لم تمنع سبع سنوات متواصلة من الحرب الشرسة على السوريين، شهدوا خلالها أبشع وأعنف الجرائم، من أن تهزّ وجدانهم أمس، لقطاتٌ مصورةٌ لعناصر من الجيش الحر، وهم يهينون جثمان مقاتلة كردية من وحدات حماية الشعب، في عفرين.
ويظهر جثمانُ المقاتلة في أحد التسجيلات، ملقىً على الأرض بكامل عتادها العسكري، وسط حشدٍ من الجيش الحر، يكيلون لها كلامًا مهينًا ويتوعدون بالانتقام لعشرات الشهداء الذين سقطوا قبل نحو عامين، وجرى استعراضهم بطريقة مذلة أيضاً من قبل وحدات حماية الشعب، يوم سيطرت على عفرين.
ويرصد المقطع الثاني، تنكيلهم بجثة مقاتلة جُرِّدت من ثيابها، أحدهم يدوسها بحذائه العسكري، وعلامات التمثيل الوحشي واضحة على جسدها، ويسمع في المشهد صوتاً يأمر رفاقه "بألا يغطيها أحد".
ولم يتمكن مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي، من الجزم بأن كلا التسجيلين يعود للمقاتلة بارين كوباني، إلا أنهم سارعوا لإدانة الجريمة، ووصفوها بأنها بعيدة كل البعد عن القيم النبيلة للثورة السورية، مؤكدين تمسكهم بالكرامة الإنسانية بغض النظر عن صاحبها (عدو أو صديق)، وأن لا ذريعة تبرر التمثيل بالجثث أو إهانتها.
وكتب مازن درويش، مدير المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، على صفحته الرسمية في "فيسبوك"، مؤكدًا أن التمثيل بجثة المقاتلة الكردية، ونشر الفيديو والصور، دليلٌ إضافيٌّ ليدرك السوريون كمَّ الانحطاط الذي أوصلتهم إليه الحرب في سورية، وأضاف: "واذا كنا لا نستطيع وقف هذه الجرائم أو محاسبة مرتكبيها فعلى الأقل علينا أن لا نكون شركاء بها من خلال القبول بمثل هذه التصرفات أو السكوت عنها أو المساهمة بها من خلال نشرها وتصدير خطاب كراهية وعنف عنصري يساعد على حدوثها".
وأكد المحامي طارق حوكان، أن استعراض الجثث وإذلالها، من أحط الجرائم الإنسانية، مهما اختلف فاعلها، وأهدافها، وقال: "إن صحت واقعة التمثيل بجثة المقاتلة الكردية. فإن ما هو أبشع وأكثر سفالة من هذه الجريمة هو تبريرها بجريمة الـ pyd عندما طافوا بجثث مقاتلي الجيش الحر مدينة عفرين ...طوبى للقابضين على إنسانيتهم ومن حولهم كل هذا التوحش".
وعلّقت ندى ناصر ياغي: "تعرية المقاتلة الكردية والتنكيل بجثتها يشبه فعل اغتصاب المعتقلة السورية عند مافيا الأسد ...ذات الهمجية... ذات الذكورية المريضة... ثيران وحثالات متوحشة تعبث في هذا الجحيم... سورية".
وأوضحت ريم فاضل، أن هذه حصيلة سنوات غياب الكرامة الإنسانية خلال حكم آل الأسد، وكتبت: "لا فرق ببن جسد رحاب علاوي الشهيدة تحت التعذيب في سجون الأسد عن جسد المقاتلة الكردية العاري بعد التمثيل به..لا فرق بين مذيعة النظام كنانة علوش المشهورة بالسيلفي مع جثث عناصر الجيش الحر في حلب عن المجاهد الذي تباهى بقطع رأس أسير ذي ملامح طفولية بطريقة وحشية... وفق الادعاء والتبرير أنه من عناصر النظام ومريض بمرض التلاسيميا الذي يجعله يبدو وكأنه طفل ..لا فرق بين عناصر pyd الذين جابوا شوارع عفرين بشاحنة وضعوا فيها جثث مقاتلي الجيش الحر عن الأسرى الذين عرضهم جيش الإسلام في أقفاص بمدينة دوما ..".
وطالب سوريون بضرورة محاسبة مرتكبي هذه الجريمة، فكتب عمار ديوب: "جريمة التمثيل بجسد المقاتلة الكردية يجب ألا تمر بسهولة. إنها ضد كل قوانين الحرب والإنسانية. من ارتكب ذلك الفعل أشخاص محددون ويجب محاسبتهم. والجريمة تجرم صاحبها فقط".
وقال ضاحي المسلماني: "من مثل بجثة المقاتلة الكردية لم يكن أبداً ابن سورية ولن يكون ابن هالثورة العظيمة...فثورتنا ثورة حق وكرامة وأي صورة أو قول أو فعل يتنافى مع الأخلاق السامية لثورتنا هذه، فهو ليس منا ولا يمثلنا" وتابع "أطالب بالقبض على العناصر التي قامت بالفعل الشائن والتحقيق معهم وإنزال أقصى عقوبة تقتضيها أخلاق الثورة ولو وصل الأمر لإعدامهم لتجاوزهم كل المعايير وأخلاق الحرب ولابد من نشر نتائج التحقيق لنعرف من هؤلاء القتلة وما هي انتماءاتهم ودوافعهم لأن ما قاموا به عمل حيواني جبان لم نره إلا لدى جيش عصابة الأسد ومرتزقة حزب الله وشراشيح ايران".