شكوك بلجنة التحقيق المحلية بانفجار بيروت ومطالبات بتدخل دولي

بيروت
ريتا الجمّال (العربي الجديد)
ريتا الجمّال
صحافية لبنانية. مراسلة العربي الجديد في بيروت.
06 اغسطس 2020
انفجار بيروت
+ الخط -

في وقت لم يخرج فيه أي مسؤول لبناني لتحمّل المسؤولية عن الانفجار الذي وقع في مرفأ بيروت عصر يوم الثلاثاء الماضي، وهزّ العاصمة بيروت وضواحيها، مخلفاً أكثر من 130 قتيلاً ونحو 5 آلاف مصاب حتى الساعة، إضافة إلى تشريد نحو 300 ألف من سكان العاصمة، فإنّ مجلس الوزراء سارع لتشكيل لجنة تحقيق محلية بالانفجار، برئاسة رئيس الحكومة حسان دياب، وعضوية وزراء وأمنيين وعسكريين، مهمتها إدارة التحقيق في الأسباب التي أدت إلى وقوع الكارثة، ورفع تقرير بالنتيجة إلى مجلس الوزراء خلال مهلة أقصاها خمسة أيام، بدأت أمس الأربعاء، وإحالته إلى الجهات القضائية المختصة من أجل اتخاذ أقصى درجات العقوبات بحق من تثبت مسؤوليته، على ألا يحول ذلك دون أن يتخذ مجلس الوزراء ما يراه مناسباً من تدابير أو إجراءات.

كما تبنّى مجلس الوزراء، في جلسته الاستثنائية التي عقدت الأربعاء برئاسة الرئيس ميشال عون، ما صدر عن المجلس الأعلى للدفاع في جلسته الثلاثاء لجهة إعلان بيروت مدينة منكوبة بعد الانفجار وإعلان حالة الطوارئ لمدة أسبوعين قابلة للتجديد، والطلب من السلطة العسكرية العليا فرض الإقامة الجبرية على كلّ من أدار شؤون تخزين "نيترات الأمونيوم" وحراستها وبحث ملفها أياً كان منذ يونيو/حزيران 2014 حتى تاريخ حصول الانفجار في 4 أغسطس/آب الحالي.

شكوك كثيرة تثار حول جدية التحقيقات المحلية التي تديرها الدولة، خصوصاً أن لجان تحقيق سابقة لم تصل إلى أي نتيجة فعلية لمحاكمة المسؤولين عن قضايا أثيرت في فترات ماضية

لكن شكوكاً كثيرة تثار حول جدية التحقيقات المحلية التي تديرها الدولة، خصوصاً أن لجان تحقيق سابقة لم تصل إلى أي نتيجة فعلية لمحاكمة المسؤولين عن قضايا أثيرت في فترات ماضية، ليفقد الشارع اللبناني الثقة بالسلطة، خصوصاً أن القرارات ستصدر عن لجنة مشكّلة من مسؤولين في السلطة ومراكز القرار، ومن الذين يتحمّلون مسؤولية مشتركة نتيجة إهمالهم وتقاعسهم عن كشف هذه المواد التي أحدثت هذه المجزرة وحوّلت العاصمة إلى مدينة منكوبة.

كذلك، وبعد مرور أكثر من يومين على وقوع الانفجار، لم يُصر إلى توقيف أي شخص أقلّه احتياطياً، الأمر الذي عزّز غياب الثقة بلجنة التحقيق المحلية. كما تُطرح أسئلة عن إمكان محاسبة المتعاقبين على رئاسة الحكومة منذ أواخر العام 2013، توقيت وصول شحنة "نيترات الأمونيوم إلى بيروت"، وهم نجيب ميقاتي وتمام سلام وسعد الحريري وحسان دياب، و4 وزراء للأشغال العامة هم غازي العريضي وغازي زعيتر ويوسف فنيانوس والوزير الحالي ميشال نجار، الأمر الذي يطرح جملة تساؤلات عن مدى إمكانية ذهاب اللجنة المحلية في التحقيق مع الأسماء المذكورة وغيرهم من المعنيين على الصعيد الأمني.

