بعد ثلاثة أشهر من عملية متحف باردو الإرهابية، تتلقى السياحة التونسية ضربة ثانية هي الأخطر في تاريخها، أول من أمس، بعد أن أقدم إرهابي على قتل 39 شخصاً من جنسيات مختلفة على شاطئ "القنطاوي"، أحد أكبر منتجعات مدينة سوسة الساحلية، حيث استهدف الهجوم فندق "ريو امبريال مرحبا"، الذي كان يرتاده 565 نزيلاً، أغلبهم من بريطانيا ووسط أوروبا، وفق ما أعلنت إدارته.
"الجثث التي تناثرت عبر الشاطئ ستظل راسخة في أذهان سياح تعوّدوا على قضاء عطلتهم الصيفية على سواحل البلاد الساحرة، قد تمنعهم من العودة مجدداً إليها. لقد غادروا وسنضطر هذه المرة إلى غلق الفنادق"، هكذا علّق رئيس جامعة الفنادق، رضوان بن صالح، على العملية الإرهابية.
يقول بن صالح، لـ"العربي الجديد"، "كنا بالكاد نقاوم من أجل الصمود، فالسياحة عرفت على امتداد السنوات الأربع الماضية مصاعب كبرى، لكن ما حدث في سوسة قضى على القطاع نهائياً، ولا نعلم متى سيستعيد عافيته مجدداً".
ويعتبر بن صالح أن كل المجهودات التي بذلتها الحكومة والمهنيون للتقليص من تداعيات عملية متحف باردو التي حصلت في مارس/ آذار الماضي وخلّفت 22 قتيلاً ذهبت سدى، وأن الشركات السياحية الأجنبية كانت تراقب بحذر الوضع الأمني في البلاد، متوقعاً أن تتهاطل مطالب إلغاء الحجوزات في الساعات القادمة.
وإثر العملية الإرهابية، قررت وكالة الأسفار البريطانية "توماس كوك"، إجلاء كافة السياح الموجودين حالياً في تونس، كما أكدت مصادر رسمية أن 7 طائرات حطّت، أمس، بمطار النفيضة القريب من مدينة سوسة لنقل السياح الأجانب إلى بلدانهم.
وحسب موقع "ذي اندبندنت"، غيّرت طائرة قادمة من بروكسيل نحو مطار النفيضة اتجاهها لتعود أدراجها أول أمس، كما أعلنت شركة الطيران "Jetair" عن إلغاء رحلة أخرى كانت مبرمجة الجمعة إضافة إلى 4 رحلات أخرى كانت ستصل تونس أمس.
وقالت شركات السياحة البريطانية أمس، إنها سترسل 10 طائرات لإجلاء السياح البريطانيين من تونس في أعقاب المذبحة المروعة للسياح، وذلك وفقاً لما أعلن حتى الآن من شركتي "يو كيه فيرست تشويس" و"تومسون إيرويز".
ومن جانبها، أكدت المندوبة الجهوية للسياحة بسوسة، سلوى القادري، لـ"العربي الجديد"، أن وكالة أسفار "تومسون" قرّرت عقب تفجير سوسة إجلاء 2500 سائح بريطاني وبلجيكي عبر 14 رحلة جوية انطلاقاً من مطار النفيضة، في ساعة متأخرة من ليلة الجمعة.
في المقابل، أكدت القادري وصول بعض السياح الآخرين عقب العملية، وأوضحت أنه من المنتظر أن تصل إلى مطار النفيضة طائرة تقل عدداً من السياح التشيك.
اقرأ أيضاً: مئات السيّاح يغادرون تونس بعد هجوم "سوسة"
ويشهد القطاع السياحي، الذي يؤمّن فرص عمل لقرابة نصف مليون عامل، صعوبات كبيرة بسبب تراجع عدد الوافدين على تونس منذ ثورة يناير/ كانون الثاني 2011.
