مع العلم أن عاصفة اللوبي المُؤيد لإسرائيل في بريطانيا، بدأت تجتاح صفوف "العمال" مطلع الأسبوع الماضي، بعد اتهام النائبة عن الحزب في مجلس العموم البريطاني، ناز شاه، بـ"معاداة السامية"، لنشرها تعليقاً على موقع "فيسبوك" قبل عامين، اقترحت فيه نقل إسرائيل إلى الولايات المتحدة. وأدى الأمر إلى إقالتها من موقع المساعدة لوزير الخزانة في حكومة الظل، ولاحقاً تعليق عضويتها في الحزب وتحويلها إلى التحقيق.
بعدها، وُجّهت نيران جماعات الضغط الموالية لإسرائيل نحو ليفينغستون، بوصفه "معادياً للسامية"، مما أدى إلى تعليق عضويته في الحزب حتى إشعار آخر. وكان ليفينغستون قد رأى أن "هناك خلطاً بين مفهوم معاداة السامية وتوجيه انتقادات لإسرائيل"، معتبراً أن "ما قالته ناز شاه لم يكن معادياً للسامية، على الرغم من أنها تمادت بعض الشيء في تصريحاتها"، على حد تعبيره.
في المقابل، وصف زعيم الحزب، جيريمي كوربين، ما قالته شاه بخصوص إسرائيل بالـ"مهين وغير مقبول، وأنها كانت مخطئة تماماً"، مضيفاً أن "حزبه يعارض بشدة أي شكل من أشكال العنصرية أو معاداة السامية". ويرى مراقبون أن "سيف اللاسامية" الموجّه إلى حزب العمال، يخفي غايات متباينة لثلاثة أطراف تستهدف الحزب وقيادته اليسارية". يتقدّم هذه الأطراف "اللوبي الصهيوني" البريطاني، الذي طالما تذمّر من مواقف "العمال" منذ غياب توني بلير، الذي عُرف بمواقفه الداعمة لإسرائيل.
وقد بدأ هجوم منظمات اللوبي الصهيوني، على "العمال" بشكل واضح عام 2014، ففي رد فعلٍ على تصويت مجلس العموم البريطاني لصالح الاعتراف غير الملزم بالدولة الفلسطينية، بأغلبية من نواب "العمال"، أعلنت الكثير من الشخصيات وجماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل، عن وقف دعمها المادي وتأييدها السياسي لـ"العمال" في الانتخابات العامة لعام 2015، وذلك عقاباً له على مواقفه المؤيدة للفلسطينيين والمنتقدة لإسرائيل. وعملت منظمات اللوبي الصهيوني آنذاك على حشد الجمهور اليهودي البريطاني، لأجل التصويت في الانتخابات العامة لصالح حزب "المحافظين".
في هذا السياق، يعزو الكاتب في صحيفة "جويش كرونيكل"، ماركوس ديسش، أسباب غضب الجالية اليهودية من "العمال" إلى عاملين: أولهما تصاعد الأصوات العمالية المُنتقدة لإسرائيل خلال حرب غزة (عدوان) صيف عام 2014، وثانيهما تأييد الاعتراف بدولة فلسطين.
كما تضاعف غضب المنظمات المؤيدة لإسرائيل منذ صعود كوربين لقيادة الحزب، وهو المعروف بمناصرته لقضية الشعب الفلسطيني، وانتقاداته الصريحة للممارسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية. وقد سبق لإعلاميين وقادة رأي في الجالية اليهودية في بريطانيا شنّ حملات تشهير تتهمه بـ"نشر خطاب معاد للسامية في صفوف حزبه".
وقد وصف مايكل فوستر، أحد مرشحي ومانحي حزب "العمال"، كوربين بأنه "جاهل، وملحد، وحقود". وفي مقال نشرته صحيفة "ديلي ميل" البريطانية مطلع الشهر الحالي، بعنوان "جاهل، ملحد، بغيض... ازدراء كوربين لليهود وصمة عار"، أشار فوستر إلى أن "الجالية اليهودية، لا يمكن أن تدعم حزباً سياسياً، يظهر في أعلى مستوياته، أنه يتسامح مع خطاب وسلوك معاد للسامية". واختتم بالقول: "أما بالنسبة لمعاداة السامية في حزب العمال، فإنها سوف تتراجع، عندما يمتلك الحزب قيادة قوية، وليس قبل ذلك. هذا هو الاختبار الحقيقي لجيريمي كوربين".
من جهته، يرى المتحدث باسم منظمة "يهود من أجل تحقيق العدالة للفلسطينيين" ريتشارد كوبر، أنه "بغضّ النظر عن إيقاف ناز شاه أو غيرها، فإن الساسة الموالين لإسرائيل داخل حزب العمال وخارجه لن يتوقفوا عن هذه الحملة، لأن هدفهم الحقيقي هو جيرمي كوربين الذي يعد منتقداً قوياً للسياسات الإسرائيلية ومناصراً لفلسطين وحقوق شعبها".
أما الطرف الثاني الذي وجد في "سيف اللاسامية" فرصة للانقضاض على كوربين وتياره اليساري داخل "العمال"، فيضمّ منافسي كوربين المعروفين باسم "البليريين"، نسبة لتوني بلير، أو "الطريق الثالث" ويسعون لاستعادة قيادة الحزب، وتقويض كوربين والتيار اليساري داخل الحزب، وإعادة "العمال" إلى "يسار الوسط" وتخليصه من هيمنة النقابات المهنية.
ويرى "البليريون" أن السبب الرئيسي لخسارة العمال في إنتخابات مايو/ أيار الماضي، يكمن في تراجع الحزب عن "الطريق الثالث"، وتخليه عن "العمال الجديد" الذي وضع أساسه بلير في عام 1997. حينها، ظهر العمال وكأنهم يعودون مجدداً نحو اليسار الراديكالي، على حساب العلاقة مع مجتمع الأعمال الذي يوفر فرص العمل للطبقات التي يدعمها الحزب، وهذا ما ظهر وكأنه تناقض في الخطاب الإنتخابي للحزب.
أما الطرف الثالث، الذي يُشهر "سيف اللاسامية" للانقضاض على "العمال"، فهو حزب "المحافظين" الحاكم، الذي يحاول الاستفادة من أي فرصة لإضعاف "العمال". وقد تجلت هذه الانتهازية في تصريحات رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون الأخيرة، حين قال معلقاً على قضية شاه، إنه "أصبح جلياً أن حزب العمال البريطاني مصاب بوباء معاداة السامية وعليه الإقرار أن هذا يعني تورطه بالعنصرية، وهذا لا يليق بحزب سياسي معاصر".