العام الثاني على التوالي يكاد يلفظ أنفاسه الأخيرة، والذكرى الثانية تلقي بظلالها علينا وكل منا في شأن، لم تكن تعنينا المسافات كثيرا، كنا نطويها ونتحايل عليها، إلى أن نطفئ البعد بين الفينة والأخرى بلقاء مادي دافئ، وإن كان عابرا لا يغني من جوع.
عام آخر يمر على فقداننا أشياء كثيرة، نحن وأناس كثيرون شهدوا تلك "المذبحة" بين معاينٍ وسامع، منهم من فقد حبيبا باستشهاده، ومنهم من فقد صديقا خلف أسوار دولة الظلام أو خلف حدود الشتات، ومنا أيضا من فقد جزءا من ذاته وهويته وما زال.
عام آخر يمر على فقداننا أشياء كثيرة، نحن وأناس كثيرون شهدوا تلك "المذبحة" بين معاينٍ وسامع، منهم من فقد حبيبا باستشهاده، ومنهم من فقد صديقا خلف أسوار دولة الظلام أو خلف حدود الشتات، ومنا أيضا من فقد جزءا من ذاته وهويته وما زال.
إلا أن الفقد بيني وبينك صديقتي لم يكن ضمن ما أسلفت، لم تفقديني جسدا ولا روحا، بل فقدت أنا وأنت عمرا بأكمله تشاركناه بأفراحه وأتراحه، بطفولته ومراهقته وشبابه، بانفراجاته وضوائقه!
هل تبادر إلى ذهنك يوما أننا سنفترق بشيء آخر غير الموت؟
ولا أنا!
الآن لا أدرى هل أبكي حسرة أم أضحك هماً، إذ إن السبب وراء ما وصلنا إليه مغلوط وساذج، حتى أكاد أشعر بالغثيان إذا قصصته.
في الوقت الذي حدث فيه الانقلاب، وتفرق الناس أشياعا بين مؤيد له ومناصر للشرعية، كان ميدان التحرير مقرا لأصحاب ثورة التصحيح كما زعموا، أما فريق الشرعية فلاذ بميدان رابعة العدوية، وكان هناك فريق ثالث بلا ميدان، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، كنت أنتمي إليه، ثم كان قرار الاعتصام الذي لم أؤيده حينها، إذ إنني كنت ضمن شريحة عريضة من المستائين من إدارة الإخوان للمرحلة و اللعبة التي اتضح أنهم يفتقدون معاييرها بشكل صادم ومخيف.
وكان استيائي كفيلا برفض وجودي مرة أخرى ضمن حدثٍ يديرونه وانعدمت ثقتي في الاصطفاف تحت مظلة قيادتهم من جديد! إلا أنني كنت من المنتقدين المهذبين، ممن ينتظرون الخير ويترقبونه على يد هؤلاء، رغم مثالبهم.
تزامنت بداية الاعتصام مع إحدى إجازاتي الغير مخطط لها، وتعجب البعض، كيف أتواجد في محيط الأحداث وأظل على مسافة بعيدة منها!، لم يكن هناك نقطة دم أراقها النظام الجديد بعد، كانت الأمور في إطارها السلمي والهادئ نوعا.
وكان تعليقي حينها: "تتقطع رجلي قبل ما أروح التحرير، وبرضه مش رايحة رابعة"! ورغم أنني لا أعلم أين الجرم الذي ارتكبته في هذه العبارة إلا أنني دفعت ثمنه "صديقة"، صديقة اختزلت كلماتي في عبارة واحدة " تتقطع رجلي قبل ما اروح رابعة"!.. يا الله! ما أقساها! حرّفت الكلمَ عن مواضعه!
كنت قد غادرت مصر قبل التهاب الأحداث بوقت طويل، كان المشهد مربكا، لا ندري من أي اتجاه ستنطلق شرارة التصعيد، لم نستطع أن نتوقع ما تحمله الأيام في رحمها، كانت حُبلى في مسخ شائه من دمٍاء وموت وظلام، و التفاصيل لا تخفى عليكم!
