20 ابريل 2016
سيرورة الاحتلال والخيار الفلسطيني
ما يتبدّى اليوم، في إسرائيل، من نزوع محمومٍ إلى القطيعة مع فكرة التسوية، حتى بصيغة "أوسلو" على بؤسها، يفسّره علماء الاجتماع السياسي الذين يفسّرون، بوسائل علمية، الظواهر السلوكية للقوى التي تحكم، بكونه انقلاب الأجيال اليهودية الجديدة، على ثقافة مؤسسي الدولة الملفّقة تاريخياً، وبمغادرة هذه الأجيال مربع الإحساس بعقدة الذنب، وتفلّتهم من أية اعتبارات سياسيةٍ، تحول دون شرعنة الاحتلال وإدامته، ونبذ فكرة التسوية تماماً.
يجدر التنويه، بخصوص هذا التعليل، إلى أن الطرف الإسرائيلي الذي أبرم اتفاق أوسلو مع الجانب الفلسطيني، وهو الموسوم بالاعتدال، كان يقدّم التعليل نفسه، في معرض التفاوض على إخلاء المستوطنات. كانوا يقولون لجماعتنا، بلغةٍ مخادعة، وربما بأسلوب الرجاء، ما معناه أن عليكم أن تقدّروا ظروفنا، لأن جيلاً جديداً من اليهود وُلد وترعرع في مستوطنات الضفة، وبات يراها أرضه ووطنه. لذا، يتطلب الأمر التدرّج في الإخلاء، ويتطلب إقناعاً، وإيجاد بدائل لإعادة إسكان الأسر التي في المستوطنات، وهذا كله يحتاج إلى وقت وإمكانات، وبالتالي عليكم بالصبر!
سمعنا ذلك، في الغرف المغلقة، من مفاوضين يعيدون على أسماعنا ما سمعوه من "الطرف الآخر"، حسب تسميتهم الجديدة له. وفي طريقة الإعادة، كان المُعيد يتمثل نبرة الحاكي الصهيوني، بما فيها من عنصر الشجن. وعلى "الطرف الآخر" كان الأخير، وحزبه، وجمهوره، ينطقون بلغة المهزوم سلفاً، أمام طوفان المتطرّف المسمى صهيونياً "قومياً" فيما "الديمقراطي" العلماني الذي يحكي كان يتهيأ نفسياً لمغادرة موقع المسؤولية، بعد أن أدى، هو وأسلافه، دورهم، وتسليم الراية للمتطرّف الذي سيعمل في ظروف إقليمية جيو سياسية مواتية.
على صعيد هذا الجانب، يصح أن نتحسّس الآن، طعنة التسوية وفداحة سياقها، منذ أن بدأ. لقد انفلت المحتلون من قيود فكرة أن يحصل الطرف الفلسطيني، صاحب الأرض، على جزء من وطنه، لكي يؤسس عليه دولته. وما السياسة كلها، بالنسبة للمحتلين، في هذه الأثناء، إلا العمل على اختراع صيغ لضم الأراضي، من دون استيعاب سكانها وتحميلهم في مركب المشروع الصهيوني العنصري الموقوف لليهود حصراً. ولهذه السيرورة معاونون على الدفع، إقليميون، أرعبهم السياق العام للأحداث، فاستأنسوا بإسرائيل، ووجدوا ضالتهم في صيغة شاه إيران التي أقنع بها الإسرائيلي عندما طالبه ذات لقاء، بإشهار العلاقة، فأجابه محمد رضا بهلوي: أليس العشق ألذّ من الزواج؟
الترتيبات التي يتوخّاها المحتلون، على الأرض، يريدونها لضمان استمرار سيطرتهم على الوضع. وبينما هم يعلمون أن من شأن سياساتهم إدامة العنف وردود الأفعال، فإن طموحهم في هذه الفترة ينحصر في تخليق تدابير للحد منه والتكيّف معه، والتصرف كنظام فصل عنصري قوي، يشبه نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا في بداياته، عندما كان رضوخ الأفارقة أكبر بكثير من تمرّدهم. وقد لوحظ أن معاهد الدراسات الإسرائيلية أولت أهمية كبيرة للتداول في شكل مثل هذا النظام الذي يكرّس الأمر الواقع، ويؤسس لحالة استعمارية، تستعيد سمات الاستعمار القديم.
ومع هذا النزوع الإقصائي، حيال شعب فلسطين، بدا لافتاً، في موازاته، خفوت الصوت الاحتجاجي العربي والدولي تجاه ممارسات الاحتلال. وحدهم السذّج هم الذين يتوهّمون أن وضعاً عربياً ودولياً، بإسقاطاته وتأثيراته، يمكن أن يساعد على المواجهة أو على التسوية. وطالما أن الأمر يتعلق بمواقف نظرية، ولا سياق عملي ومنطقي، لأي شيء، فإن هذا يجعلنا أمام أحد خيارين، أن نحادث أنفسنا، وإسماع العالم صوتاً يدحض شرعية إسرائيل. فليس أوجب من العودة إلى خطابنا الأول، ذي الأمنيات القصوى، لكي يعرف العالم، وقواه المتواطئة، أن الأمور لن تكون سهلةً أمام المشروع الصهيوني في سيرورته الراهنة. مضطرون، عندما تعثرت كل الرهانات، إلى انسحابٍ بأقل الخسارة، وهذا يكون بالعودة إلى التأكيد على المدركات التاريخية والجغرافية لقضية فلسطين، وطننا.
