تتدافع مصاريف التونسيين على راتب شهر أغسطس/ آب، إذ سيواجهون سيلاً من النفقات براتب لا يتخطى بعض مئات الدينارات، لا سيما الموظفين ممن لا يتجاوز معدل الأجور لديهم 1025 ديناراً (نحو 353 دولاراً). وتبدأ هذا الشهر العطل وعيد الأضحى الذي يحل في غضون أسبوعين، في حين تبدأ التحضيرات للعودة إلى المدارس والجامعات لمن سيلتحقون بالمؤسسات التعليمية مبكراً.
ويقدر المواطن عدنان العياري (45 عاماً) حجم النفقات التي تحتاجها الأسر في الأسابيع المقبلة بنحو ألفي دينار على أقل تقدير.
ويقول لـ"العربي الجديد" إن معدل أجور التونسيين لا يتجاوز الألف دينار، وهو تقريباً المبلغ ذاته الذي تتطلبه نفقات عيد الأضحى لاقتناء خروف وبقية لوازمه. ويضيف العياري أن ارتفاع كلفة المعيشة لم يعد يترك للتونسيين المتنفس لادخار بعض المال لمجابهة النفقات الطارئة أو مواسم الإنفاق المكثفة، مشيراً إلى أن هذه الحالة تُجابه بتقديم الأهم على المهم حتى لا تجد الأسر نفسها في دائرة التداين التي لا تتوقف.
وتسجل ذروة الإقبال على القروض وفق دراسة مختصة أجراها معهد الاستهلاك الحكومي، خلال أشهر يونيو/ حزيران ويوليو/ تموز وأغسطس/ آب، ثم في يناير/ كانون الثاني. ويفسر المعهد زيادة نسب اللجوء إلى المصارف بحثا عن التمويلات في هذه الأشهر بالذات بسبب تواتر مواسم الاستهلاك، أي رمضان والعطلة الصيفية وعيدا الفطر والأضحى ثم العودة المدرسية.
ويؤيد سليم الرحماني، رئيس فرع مصرف خاص، التفسيرات التي أوردتها دراسة معهد الاستهلاك حول زيادة الاقتراض في أشهر الصيف، مؤكداً في حديث مع "العربي الجديد" تعامله اليومي مع ملفات القروض التي ترد على المصرف الذي يشرف عليه. ويقول المصرفي إن زيادة طلبات القروض في أشهر الصيف باتت ما يشبه الظاهرة في السنوات الأخيرة، مؤكدا أن الذين يتجاوزون الحد الأقصى للتداين يتقدمون للمصرف بطلبات سلف على الأجر لمجابهة سيل المصاريف.
ويضيف الرحماني أن المشرفين على المصارف يجتهدون لإيجاد حلول لعملائهم لتسهيل مجابهة النفقات دون إغراقهم في الديون، لافتا إلى أن معدل سحوبات العملاء في هذه الفترة يقدر تقريباً براتبين أو راتب ونصف في الحد الأدنى.
وأظهر مسح صادر عن معهد الاستهلاك الحكومي عام 2018، أن حوالي 8.1 ملايين أسرة لا يمكنها الاستغناء عن الاستدانة بسبب ظروفها الصعبة، مشيرا إلى أن 27 في المائة من الأسر تعتبر أن الاقتراض، ضرورة يمليها ضعف القدرة الشرائية و27 في المائة ترى أنه "ورطة يصعب الخروج منها" وأن 20 في المائة تعتقد أن الاقتراض يمثل حلا لتحسين ظروف العيش وتمويل الاحتياجات الأساسية بما في ذلك الغذاء.
ويمثل ضعف الرواتب مقابل ارتفاع كلفة المعيشة أبرز أسباب إقبال التونسيين على القروض، حسب مسح المعهد الوطني للاستهلاك الحكومي الذي تم إنجازه في إطار رصد للتغيرات في السلوك الاستهلاكي لدى التونسيين في السنوات الثماني الأخيرة.
وسجّل إجمالي القروض التي حصلت عليها الأسر من ديسمبر/ كانون الأول 2010 إلى يونيو/ حزيران 2018 زيادة بـ117 في المائة، ليبلغ حاليا 23.1 مليار دينار (7,9 مليارات دولار)، كما زادت القروض المسندة من البنوك خلال الفترة الماضية من العام الحالي بـ765 مليون دينار (263 مليون دولار)، مقابل 1141 مليون دينار (393 مليون دولار) في الفترة ذاتها من سنة 2017.
وتسجل المنظمات المختصة في رصد السلوكيات الإنفاقية عند التونسيين تحولات الاستهلاك العميقة التي تقوم أساسا على التداين، لمجابهة المصاريف مقابل تراجع الادخار وضعف سلاح التقشف. ويعاني التونسيون عموما من ضعف الأجور وتآكلها بسبب زيادة نسبة التضخم وارتفاع الأسعار.