وبرزت أمام هذا الوضع مطالبات بتحقيق دولي في انفجار بيروت، على الرغم من أن الحكومة اللبنانية حسمت قرارها بتشكيل لجنة محلية، معلنة أنها مصممة على كشف الحقيقة كاملة ومحاسبة المسؤولين. وأشارت وزيرة الإعلام منال عبد الصمد إلى أنّ التحقيق الدولي يُطلب من مجلس النواب الذي بإمكانه أن يتقدّم باقتراحات عدة حول الموضوع، مشيرةً إلى أن الإجراءات مقسمة إلى 3 أجزاء، جزء يتعلق بالتعويض والحرص على الأشخاص المتضررين، وجزء يتعلق بالتعويض عن الضرر المادي، وجزء آخر يتعلق بالمساءلة. حتى أن نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي اعتبر أنّ المطالبة بتحقيق دولي في انفجار المرفأ تعني إلغاء الدولة اللبنانية.

مقابل ذلك، أطلّ رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" النائب السابق وليد جنبلاط في مؤتمر صحافي اليوم الخميس، مطالباً بلجنة تحقيق دولية "لأننا لا نثق بالحكومة وبأي لجنة تحقيق محلية"، مشككاً بالفرضية التي طرحتها السلطة بشأن سبب الانفجار، قائلاً إن "المادة المتفجرة بحاجة إلى صاعق حتى تنفجر". وإذ شدد على عدم ثقته بـ"هذه العصابة الحاكمة"، طالب بحكومة حيادية وبضرورة السيطرة الفعلية على المرافق والمعابر.

وعن هذا الموضوع، قال النائب السابق فارس سعيد لـ"العربي الجديد"، "إن ما قامت به الحكومة اللبنانية لجهة رفضها إجراء تحقيق دولي يؤكد شراكة الدولة بالجرم الذي حصل، خصوصاً أنّ الانفجار لم يقع في أحياء ريفية أو جردية، بل في العاصمة اللبنانية التي هي تحت سيطرة الدولة بشكل كامل، والتي تتحمّل مسؤولية كلّ ما يحصل ضمن هذه البقعة من المدينة". وأشار سعيد إلى أنّ الدولة مسؤولة عن الانفجار الذي حصل، فكيف لها أن تتولى التحقيق، فهي في موقع الشراكة، فيما المطلوب جهة محايدة ومحرّرة من كل قيد تتمثل بلجنة تحقيق دولية تكشف الحقيقة في عمليات الاغتيال التي استشهدت بيروت نتيجتها.

وإذ لفت إلى أن السلطة فاقدة لثقة اللبنانيين ولشرعيتها الإدارية والأمنية والقضائية والسياسية، طالب بلجنة دولية تنبثق عن مجلس الأمن الدولي كالتي شكلت في قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري (قتل في 14 فبراير/شباط 2005).

من جهته، شرح وزير الداخلية السابق زياد بارود لـ"العربي الجديد"، حدود وإمكانات التحقيق الدولي بانفجار الثلاثاء، مشيراً إلى أن "تدويل التحقيق يحتاج إلى المرور عبر الحكومة اللبنانية وربما مجلس النواب، بحسب ما هو مطلوب من التحقيق الدولي، إلا إذا كان حاصلاً تحت عنوان الفصل السابع في الأمم المتحدة، وهنا يكون التحقيق قد فُرض فرضاً على لبنان ولا يحتاج إلى أي موافقة محلية، لكننا لا نزال بعيدين من هذا الاحتمال ولن يكون مطروحاً إلا بعد إثبات التحقيق المحلي أنه غير قادر على الخروج بالنتائج المطلوبة".

