إذا كنت من متابعي السينما، فلن تحتاج كثيرا للتعرف على مدى تدهور الأوضاع الاقتصادية في مصر، فتراجع حجم الاستثمارات وقلة المنتجات التي تخرج إلى السوق، وتقليص النفقات عبر العزوف عن ممثلي الصف الأول، هو صورة مصغرة لمدى تأثير الاضطرابات التي بدأت قبل 4 سنوات على عموم الصناعات.
وعلى مدار عقود، ظلت مصر تستحوذ على أغلب استثمارات صناعة السينما العربية، بحكم ريادتها في هذا القطاع، فضلا عن تملكها سوقا قوية بفضل عدد السكان الذي يقترب من ثلث إجمالي عدد السكان في الدول العربية الـ22.
وتراجعت حصيلة إيرادات السينما المصرية بنسبة 50% سنويا في الأعوام الأربعة الماضية، مقارنة بعام 2010. وكان العام الأسوأ في الإيرادات هو 2013 الذي شهد صيفه الانقلاب العسكري على الرئيس المعزول محمد مرسي، وما تلاه من أحداث، أبرزها مذبحتا رابعة والنهضة، والتي راح ضحيتهما آلاف القتلى.
وتوقف عدد كبير من شركات الإنتاج الضخمة، ليصبح المجال أكثر اتساعا أمام الشركات التي تُنتج أفلاما شعبوية تحقق ربحا سريعا من دون الالتزام بأية معايير، وهو ما يُطلق عليه المختصون "أفلام المقاولات".
وقُدر حجم الاستثمارات في الإنتاج السينمائي خلال العام الماضي 2014 بحدود 28 مليون دولار. وبلغت الإيرادات الإجمالية لكافة القطاعات المرتبطة بصناعة السينما، من دور عرض
وغيرها، نحو 140 مليون دولار. وبلغ حجم الاستثمارات في الدراما التلفزيونية خلال 2014 نحو 210 ملايين دولار.
اقرأ أيضاً: أفلام العيد المصرية.. زحمة نجوم الصفّ الأوّل
ووفقا لإحصائيات غرفة صناعة السينما في اتحاد الصناعات، فإن إيرادات عام 2010 بلغت 230 مليون جنيه (40 مليون دولار بسعر الصرف حينها)، وانخفضت إلى 185 مليون جنيه (30 مليون دولار بسعر الصرف حينها) حصيلة إيرادات 30 فيلما سينمائيا تم عرضها خلال عام 2012، ثم تراجعت حصيلة إيرادات الأفلام السينمائية التي عُرضت خلال عام 2013 إلى 106 ملايين جنيه فقط (14 مليون دولار)، قبل أن تعاود الارتفاع إلى 196 مليون جنيه في عام 2014.
وقال مدير عام غرفة صناعة السينما، شريف مندور، في تصريحات لـ"العربي الجديد": إن أوضاع السينما لا تزال سيئة ومخيبة للآمال، رغم التحسن النسبي الذي حدث في عام 2014، والتي أعقبت العام الأسواء في تاريخ السينما المصرية (يقصد عام 2013) نتيجة أحداث فض رابعة والنهضة وما تبعها من فرض حظر تجول لفترات طويلة.
ويبلغ متوسط إنفاق المصريين على الثقافة والترفيه نحو 2% من إجمالي الدخل، بمتوسط سنوي للفرد يصل إلى 80 دولارا، وفق بيانات الجهاز المركزي للإحصاء لعام 2014.
وأشار مندور إلى أن عام 2014 سجل إنتاج ما يزيد عن 40 فيلماً، لكنه لم يصل إلى مستويات إنتاج ما قبل 2011.
وأرجع مندور زيادة الإيرادات، في العام الماضي، إلى عودة شركات الإنتاج بشكل متواضع، إلى نجوم من الصف الأول، والذين يُطلق عليهم "نجوم شباك"، متوقعا ألا تزيد إيرادات العام الجاري عن 2014.
وقال المنتج محمد العدل في تصريحات لـ"العربي الجديد": إن السينما تشهد تراجعا كبيرا منذ ثورة يناير وحتى الآن، بعدما توقفت شركات الإنتاج الكبرى عن العمل، مثل "الشركة العربية"، المملوكة للفنانة إسعاد يونس (أكبر شركة إنتاج في مصر) و"أوسكار"، و"العدل"، و"النصر" و"الماسة"، موضحا أن كل هذه الشركات لم تنتج أية أفلام بعد الثورة.
وذكر أن الشركة الوحيدة المعروفة بين المنتجين الحاليين هي شركة "السبكي".
وأشار إلى أن إنتاج السينما تراجع بنحو 50% مقارنة بما قبل الثورة، وانخفضت أجور الفنانين، باستثناء الصف الأول، إلى النصف تقريبا، بينما استمرت أجور الفنانين الكبار في الزيادة.
وأرجع العدل عزوف شركات الإنتاج عن العمل إلى انتشار ظاهرة القرصنة، قائلا: "لا يمكن أن أُنتج فيلما بتكاليف عالية، وبمجرد عرضه في دور العرض، أجده يذاع على فضائيات وبجودة عالية، لا يمكن أن أحصّل نفقاتي، بغض النظر عن تحقيق الأرباح".
وقال السيناريست خالد فؤاد، في مقابلة مع "العربي الجديد": إن السينما تعيش أسوأ حالتها، خاصة بعد تحول المنتجين إلى "أفلام المقاولات"، والتي لا تكلف شركات الإنتاج كثيرا، بالنظر إلى مردودها المالي".
اقرأ أيضاً: سينما المقاولات تعود إلى مصر