شكل إعلان سلسلة متاجر كارفور "العلامة التجارية الفرنسية" العاملة في الأردن، إغلاق فروعها كافة وإنهاء أعمالها، تحولاً مهماً في حملات المقاطعة لسلع البلدان المؤيدة والداعمة للكيان الإسرائيلي في عدوانه على قطاع غزة، ولاحقاً لبنان. ويبلغ عدد فروع كارفور في الأردن 51 فرعاً، وهي مملوكة لمستثمر عربي.
ويرى مراقبون أن هذه الخطوة تعكس النتائج التي حققتها حملات المقاطعة التي انطلقت منذ أكثر من عام، واضطرت واحداً من أكبر المتاجر في الأردن إلى إعلان إنهائه التعامل بالعلامة التجارية كارفور، والتحول إلى استخدام علامة أخرى هي "هايبر ماكس".
وقد صدر أمس الثلاثاء، بيان عن الشركة العربية لتجارة التجزئة التي كانت مالكة لسلسلة متاجر كارفور في الأردن قبل توقفها عن العمل أكد "إطلاق هايبر ماكس، العلامة التجارية الجديدة للمواد الغذائية في قطاع التجزئة في الأردن، حيث ستوفر العلامة التجارية الجديدة مجموعة واسعة من المنتجات عالية الجودة بأسعار تنافسية وعروض قيّمة، مقابل التكلفة وتجربة تسوق عصرية صديقة للمستهلكين في 34 موقعاً في مختلف أنحاء المملكة".
وقال البيان: "ستكون العلامة التجارية الجديدة للمواد الغذائية في قطاع التجزئة -التي تملكها وتديرها الشركة العربية لتجارة التجزئة، ماجد الفطيم- أكبر مزود للمنتجات الطازجة محلية المصدر والمنتجات الأخرى في مكان واحد. ومن خلال الاستفادة من الشراكات مع أكثر من 500 مزارع ومورد وشركة صغيرة ومتوسطة تتخذ من الأردن مقراً لها، ستؤدي هايبر ماكس دوراً مهماً في دعم المجتمعات والاقتصاد وأجندة النمو في المملكة".
وفي هذا الإطار، قال مصدر مطلع، رفض ذكر اسمه، إن المالك لسلسلة متاجر كارفور في الأردن، غيّر اسم متاجره، وباع نحو 11 فرعاً منها لمستثمر عربي، لتعمل باسم آخر، وذلك نتيجة للأثر الكبير الذي أحدثته حملات المقاطعة.
هروب من مخاطر المقاطعة
وأضاف المصدر لـ"العربي الجديد" أن هذا الإعلان قد يدفع مالكي مقاهٍ ومتاجر ومطاعم أخرى ممن تأثرت مصالحهم إلى اتخاذ خطوات مماثلة والخروج من عباءة العمل تحت مظلة علامات تجارية أجنبية، والهرب من مخاطر استمرار المقاطعة.
وأضاف أنه على أرض الواقع، غيرت شركات اسم العلامة التجارية، وراحت تعمل تحت مسميات أخرى، في محاولة للخروج من دائرة المقاطعة.
وأعلن مالك سلسلة متاجر كارفور في الأردن، ماجد الفطيم، أن الاسم الذي ستصبح عليه متاجر كارفور في الأردن هو "هايبر ماكس".
وكانت هنالك تقديرات بتراجع الإقبال بنسبة كبيرة على هذه المتاجر، بسبب المقاطعة، لا تقل عن 75%، وذلك في أعقاب العدوان على قطاع غزة، وما نجم عنه من حملات مقاطعة واسعة في مختلف البلدان، ومن بينها الأردن.
وفي هذا السياق، قال الخبير الاقتصادي الأردني حسام عايش لـ"العربي الجديد" إن المقاطعة حققت نتائج واضحة في القطاعات الاقتصادية التي تستخدم علامات تجارية أجنبية بلدانها مؤيدة وداعمة لإسرائيل، وهي جزء من التكيف المجتمعي مع أمرين لهما علاقة بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وأوضاع الناس المعيشية وتراجع الدخل ومعدلات النمو التي لم تنعكس على الحياة، في ظل ارتفاع الكلف والفوائد والأسعار.
وأكد عايش أن هنالك سلاسل من المقاهي والمطاعم أوقفت نشاطاتها أو تصدر بيانات تبعد عن نفسها تهمة تأييد العدوان على غزة ولبنان، ولكن استمرت عمليات المقاطعة في الأردن وبلدان أخرى، وأثرت بمنتجاتها مثل ماكدونالدز.
وأضاف الخبير الاقتصادي الأردني أن ما حدث هو الامتناع عن شراء سلع تدعم العدوان، في الوقت الذي ارتفع فيه الطلب على المنتجات المحلية، ما أدى إلى زيادة فرص التشغيل للأردنيين في المصانع ومختلف المنشآت، موضحاً تركيز الشارع على الاحتياجات الأساسية بسبب ارتفاع معدلات التضخم.
وكانت بيانات من دائرة الإحصاءات العامة الأردنية، قد أظهرت أخيراً أن معدل التضخم في أغسطس/آب الماضي ارتفع 1.87% على أساس سنوي. وحسب التقرير، من أبرز المجموعات السلعية التي ساهمت في الارتفاع، الخضراوات، والمياه والصرف الصحي، والأمتعة الشخصية.
%93 من الأردنيين التزموا المقاطعة
أعلن مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، في استطلاع أجراه أخيراً، أن 93% من الأردنيين التزموا مقاطعة المنتجات الإسرائيلية والأميركية، وتلك التي تنتجها دول داعمة لعدوان الاحتلال على غزة، وأن نحو 95% من المقاطعين توجهوا نحو منتجات بديلة محليّة الصنع، فيما رأى نحو 72% من الأردنيين أن تلك الحملات لا تؤثر بالاقتصاد الوطني.
وشملت حملات المقاطعة محطات محروقات وسلعاً غذائية وكمالية ومولات كبرى ومطاعم وألبسة تحمل علامات تجارية لشركات عالمية، ولا سيما أميركية.
وخفضت بعض الشركات المشمولة بالمقاطعة أسعار منتجاتها، وأعلنت تقديم عروض وحوافز لاجتذاب الزبائن، لكن الإقبال عليها بقي في حدود متدنية، ولا يغطي الكلف التشغيلية لها، وباتت تبحث عن حلول للهروب من المقاطعة.
ورأى القطاع الصناعي الأردني في حملات المقاطعة فرصة لزيادة إقبال الأردنيين على السلع المنتجة محلياً، وزيادة حصتها السوقية، ما ساهم في ارتفاع الطلب عليها بشكل واضح في الفترة الأخيرة.
وقال الرئيس السابق للجنة مقاومة التطبيع التابعة للنقابات المهنية في الأردن، مناف مجلي، لـ"العربي الجديد"، إن حملات المقاطعة حققت نجاحاً غير مسبوق، وفي الوقت نفسه أفادت القطاعات الاقتصادية المحلية من خلال زيادة الإقبال على منتجاتها.
وأضاف أن ما حدث يعني أن بالإمكان العمل تحت أسماء غير العلامات التجارية التي تدعم بلدانها الاحتلال، والمواطن يهتم بجودة المنتج وليس بالمظاهر، وهذه دعوة لباقي المستثمرين الأردنيين والعرب إلى إنهاء علاقاتهم بالشركات الأجنبية واستحداث علامات تجارية عربية يمكن أن تلقى رواجاً كبيراً في الأسواق العربية والأجنبية.