"شوف مصيبة غيرك، بتهون مصيبتك". نردّدها أو يردّدونها بكلّ حسن نيّة. نظنّ أو يظنّون أنّ بهذه الكلمات القليلة، نخفّف أو يخفّفون من ألمك. عبارة المواساة المزعومة هذه، نتفوّه بها، ونحن كلّنا أو هم كلّهم عزيمة للتخفيف عنك.. أنت العزيز المكروب.
للحظة، قد تتوقّف أنت المكروب المتألّم عند تلك العبارة. قد ترى أنّها منطقيّة. قد ترى أنّ مجرّد التفكير بـ"فظاعة" مصاب الغير، من شأنه أنّ يهدّئ ولو قليلاً أساك وروعك.
"شوف مصيبة غيرك، بتهون مصيبتك". لن ترى الحياة "بامبي" إذا فعلت. هذا أمر محسوم، بعد تجربة.. بعد تجارب. لن يتبدّد ألمك ولا كربك. أكثر من ذلك، سوف تشعر بـ"لامبالاة" من قبل ذلك الآخر - العزيز أيضاً - أو بما يشبه اللامبالاة. سوف تتخيّلها، على أقلّ تقدير. كأنّما المتفوّه بتلك الكلمات، ينطق بها للتهرّب من تورّط محتمل في مواساتك. كأنّما المتفوّه بتلك الكلمات، لا يرغب في سماع شكواك، لا بل "نقّك". كأنّما المتفوّه بتلك الكلمات، يشعر بأنّك - أنت العزيز - تتحوّل إلى عبء ثقيل، وهو غير قادر على التحمّل. "ما بي يكفيني!".
تشكو من ألم جسديّ، نردّ أو يردّون أنّ فلاناً مصاب بالسرطان. تشكو من ألم نفسيّ، نردّ أو يردّون أنّ فلانة طُلّقت وخسرت حضانة أولادها. تشكو من ضيق ماليّ، نردّ أو يردّون أنّ مئات الآلاف مشرّدون في بقاع الأرض وينامون في العراء ويجوعون ويعطشون.
تشكو. لا بدّ من أن تشكو. لا عيب في ذلك. أنت في حاجة إلى التعبير عن ذلك الكرب الذي ينهشك، عن ذلك الألم الذي يجتاحك. غير صحيح أنّ من يرى مصيبة غيره، تهون عليه مصيبته. هذا مجرّد كلام. أنت تدرك ذلك. فلكلّ "صليبه".. هكذا يُقال. لكلّ نكبته. المقارنة غير جائزة بين ألم وآخر، بين كرب وآخر.
"شوف مصيبة غيرك، بتهون مصيبتك". نبرّرها أو يبرّرونها، عند محاولتك نقدها والتوضيح بأنّ كلّ شخص "همّو على قدّو". هل نبرّرها أو هل يبرّرونها، إذا كانت المصيبة مصيبتنا أو مصيبتهم.. إذا كانت النكبة نكبتنا أو نكبتهم.. إذا كان الهمّ همّنا أو همّهم.. إذا كان الألم ألمنا أو ألمهم.. إذا كان الكرب كربنا أو كربهم.. إذا كان الأسى أسانا أو أساهم؟ نحلّل لأنفسنا ما نحرّمه على غيرنا أو يحلّلون لأنفسهم ما يحرّمونه على غيرهم. نبرّر أو يبرّرون. هذا ما اعتدناه أو هذا ما اعتادوه.
المصيبة مصيبة. والنكبة نكبة. والهمّ همّ. والألم ألم. والكرب كرب. والأسى أسى. تلك لا تُقاس بأيّ ميزان حسابيّ. تلك تجتاحك وتنهشك. تلك تجعلك ضعيفاً واهناً.