وأنا مثلك صديقتي، أنتمي لـ "رابعة"، دمائها الذكية، أرواحها الطاهرة بساطة ونقاء من كانوا فيها وصدق نيتهم.
كل ما هنالك، أنني أقف في خانة لم يكن يستوعبها الكثيرون منذ عامين وأكثر، كنت في فريق ثالث بلا ميدان، ميداني متحرك، بوصلته الحق أدور معه حيث دار.
لكن ما يحزنني أنهم هناك يجتمعون على فرحة زائفة، وأنا وأنت لا يجمعنا ثأرنا المقيم ولا ألمنا المبين.
(مصر)
هل تبادر إلى ذهنك يوما أننا سنفترق بشيء آخر غير الموت؟
ولا أنا!
الآن لا أدرى هل أبكي حسرة أم أضحك هماً، إذ إن السبب وراء ما وصلنا إليه مغلوط وساذج، حتى أكاد أشعر بالغثيان إذا قصصته.
في الوقت الذي حدث فيه الانقلاب، وتفرق الناس أشياعا بين مؤيد له ومناصر للشرعية، كان ميدان التحرير مقرا لأصحاب ثورة التصحيح كما زعموا، أما فريق الشرعية فلاذ بميدان رابعة العدوية، وكان هناك فريق ثالث بلا ميدان، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، كنت أنتمي إليه، ثم كان قرار الاعتصام الذي لم أؤيده حينها، إذ إنني كنت ضمن شريحة عريضة من المستائين من إدارة الإخوان للمرحلة و اللعبة التي اتضح أنهم يفتقدون معاييرها بشكل صادم ومخيف.
وكان استيائي كفيلا برفض وجودي مرة أخرى ضمن حدثٍ يديرونه وانعدمت ثقتي في الاصطفاف تحت مظلة قيادتهم من جديد! إلا أنني كنت من المنتقدين المهذبين، ممن ينتظرون الخير ويترقبونه على يد هؤلاء، رغم مثالبهم.
تزامنت بداية الاعتصام مع إحدى إجازاتي الغير مخطط لها، وتعجب البعض، كيف أتواجد في محيط الأحداث وأظل على مسافة بعيدة منها!، لم يكن هناك نقطة دم أراقها النظام الجديد بعد، كانت الأمور في إطارها السلمي والهادئ نوعا.
وكان تعليقي حينها: "تتقطع رجلي قبل ما أروح التحرير، وبرضه مش رايحة رابعة"! ورغم أنني لا أعلم أين الجرم الذي ارتكبته في هذه العبارة إلا أنني دفعت ثمنه "صديقة"، صديقة اختزلت كلماتي في عبارة واحدة " تتقطع رجلي قبل ما اروح رابعة"!.. يا الله! ما أقساها! حرّفت الكلمَ عن مواضعه!
كنت قد غادرت مصر قبل التهاب الأحداث بوقت طويل، كان المشهد مربكا، لا ندري من أي اتجاه ستنطلق شرارة التصعيد، لم نستطع أن نتوقع ما تحمله الأيام في رحمها، كانت حُبلى في مسخ شائه من دمٍاء وموت وظلام، و التفاصيل لا تخفى عليكم!
وأنا مثلك صديقتي، أنتمي لـ "رابعة"، دمائها الذكية، أرواحها الطاهرة بساطة ونقاء من كانوا فيها وصدق نيتهم.
كل ما هنالك، أنني أقف في خانة لم يكن يستوعبها الكثيرون منذ عامين وأكثر، كنت في فريق ثالث بلا ميدان، ميداني متحرك، بوصلته الحق أدور معه حيث دار.
لكن ما يحزنني أنهم هناك يجتمعون على فرحة زائفة، وأنا وأنت لا يجمعنا ثأرنا المقيم ولا ألمنا المبين.
(مصر)