أُشعِلت الشموع. شمعة واحدة لكلّ روح. هي أرواح صغيرة أبصرت النور لبرهة أو أكثر، وأخرى لم تُتَح لها فرصة مماثلة. هل اختبار عالمنا فرصة، حقاً؟! سؤال يُطرح، غير أنّه في غير محلّه. كثيرة كانت تلك الشموع التي أُشعِلت في ذلك اليوم، الخامس عشر من أكتوبر/ تشرين الأوّل، وإن لم تُنِر المعمورة كلّها.
عند تمام الساعة السابعة من مساء ذلك اليوم، كانت "موجة شموع" من كندا إلى الولايات المتحدة الأميركيّة والولايتَين الأستراليّتَين نيو ساوث ويلز وأستراليا الغربيّة ثمّ النرويج والمملكة المتحدة وإيطاليا وكينيا وبعض بقاع أخرى. في ذلك المساء، أشعل كلّ واحد من هؤلاء الذين فقدوا روحاً في تلك البقع الجغرافيّة، شمعة. كذلك فعل آخرون تضامنوا مع الأسى الذي تملّك هؤلاء. كان ذلك في يوم ذكرى تلك الأرواح التي فارقتهم. الفقد أليم. ويشتدّ الألم لفقد أفلاذ الأكباد. تختلف الحالات، لكنّ العاقبة واحدة. خسارة فادحة. فقدان الحمل... ولادة جنين ميت... متلازمة موت الرضيع الفجائيّ... وفاة طفل حديث الولادة... وتشعر الأمّ الثكلى بذنب جارف. هو شعور عارم بالإثم ذلك الذي يُطبق على تلك الأمّ. هي عجزت عن منح الحياة أو عن مواصلة ضخّها في روح صغيرها. إنّه الفشل... فشلها في وظيفتها الطبيعيّة. فشل يتشاركه معها شريكها في أحيان وأخرى، بينما تبدو هي جازمة بأنّها الآثمة الوحيدة. هي سلبت الحياة التي توجّب عليها منحها.
هي آثمة. خلاصة يتبنّاها كثيرون، من الأقربين ومن المتفرّجين من بعيد. ويتعزّز حكم الأمّ الثكلى على نفسها. ليست مجتمعاتنا وأعرافنا الشرقيّة وحدها التي تحمّلها المسؤوليّة أو جزءاً منها. الحكم نفسه يُسجّل في مجتمعات كثيرة من تلك التي نصنّفها متطوّرة وحداثيّة، والتي نقرّع أنفسنا كيف أنّنا لا نلحق بركبها. هي غريزة الأمومة التي تحمل الثكلى على تقبيح نفسها. ولسنا في حاجة إلى تحليلات كثيرة أو قليلة في هذا السياق. ما ارتكبته أشبه بجريمة قتل. يُعرَّف القتل بأنّه انتزاع حياة كائن ما، سواءً أكان ذلك قتلاً عمداً أو قتلاً خطأ. وهذا ما فعلته. استناداً إلى غريزتها، كان يتوجّب عليها الحفاظ على تلك الحياة. هي كانت من دون شكّ قادرة على صَون تلك الروح في أحشائها أو تلك التي أتت بها إلى هذا العالم لبرهة. ما ارتكبته فعلٌ شنيعٌ لا يُغتفَر. وتُسجَّل محاولات للتعويض عن ذلك الإثم. منح حياة جديدة من تلك المحاولات، لا بل هو "المحاولة". ويأتي الفشل - المبرّر علميّاً في مثل هذه الظروف - ليزيد من شعورها بالفشل المترافق مع ذنب جارف.
في ذلك المساء، أُشعِلت الشموع. أُريدَ بها تذكّر تلك الأرواح الصغيرة واحتضان الثكالى اللواتي فقدنَها والعائلات عموماً. هي شمعة لكلّ روح... يا ليتنا نشعلها.