شابات تونس وسؤال السلطة!

22 أكتوبر 2014
أكثر من 128 جمعية نسائية أُسست بعد الثورة(أ.ف.ب)
+ الخط -

من نحن، الشابات التونسيات قبل الثورة؟ وفيم تمثلت أنشطتنا على المستوى الاجتماعي والسياسي؟

في ظل المركزية العالية في نظام الحكم، لم تتعدد الخيارات أمام الشابة التونسية، ولربما بالإمكان حصرها في أكثر مثالين تكرراً، الأول: الانتماء إلى التجمع الدستوري التونسي، وهو حزب تفرد بالسلطة قرابة 5 عقود، حزب أبوي ومترهّل. وثانياً: العمل الجمعيّاتي (خيري، بيئي، ثقافي.. الخ). أي أن الاحتمالات المتاحة لمشاركة أي شابة في عمل سياسي أو اجتماعي هي ملخصة في أن تكون جزءاً من المنظومة المفروضة على الجميع.

لقد شهد الجيل الحالي (الفتيات 20-30 عاماً) هذا الحال حقيقة ثابتة منذ ميلاده، ووعي وشب على ذات المشهد، دون تحسن أو تغيير يجاري طموحه وأحلامه، ففي حين بقي النظام غارقاً في الفساد، ظلّت الفجوة تتوسع بينه وبين الشباب والشابات في تونس وطموحهم. وفي فترة حراك الشارع، في أواخر 2010، والذي امتد حتى 14 يناير/كانون الثاني 2011 وسقوط نظام بن علي، بشكل كبير ومفاجئ، تعالت أصوات الجميع، للتعبير والاعتراض، وأصبح التعبير الاحتجاجي متاحاً، وهنا حصلت المفارقة والتغير الحقيقي في المواقع.

في خضم ذلك، كانت الشابة التونسية حاضرة، متعلمة، وعاملة فاعلة، وناشطة اجتماعيّاً. وتحظى بحرية كبيرة في مجتمعها، إذا ما قورنت بالحرية المتاحة لمثيلاتها في دول المنطقة (الدول العربية وأفريقيا)، ولكن ضمن هذه المساحة تظهر مفارقة مختلفة. إن الحديث عن تأثر جيل الشابات بالثورة يحتم علينا النظر إلى نصيب الفتاة ذات الـ20 عاماً بمساحة التعبير عن النفس والاستقلالية داخل التنوع في المجتمع التونسي. فحالة الفتيات في المناطق الداخلية ذات المستوى الاقتصادي المتوسط والمتدني، والمستوى التعليمي البسيط، واللاتي تتسم مجتمعاتهن المحلية بالطابع المحافظ، تحد فيها حرية الفتاة واستقلاليتها، والحالة الأخرى هي الفتيات في العاصمة (مركز المدينة والضواحي) والتي تظهر فيها مظاهر المدنية الجديدة، التحرر والحرية الفردية، والتي تبرز مشاركة المرأة عمليّاً في الواقع الملموس.

تبرز هذه المشاركة في العمل وفي الدراسة، إلّا أن هناك مساحة أقل للفتيات في المناطق الداخلية للمشاركة في العمل المجتمعي والعمل السياسي والنقابي والطلابي، إذ يمكن ملاحظة السطوة الذكورية على مراكز صنع القرار في هذه المجالات. على عكس العاصمة وضواحيها، التي تمكنت فيها المرأة من نيل نصيب جيد من المشاركة في المجتمع. هذه المفارقة انعكست على حضور الشابات في الحراك الشعبي، فانخفضت نسب المشاركة للفتيات في المناطق الداخلية وزادت في العاصمة.

ففي المناطق الداخلية لم يكن بمقدور الفتاة أن تكون جزءاً أساسياً من معادلة القوة في الشارع. ولكن في الأعوام التي تلت الثورة، تأثر الواقع المجتمعي بظاهرة الثورة، وبدأت تظهر حالات التمرد على شكل العلاقة بين الفتاة الشابة والمجتمع، ذلك المجتمع المراقب والمتحكم في نمط حياة الفتاة ومؤثر في خياراتها الرئيسية. وتعددت الظواهر في ذلك، ففي الجامعات على سبيل المثال زادت الحركات الطلابية هذا التنوع، مما ساعد في إثراء التكوين المعرفي السياسي والاجتماعي والتنظيمي للشابات والشباب، وظهر فيه ارتفاع مشاركة الفتيات وعلو أصواتهن في الجامعات، وقدرتهن على افتكاك حقوقهن وتقوية مكانتهن.

هذه المشاركة تجلّت في وقت الثورة التونسية، لحظة نزول الفتاة التونسية إلى الشوارع بمساواة في المجهود والتضحيات مع الشاب، فلم يكن أمراً مستغرباً. إنما كانت تلك هي اللحظة الفارقة، التي أثبتت فيها المرأة أن حقوقها لن تقتصر على المساواة في العمل والدراسة والفرص الاجتماعية، بل كانت تثبت أحقيّتها في المساواة السياسية والحظوة بنصيبها المستحق من التمثيل السياسي مناصفةً مع الرجل داخل الأحزاب وداخل مراكز صنع القرار.

تشير الإحصاءات، بعد الثورة، إلى أن 14.98% تمثيل الإناث في الحكومة، 27.57% (59 من 214) عضوات منتخبات في مجلس النواب، 27.06% من أعضاء المجالس البلدية من الإناث، وأكثر من 128 جمعية نسائية أُسست بعد الثورة، وذلك يشير بوضوح إلى تحرك العنصر النسائي بقوة، وتكللت هذه الإنجازات بترشح 4 نساء إلى الانتخابات الرئاسية المقبلة، طموحاً منهن لنيل المنصب الأعلى سياسيّا في البلاد. إن هذا الطموح الذي نراه في النساء التونسيّات هو نفسه الطموح المتأصل في الشابّات السائرات على نفس الخطى. نأمل بهذا أن يكلل الحلم بالوصول إلى التصفيات الديمقراطية الأخيرة، وأن نحقق بذلك فوزاً لكل امرأة عربية.

المساهمون