ولفت بارود إلى أن "المطالبة بتحقيق دولي نابعة من عدم الثقة المزمنة للبنانيين بالسلطة، ولكن تجربة التحقيق الدولي في اغتيال الحريري كلفت البلد مادياً واستغرقت سنوات من التحقيق بمعزل عن النتيجة التي لا نعرفها بعد، كما أن التحقيق الدولي ليس نزهة يستغرق أيضاً الوقت والمال". وأضاف: "إذا كان لا مفرّ من التحقيق الدولي فليكن، ونحن أمام حدث كبير وجريمة، ومجلس الوزراء كلّف بإجراء تحقيق مع نسبة زمنية تعدّ قصيرة، تبعاً لحجم الكارثة، وبالتالي إذا صدرت نتائج أولية للتحقيق ضمن الخمسة أيام تكون إشارة حول جدية التحقيق من عدمها. من هنا يجب انتظار انقضاء المهلة المحددة التي على أساسها يبنى الموقف، فالتسرع ليس مطلوباً بل الدقة في التحقيق وإعطاء أجوبة للبنانيين، وهناك رهان على دور القضاء في متابعة الملف بجدية باتجاه النتائج".

وأشار بارود إلى التحرك الفرنسي القضائي من خلال طلب مدعي عام باريس فتح تحقيق على خلفية إصابة 21 شخصاً من الجنسية الفرنسية من جراء الانفجار، قائلاً إنه بحسب القانون الفرنسي، في حال كان هناك فرنسيون أو أشخاص يحملون الجنسية الفرنسية تعرضوا لنوع معين من الجرائم والاعتداء ولو خارج الأراضي الفرنسية فهذا يعطي صلاحية للقضاء الفرنسي بالتحرك، ولكن هذا لا يعني إطلاقاً تدويل التحقيق، بل عملياً إن القضاء الفرنسي سيتواصل مع القضاء اللبناني وفق القنوات الرسمية وحسب الأصول، للمساهمة في جلاء الحقيقة وما يرافق ذلك من طلبات فرنسية. وفقاً لذلك فإن هذا الإجراء قد يأتي بنتائج جيدة على مستوى متابعة التحقيق من دون التدخل في عمل القضاء اللبناني.

أما عن الإقامة الجبرية التي أقرتها الحكومة، فرأى بارود أنها تأخرت وكان يجب أن تحصل فور حصول الانفجار، وهي أقل من التوقيف الاحتياطي، علماً أن القضاء يستطيع في أي لحظة أن يوقف احتياطياً أي شخص يعتقد أنه متورط بأي شكل أو طريقة من الطرق، ولا يزال ممكناً بانتظار استكمال التحقيق، بالإضافة إلى أنّ هذه الإقامة لم تحدّد أسماء وشخصيات، أو حتى على صعيد المواقع والوظائف، ولا سيما أن هذا الإجراء لا يعني أنه متهم، فهو بريء حتى تثبت إدانته، لكنه مهم لتسهيل إجراءات التحقيق.

ذات صلة

الصورة
وضع حجر الأساس لمستشفى بيروت الحكومي الجامعي-الكرنتينا - بيروت - لبنان - 16 سبتمبر 2024 (محمد سلمان)

مجتمع

وُضع حجر الأساس للمبنى الجديد لمستشفى بيروت الحكومي الجامعي - الكرنتينا، ومن المتوقّع الانتهاء من إعادة إعماره وتجهيزه بالكامل بتمويل دولة قطر بعد عامَين.
الصورة
لبنان / آثار غارة على زبقين، 25 8 2024 (فرانس برس)

سياسة

شنّ الاحتلال الإٍسرائيلي ضربات استباقية على لبنان، بينما نفذ حزب الله هجوماً واسعاً بإطلاق عدد كبير من المسيرات في إطار رد أولي على اغتيال القيادي فؤاد شكر.
الصورة
عائلات مهجّرة من قرى حدودية تطلب المساعدة في صور (حسين بيضون)

مجتمع

نزح أكثر من 100 ألف شخص قسراً من قرى جنوب لبنان الحدودية بعد التصعيد مع الاحتلال الإسرائيلي في أعقاب عملية "طوفان الأقصى" وغالبيتهم يعيشون ظروفاً صعبة.
الصورة
أعداد محدودة من المصطافين على شاطئ صور (حسين بيضون)

مجتمع

لم يثن القصف على الحدود مع فلسطين المحتلة منذ 8 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بعض اللبنانيين عن ارتياد شاطئ مدينة صور من أجل الاستمتاع.