يجدر التنويه، بخصوص هذا التعليل، إلى أن الطرف الإسرائيلي الذي أبرم اتفاق أوسلو مع الجانب الفلسطيني، وهو الموسوم بالاعتدال، كان يقدّم التعليل نفسه، في معرض التفاوض على إخلاء المستوطنات. كانوا يقولون لجماعتنا، بلغةٍ مخادعة، وربما بأسلوب الرجاء، ما معناه أن عليكم أن تقدّروا ظروفنا، لأن جيلاً جديداً من اليهود وُلد وترعرع في مستوطنات الضفة، وبات يراها أرضه ووطنه. لذا، يتطلب الأمر التدرّج في الإخلاء، ويتطلب إقناعاً، وإيجاد بدائل لإعادة إسكان الأسر التي في المستوطنات، وهذا كله يحتاج إلى وقت وإمكانات، وبالتالي عليكم بالصبر!
سمعنا ذلك، في الغرف المغلقة، من مفاوضين يعيدون على أسماعنا ما سمعوه من "الطرف الآخر"، حسب تسميتهم الجديدة له. وفي طريقة الإعادة، كان المُعيد يتمثل نبرة الحاكي الصهيوني، بما فيها من عنصر الشجن. وعلى "الطرف الآخر" كان الأخير، وحزبه، وجمهوره، ينطقون بلغة المهزوم سلفاً، أمام طوفان المتطرّف المسمى صهيونياً "قومياً" فيما "الديمقراطي" العلماني الذي يحكي كان يتهيأ نفسياً لمغادرة موقع المسؤولية، بعد أن أدى، هو وأسلافه، دورهم، وتسليم الراية للمتطرّف الذي سيعمل في ظروف إقليمية جيو سياسية مواتية.
على صعيد هذا الجانب، يصح أن نتحسّس الآن، طعنة التسوية وفداحة سياقها، منذ أن بدأ. لقد انفلت المحتلون من قيود فكرة أن يحصل الطرف الفلسطيني، صاحب الأرض، على جزء من وطنه، لكي يؤسس عليه دولته. وما السياسة كلها، بالنسبة للمحتلين، في هذه الأثناء، إلا العمل على اختراع صيغ لضم الأراضي، من دون استيعاب سكانها وتحميلهم في مركب المشروع الصهيوني العنصري الموقوف لليهود حصراً. ولهذه السيرورة معاونون على الدفع، إقليميون، أرعبهم السياق العام للأحداث، فاستأنسوا بإسرائيل، ووجدوا ضالتهم في صيغة شاه إيران التي أقنع بها الإسرائيلي عندما طالبه ذات لقاء، بإشهار العلاقة، فأجابه محمد رضا بهلوي: أليس العشق ألذّ من الزواج؟
الترتيبات التي يتوخّاها المحتلون، على الأرض، يريدونها لضمان استمرار سيطرتهم على الوضع. وبينما هم يعلمون أن من شأن سياساتهم إدامة العنف وردود الأفعال، فإن طموحهم في هذه الفترة ينحصر في تخليق تدابير للحد منه والتكيّف معه، والتصرف كنظام فصل عنصري قوي، يشبه نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا في بداياته، عندما كان رضوخ الأفارقة أكبر بكثير من تمرّدهم. وقد لوحظ أن معاهد الدراسات الإسرائيلية أولت أهمية كبيرة للتداول في شكل مثل هذا النظام الذي يكرّس الأمر الواقع، ويؤسس لحالة استعمارية، تستعيد سمات الاستعمار القديم.
ومع هذا النزوع الإقصائي، حيال شعب فلسطين، بدا لافتاً، في موازاته، خفوت الصوت الاحتجاجي العربي والدولي تجاه ممارسات الاحتلال. وحدهم السذّج هم الذين يتوهّمون أن وضعاً عربياً ودولياً، بإسقاطاته وتأثيراته، يمكن أن يساعد على المواجهة أو على التسوية. وطالما أن الأمر يتعلق بمواقف نظرية، ولا سياق عملي ومنطقي، لأي شيء، فإن هذا يجعلنا أمام أحد خيارين، أن نحادث أنفسنا، وإسماع العالم صوتاً يدحض شرعية إسرائيل. فليس أوجب من العودة إلى خطابنا الأول، ذي الأمنيات القصوى، لكي يعرف العالم، وقواه المتواطئة، أن الأمور لن تكون سهلةً أمام المشروع الصهيوني في سيرورته الراهنة. مضطرون، عندما تعثرت كل الرهانات، إلى انسحابٍ بأقل الخسارة، وهذا يكون بالعودة إلى التأكيد على المدركات التاريخية والجغرافية لقضية فلسطين، وطننا.