قبل ستة أشهر فقط، افتتحت حكومة إثيوبيا سد جيبي 3 على نهر أومو، في 17 من ديسمبر الماضي. وقال مدير العلاقات العامة لهيئة الطاقة الكهربائية الإثيوبية، مسكر نجاش، إن السد هو ثالث أكبر محطة لتوليد الطاقة الكهرومائية في أفريقيا، بطاقة توليد قدرها 1870 ميغاوات، وهي نصف كهرباء إثيوبيا، وقد بدأ بالفعل توليدها.
وبذلك أصبح سد جيبي 3 أعلى سد في أفريقيا، ويبلغ ارتفاعه 243 متراً وطوله 610 أمتار وسعة تخزينه 15 مليار متر مكعب من المياه، على ارتفاع 896 مترا فوق مستوى سطح البحر داخل الحدود الإثيوبية، وعلى بعد 600 كم من بحيرة توركانا الكينية.
وترى الحكومة الإثيوبية أن سد جيبي 3، كما سد النهضة، ضروري للتنمية والاقتصاد الإثيوبي، ويهدف إلى توفير جزء من الطاقة للتصدير إلى كينيا، والسودان، وجيبوتي المجاورة.
لكن ملء خزان السد، من جهة أخرى، يعوق تدفقات المياه في نهر أومو التي يحتاجها نحو 500 ألف من السكان المحليين في جنوب إثيوبيا وشمال كينيا، للحفاظ على حياتهم واستقرارهم وإنتاجهم الغذائي من الزراعة والصيد.
هيومن رايتس ووتش تدين
بعد شهرين فقط من افتتاح السد، كشفت منظمة هيومن رايتس ووتش الدولية عن أن مستويات المياه في بحيرة توركانا في كينيا قد هوت بعد بناء السد وتوسيع المزارع في جنوب وادي نهر أومو في إثيوبيا، ما يهدد حياة نصف مليون من السكان المحليين في إثيوبيا وكينيا.
واستندت المنظمة إلى البيانات المتاحة من وزارة الزراعة الأميركية، حيث انخفضت مستويات مياه بحيرة تركانا بنحو 1.5 متر، منذ يناير/كانون الثاني 2015، ومن المرجح حدوث مزيد من الانخفاض مع إهمال أي جهود عاجلة للتخفيف من آثار التدخلات الإثيوبية.
وكشفت أبحاث المنظمة الدولية وصور الأقمار الصناعية التي في حوزتها عن انحسار شاطئ البحيرة بالفعل وتراجعه إلى 1.7 كم في خليج فيرجسون، منذ نوفمبر 2014. وهذا الخليج هو منطقة حيوية لصيد الأسماك لشعب منطقة توركانا.
وقال فيليكس هورن، الباحث البارز في منظمة هيومن رايتس ووتش في أفريقيا: "إن الانخفاض في مستويات البحيرة سيؤثر تأثيرا خطيرا على الإمدادات الغذائية في وادي أومو وبحيرة توركانا التي توفر سبل العيش لنصف مليون شخص في كل من كينيا وإثيوبيا.
وفي عام 2015، بدأ ملء الخزان خلف سد جيبي 3 في إثيوبيا، ومنذ ذلك الحين، أصبحت المياه التي كانت تتدفق من قبل بدون عوائق إلى بحيرة توركانا وتعوض الفاقد في مستويات البحيرة، أصبحت تحت سيطرة سد جيبي 3.
وقال هورن "إن الحكومة الإثيوبية، في اندفاعها لتطوير مواردها، أبدت أهمية ضئيلة لحياة وسبل معيشة المجتمعات المهمشة والتي تعتمد على نهر أومو وبحيرة توركانا في سبل عيشها، ولم تضع استراتيجيات للحد من التأثير على أولئك الذين يعيشون في المصب".
وبحسب المنظمة الدولية، فإن الفيضانات السنوية لم تصل من نهر أومو إلى بحيرة توركانا، ما أدى إلى انخفاض منسوب المياه بمقدار 1.3 متر، في نوفمبر/تشرين الثاني 2014. ولم يكن الإفراج المحدود جداً عن المياه من جيبي 3 في عام 2016 كافيا لتجديد المياه داخل البحيرة. واعتبارا من 30 يناير 2017، هوت مستويات البحيرة بنحو 1.5 متر عما كانت عليه قبل عامين، وفقاً للبيانات.