ويدفع القطاع ضريبة باهظة لتدهور الوضع الأمني الذي أدى إلى تراجع عدد السياح من 7 ملايين سائح سنة 2010 إلى مليوني سائح فقط العام الماضي.
وأكّد رئيس جامعة وكالات الأسفار، محمد علي التومي، لـ"العربي الجديد"، أنه تمّ تكوين خلية أزمة بين وزارة السياحة والجامعة بعد الهجوم الإرهابي لمتابعة المصابين وإحاطتهم نفسياً، خاصّة السياح المتواجدين بالنزل.
وأوضح التومي أنّه من السابق لأوانه الحديث عن تداعيات العملية الإرهابية غير أن الضرر سيلحق بالسياحة لا محالة، حسب تعبيره.
وأعلن رئيس جامعة وكالات الأسفار أنّ فريقاً بريطانياً مختصّاً في طريقه إلى تونس لتقييم الوضع، وبناءً عليه سيصدر قرار إن كانت تونس وجهة خطرة ولا يمكن السفر إليها أم لا.
واعتبر التومي أن البلدان التي فقدت رعاياها في العملية الإرهابية تعد من أهم الأسواق السياحية التي تعوّل عليها تونس والأعلى إنفاقاً على غرار السوق البريطانية والبلجيكية والألمانية.
وكانت وزارة السياحة تترقب تجاوز السوق البريطانية لعتبة نصف مليون سائح ما يجعلها تتربع على المرتبة الثانية من حيث الأهمية بالنسبة للأسواق السياحية الأوروبية الوافدة على تونس هذا العام. علماً بأن هذه السوق وفّرت العام الماضي أكثر من 425 ألف سائح، وكان المحللون قبل عملية نزل سوسة، توقعوا أن لا تقل نسبة تطور هذه السوق هذا العام عن 5 %.
ويرى الخبير الاقتصادي معز الجودي، أن عملية النزل عكّرت الوضع الاقتصادي المثقل بالمصاعب، متوقعاً أن تنتهي الثلاثية الثانية من العام الجاري بتواصل المؤشرات السلبية في مختلف القطاعات.
وأوضح الجودي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن نسبة النمو خلال الأشهر الستة الأولى من العام الحالي التي ستعلن عنها الحكومة قريباً، لن تتجاوز 0.5% على أقصى تقدير، مشيراً إلى أن تراجع أداء القطاع السياحي سيؤثر على التوازنات المالية للدولة باعتبار أن مساهمة هذا القطاع في الناتج المحلي للبلاد يراوح بين 8 و15%.
ودعا الجودي حكومة الحبيب الصيد إلى مراجعة سياستها الاقتصادية والتعويل أكثر على قطاعات لا تتأثر بالوضع الأمني، على غرار الفلاحة والصناعات التحويلية، لافتاً إلى أن تونس في وضع حرب على الإرهاب وتتطلّبُ اقتصاد حرب لتجاوز الصعوبات التي تعيشها البلاد.
وتوقع الخبير الاقتصادي أن تطال تداعيات العملية الإرهابية العديد من القطاعات المرتبطة بالسياحة على غرار النقل الجوّي والبري والقطاع المصرفي الذي كان يعوّل على انتعاش السياحة العام الحالي لاسترداد جزء من ديون المصارف لدى المؤسسات الفندقية، وفق تعبيره.
ويذكر أن وزيرة السياحة سلمى اللومي، قد استقبلت خلال الفترة السابقة عدداً من ممثلي أهم منظمي الأسفار البريطانيين العاملين في تونس، وهي "توي" و"توماس كوك" و"سان شاين"، حيث شدّدت على أهمية تواصل التعاون والثقة في الوجهة التونسية.
ويتوقع أن تبلغ خسائر النُّزُل السياحية هذا العام 600 مليون دينار، أي نحو 315 مليون دولار، حسب خبراء سياحة.
اقرأ أيضاً: هجوم سوسة يعمق جراح السياحة التونسية