فيما تدهورت أسعار النفط بنسبة 50% منذ منتصف العام الماضي وتقل الهوامش الربحية التي تجنيها شركات النفط الكبرى من عمليات تطوير الحقول، تتجه هذه الشركات إلى توسيع احتياطاتها من الغاز الطبيعي الذي تزداد أهميته كبديل للنفط في توليد الطاقة النظيفة.
ويلاحظ أن الشركات النفطية الكبرى تواجه منذ سنوات انخفاضاً ملحوظاً في احتياطات النفط مقارنة بالشركات النفطية الحكومية في المنطقة العربية وباقي دول "أوبك".
وحتى الكشوفات الجديدة التي توفرت لهذه الشركات ، معظمها في المياه العميقة أو النفط الصخري، وهي نوعيات من النفوط ذات كلفة عالية، وسط احتمالات استمرار تدهور أسعار النفط لفترة طويلة، مع ظروف تخمة العرض وتدني الطلب والتصارع في سوق الطاقة.
من هذا المنطلق جاءت أهمية صفقة "رويال داتش شل"، التي أعلن عنها أمس في لندن، والتي ستتحول بموجبها شركة شل إلى منتج كبير للغاز الذي تتزايد أهميته في حجم التجارة العالمية وفي توليد الطاقة.
وحسب مصرف "غولدمان ساكس" الأميركي للاستثمار، فإن تجارة الغاز الطبيعي المسال على
وجه التحديد، تتجه للانتعاش خلال السنوات المقبلة، وسط زيادة كبيرة في الطلب العالمي، من بعض الأسواق الناشئة في آسيا ودول المنطقة العربية وتركيا.
وتشير تقديرات" غولدمان ساكس" إلى أنه رغم الإمدادات الجديدة المتوقعة في صناعة الغاز المسال، المتوقعة من أميركا وأستراليا، فإن الطلب العالمي على الغاز الطبيعي المسال سيتجاوز المعروض، بحلول العام 2020.
كما يذكر المصرف الأميركي في تقرير صدر أخيراً، أن أسعار وحدات الغاز الطبيعي المسال، ستعود للارتفاع بحلول العام المقبل 2016 في الاسواق الآسيوية، بعد الهبوط الكبير الذي شهدته من 17 دولاراً إلى أقل من 7 دولارات لمليون وحدة حرارة بريطانية.
ويتوقع المصرف الأميركي أن تفوق تجارة الغاز المسال 120 مليار دولار، بنهاية العام الجاري، لتصبح بذلك ثاني أهم تجارة سلع في العالم.
ويلاحظ أن صناعة الغاز الطبيعي تتوسع بدرجة كبيرة، على حساب النفط خلال السنوات الأخيرة ، كما أن الدول التي تملك احتياطات ضخمة من الغاز وتملك منشآت لتصديره مثل قطر وروسيا وقريباً أميركا وأستراليا أصبحت، رقماً مهماً في أمن الطاقة العالمي.
اقرأ أيضاً:
الغاز تحول إلى ذهب
ويرجع خبراء أوروبيون هذه الأهمية التي اكتستها صناعة الغاز، إلى ثلاثة تطورات أساسية حدثت خلال الست سنوات الأخيرة، وهي:
أولاً: نجاح ثورة الغاز الصخري في أميركا والبحث المستمر عن مصادر طاقة نظيفة للفحم الحجرى والنفط ، اللذين باتا يهددان مصير العالم من ناحية التلوث والتسخين الحراري.
وثانياً: خفض استخدام المفاعلات النووية في توليد الطاقة الكهربائية أو وضع خطط لإنهاء استخدامها، كما يحدث حاليّاً في ألمانيا. فالعالم أصابه الذعر من استخدام التوليد النووي للطاقة عقب كارثة مفاعل فوكوشيما في اليابان التي حولت مدناً وقرى كاملة الى مناطق مهجورة، كأنما لم يكن فيها أحد. ومنذ كارثة فوكوشيما، رفعت اليابان واردات الغاز المسال بنسبة 40% لتغطية النقص الذي تركه المفاعل في توليد الكهرباء.
ثالثاً: التوترات السياسية في المحيط الجغرافي الأوروبي الروسي الذي أججه النزاع الروسي – الأوكراني، وما تلاه من تداعيات الحظر الغربي على روسيا وتهديدات أوكرانيا بوقف صادرات الغاز الروسي إلى أوروبا. وتغذي روسيا أوروبا بحوالي 40% من احتياجات الغاز الطبيعي. يضاف إلى ذلك، الحروب التي تمزق المنطقة العربية، وتمنع الاستثمار في استخراج الغاز في
العراق وإيران والجزائر.
ولكن رغم هذا النجاح القياسي لصناعة الغاز في الاستهلاك العالمي وتفضيل الغاز كوقود نظيف وصديق للبيئة مقارنة بالنفط، فإن هنالك بعض المشاكل التي تقف أمام تكامل سوق الغاز عالميّاً، مثلما هو الحال بالنسبة للنفط. وذلك لأسباب تتعلق بوسائل نقل وتصدير الغاز الطبيعي والصخري، وهو أمر جعل من سوق الغاز يغلب عليها الطابع الإقليمي، مقارنة بسوق النفط.
ويلاحظ أن تصدير الغاز يحتاج الى شبكة مكلفة من خطوط الأنابيب وتكاليف باهظة على صعيد منشآت التسييل والنقل. وعادة ما تتداخل الخلافات السياسية والحروب والنزاعات الإقليمية في مد خطوط الأنابيب لنقل الغاز بين الدول، كما يحتاج تأمين نقل الغاز الى رسوم تأمين عالية.
وتتجه الدول الرئيسية المنتجه للغاز إلى إنشاء" أوغاز" أو منظمة الدول المصدرة للغاز، لتعمل على تكامل سوق الغاز في العالم مستقبلاً وربما تحديد أسعاره بشكل مستقل من النفط.
ويقول خبراء في لندن إن صناعة الغاز الطبيعي ستشهد قريباً عقوداً جديدة تزيح الكثير من التعقيدات التي تكتنف تجارة الغاز الطبيعي المسال حالياً. ويلاحظ أن تصدير الغاز المسال يكتسي أهمية أكبر في ظل التوترات السياسية التي تشهدها بعض مناطق الغاز الرئيسية أو الدول التي تعبر من خلالها أنابيب الغاز.
اقرأ أيضاً:
دراسة: تأثيرات محدودة للغاز الصخري الأميركي على الخليج