تحذير قبل الكارثة
قبل عام من افتتاح السد رسمياً، زارت ساندرا بوستيل منطقة توركانا في ديسمبر 2015. وبوستيل هي مديرة مشروع السياسة الدولية للمياه، وزميلة الجمعية الجغرافية الوطنية للمياه العذبة، ومشاركة في الحملة الوطنية للحفاظ على المياه العذبة في حوض نهر كولورادو.
وقتها حذرت بوستيل من أن عملية ملء الخزان سوف تخفض التدفق إلى بحيرة توركانا بمقدار الثلثين لمدة ثلاث سنوات.
وقالت إن الحكومة في إثيوبيا تبطش بالمعارضين للمشروع، وإن أحدهم، فضل عدم الكشف عن هويته خوفا من بطش الحكومة، أخبرها "أن الناس يتضورون جوعا ويموتون، وأنهم بحاجة إلى دعم دولي، وأن الرعاة المتعلمين يخشون جدا من قول الحقيقة، لكن الحقيقة هي أن الناس يتضورون جوعا".
ومع ملء خزان جيبي الثالث، لم تصل المياه المطلوبة إلى أراضي القبائل على ضفاف النهر، ما أدى إلى تلاشي الزراعة والرعي. وبغض النظر عن العشب، تقول بوستيل، نقل الرعاة الماشية إلى حديقة ماجو الوطنية، فأطلق الجنود الحكوميون المكلفون بحماية الحديقة النار وقتلوا العديد من الرعاة.
ومع تضاؤل أعشاب رعي الماشية والمياه اللازمة لإنتاج المحاصيل في اتجاه المصب للمجتمعات القبلية الأصلية، انتشر الجوع في وادي أومو السفلي. والواقع أن الدمار الذي لحق ببيئة البحيرة ومصائد الأسماك يشبه ما حدث في بحر آرال في آسيا الوسطى، الذي فقد أكثر من 80 في المائة من حجم المياه، من خلال تحويلات مفرطة في النهرين اللذين يتدفقان إليها.
الأنهار الدولية تهاجم إثيوبيا
مؤسسة الأنهار الدولية، وهي مؤسسة تُعنى بحماية الأنهار العابرة للحدود والدفاع عن حقوق المجتمعات التي تعيش حولها، وتعارض إقامة السدود المدمرة والضخمة وتساعد في الوصول للبدائل المناسبة لها وإيقاف القائم منها وتعمل في أكثر من 60 بلدا منذ تأسست في عام 1985 في ولاية كاليفورنيا الأميركية، ركزت الضوء على السد.
وكشفت على موقعها الإلكتروني عن أن إثيوبيا حجبت الدراسات المتعلقة بالسد وآثاره ولم تنشرها إلا بعد فترة طويلة من بدء البناء، وأنه قد تم تجاهل معظم النتائج الخطيرة للمشروع. إنها السياسة التي تتبعها إثيوبيا أيضًا في ملف سد النهضة.
وقالت المؤسسة إنه على الرغم من الآثار السلبية الهائلة للسد على الناس والنظم البيئية الهشة، لا يجرؤ الأكاديميون والمنظمات غير الحكومية في إثيوبيا والذين هم على دراية بالمنطقة، على التحدث خوفاً من أن تقمعهم الحكومة.
ونشرت منظمة الأنهار الدولية مقالا في يناير 2013 عنوانه: السد الإثيوبي يهدد بتحويل بحيرة توركانا إلى "بحر آرال شرق أفريقي" تناولت فيه عدة وثائق قالت إنها جديدة تثبت أن السد يشكل تهديدا وشيكا للسلم والأمن الإقليميين في القرن الأفريقي المضطرب.
وحذرت المنظمة من أن تؤدي الآثار البيئية، التي تشمل انخفاضا هائلا في مستوى البحيرة، إلى انهيار سبل العيش المحلية، وتؤدي إلى انعدام الأمن في القرن الأفريقي الذي يعاني من الصراعات.
