمراً أساسياً من هذه الصفقة، وسيكون السوريون بين خيارين، أحلاهما سمٌّ زعاف، استمرار المقتلة أو الصفح عن المجرمين الكبار، ومنحهم حصانةً من أي مساءلة، وربما القبول بهم شركاء في سيادة البلاد لمرحلة مقبلة.
لاقى هذا التوجه، في البدء، مقاومة كبيرة عند قطاعاتٍ من المتضرّرين من الممارسات التعسفية والإجرامية لنظام الأسدين، الأب والابن، لا سيما أن تسويق مفاهيم العدالة الانتقالية، في البدء، كان يوحي كأنها دعوة إلى الصفح عن جرائم النظام بحق ملايين السوريين، أو الارتهان لآليات إجرائية، يمكن أن تفضي إلى أثر رمزي لما يمكن أن يسمى إنصاف الضحية من الجاني.
اليوم، وبعد سبع سنوات، تمت في أثنائها عشرات أو مئات الملتقيات والمؤتمرات، ما نزال نتحدث عن العدالة الانتقالية، بالآليات نفسها التي بدأناها عام 2013، حين كانت الثورة السورية في أوج عنفوانها.
والمعلوم أن مسارات العدالة الانتقالية ترتكز إلى خمس نقاط، والناظر بتبسيط مفرط إليها، وإمكانية إنجاحها، تصيبه خيبة أمل كبيرة.
إنشاء لجان تقصّي الحقائق وتحديد المسؤولين، وهذا جار منذ بدء الثورة تقريبا. تنظيم محاكم مدنية وجنائية، للنظر في هذه الانتهاكات. وهذا أقرب إلى المستحيل، خصوصا مع أطروحات التسويات المحتملة، والتي ستفرض على السوريين. جبر الضرر وتعويض المتضررين. وهذا من أشباه المستحيلات، إذ يتطلب موارد هائلة، من الصعب تخيّل توفرها أصلا. إصلاح
طبعا يجب استمرار الاهتمام بالمنجز المهم لهذا المسار، وهو "شيوع التوثيق" بشكليه، التقني القانوني والصحافي، الأمر الذي سيجعل من الصعوبة بمكان التملص من هذا الكم الهائل من الانتهاكات.
السؤال الملحّ: هل ساهم هذا في تمادي المجرمين في سورية، وطمأنتهم بنجاتهم من أي مساءلةٍ مستقبليةٍ، خصوصا أن قيادات الدرجة الأولى، أي الرئيس وقيادة أركانه، يتحرّكون بحذر شديد إزاء ما يمكن أن يشكل إدانة فردية لأحدهم، وهذا ما عهدناه أيام الأسد الأب، حيث كان يعهد بكل أوامره شفهيا، من دون أي توثيق لها، وأخطرها التوقيع على أوامر الإعدام الجماعي الذي كان يتكرر في ساحات تدمر عدة مرات كل شهر، فقد كان التوقيع على هذه الأحكام موكلا به إلى وزير الدفاع، مصطفى طلاس، وهكذا كانت الانتهاكات تتم وما زالت.
أمر آخر، باستعراض سيرورة الانتهاكات لدى نظام الأسدين، يتبيّن أنها في تصعيد مستمر. وهذا ليس عبثا أو سوء تقدير، إنما لإدراكهم أنه كلما اتسعت دائرة الإجرام والانتهاكات بات من المحال مقاربة تحقيق العدالة بشكلها الصوري، وسيضطر الضحايا أو الناجون للقبول بعدالة رمزية.
السؤال الذي يبرز أيضا، من أي مرحلةٍ من تاريخ الإجرام المتصل الذي ارتكبه نظام الأسدين، سيتم اعتماد الملفات والقضايا؟ هل نذهب إلى أحداث الثمانينيات من نهاية القرن المنصرم، والتي راح ضحيتها الآلاف، في مجازر كبرى، مثل مجزرتي حماة وسجن تدمر، وعشرات المجازر المتسلسلة، مع الافتقار الكبير للمستندات اللازمة، والتوثيق المستحيل في تلك الآونة؟ أم سنقدم الجرائم المستمرة منذ بدايات الثورة في عام 2011، بتصعيد كبير، والتي باتت أطراف دولية (إيران وروسيا)، وإقليمية (مليشيات عراقية ولبنانية وأفغانية شيعية) شريكة فيها.
لا شيء في الأفق يمكن أن يبشر بخير أو ببريق أمل، سوى ما ينبعث من صدور العاملين الصابرين في هذا الحقل، والمصرّين على السعي إلى العدالة إصرار القديسين، في مخاضات بائسة، تبتلع كل ما هو حق وعادل، وتحيل المسائل إلى محض تسوياتٍ، تجري عبر صفقات، بين نظام مجرم من جهة ومحتل غير معني بأية عدالة.
تلك الصفقات يحضّر لها، بحيث تكون نجاة الجناة أمراً أساسياً من هذه الصفقة، وسيكون السوريون بين خيارين، أحلاهما سمٌّ زعاف، استمرار المقتلة أو الصفح عن المجرمين الكبار، ومنحهم حصانةً من أي مساءلة، وربما القبول بهم شركاء في سيادة البلاد لمرحلة مقبلة.
دلالات
مقالات أخرى
28 ابريل 2018