وقالت "إن الآثار على السلام والأمن الإقليميين من المحتمل أن تكون شديدة، ويمكن أن تترتب عليها عواقب عالمية، وإن النزاعات على المياه وسبل عيش الشعوب في هذه المنطقة ستكون لها عواقب سياسية فورية كبيرة، ومن المرجح أن تسعى الجماعات المتضررة إلى الاعتداء على موارد أراضي الجيران في المناطق الحدودية بين كينيا وإثيوبيا والسودان".
ودعت المنظمة الأصدقاء الدوليين في بحيرة توركانا إلى وقف بناء السد إلى أن تتوافر معلومات كاملة عن أضرار السد على المنطقة، وحتى وضع خطة لضمان عدم تعرّض البحيرة للانهيار.
وأشارت المنظمة إلى بعض التدخلات السياسية التي يمكن أن تغير هذه المأساة في عملية صنع القرار، وقالت إنه على سبيل المثال يمكن للصين التي تمول بناء السد بقرض قيمته 500 مليون دولار أن تنسحب من المشروع لتجنب إسفين للنزاع بين كينيا وإثيوبيا.
يذكر أن طلب المنظمة لم ينفذ، ما يعكس استخفاف الدول الكبرى باستقرار المنطقة.
ويفضح تقرير المنظمة الدول الكبرى فيقول، على الرغم من أن الحكومات الغربية لا تشارك مباشرة في تمويل هذه المشاريع المدمرة، فإنها تدعم إثيوبيا بتقديم المعونات التي تُقدر بنصف الإنفاق الحكومي على الأقل!
ويقول لوري بوتينجر، وهو أحد مناضلي أفريقيا في الأنهار الدولية، كما تصفه المنظمة "لم يكن بوسع إثيوبيا بناء سد جيبي 3 بدون دعم الميزانية الذي تتلقاه من الحكومات الغربية والبنك الدولي، حيث يتحمل هؤلاء المانحون مسؤولية التدخل والمساعدة في وقف الكارثة التي تتكشف حول حوض نهر أومو".
ديفيد تورتون، وهو خبير في الهجرة القسرية من جامعة أكسفورد وله 40 عاما من الخبرة في دراسة سكان وادي أومو "هذا التقرير هو الأكثر فعالية حتى الآن حول مدى الكارثة الكاملة التي تلوح في الأفق في حوض نهر أومو".
وأشارت المنظمة لتصريح ديفيد هاليس، الرئيس السابق للجنة اليونسكو للتراث العالمي حول التقرير الذي قال فيه "تثير هذه الورقة قضايا أساسية يجب معالجتها على وجه الاستعجال. وقد حان الوقت لكي يولي المجتمع الدولي اهتماما جديا للأثر المترتب على السكان الأصليين في كل من إثيوبيا وكينيا، والخسارة المحتملة لمكونات لا يمكن الاستغناء عنها من النظم الطبيعية التي اعترف بتفردها كجزء من التراث المشترك للإنسانية من خلال اتفاقية التراث العالمي".
إدانة لكينيا المتضررة أيضًا
وبالرغم من تضرر كينيا من سد جيبي 3، فقد أدانتها منظمة الأنهار الدولية في تقريرها 2013 فقالت "وعلى الرغم من الآثار التي لحقت بشعبها والبحيرة، وافقت كينيا على شراء الطاقة من السد، ووافق البنك الدولي وبنك التنمية الأفريقي على تمويل خط النقل الذي سينقل الكهرباء للسد إلى كينيا"!
واستشهدت المنظمة بقول إيكال أنجلي، مؤسس أصدقاء بحيرة توركانا، والحائز على جائزة غولدمان البيئية لعام 2012 "إننا ندعو حكومة كينيا إلى احترام حقوق شعبها ووقف مشاركتها في شراء الطاقة من سد جيبي 3" وهو ما لم تحترمه هذه الحكومة.
يذكر أن وزير الري المصري الأسبق، نصر الدين علام، حذّر من إقدام الحكومة المصرية على شراء كهرباء سد النهضة وتخوّف من قرار مصري في المستقبل.