بعضُ الباحثين يعيدون أصل التنور إلى العصر البابلي الأول في العراق، لكن وُجِدَت نسخ مشابهة له في أماكن أخرى. وآخرون يؤكدون أنَّ هذا التنوّر لا يختلف عن الموجود في بلاد الشام، إذْ عُثِر على تنور في مدن كصيدا اللبنانية، وحلب والقدس. في كلّ المدن العربيَّة التي تشكّلت بالقرب من الأنهار، عرف هذا النوع من التنور، كوسيلةٍ أساسيّة في صناعة الخبز.
مقاومة الحداثة
التنور العراقي، والمعروف باسم تنور الطين، ما زال يقاوم لوحده الاختراعات الحديثة لصناعة الخبز، والتي باتت أكثر سهولة وراحة لصانعي الخبز، سواء التجاري منه الذي يباع بالأسواق، أو الخبز المنزلي. إلا أنَّه في العراق، ثمَّة من يحنّ لخبز أمه، كما يقول، الحاج أحمد سرحان، والذي يشير إلى أن خبز تنور الطين شهيٌّ أكثر من غيره، وهو أمرٌ لا يمكن الاستغناء عنه. ولا تزال بضعُ عوائل عراقية، والتي تنتشر في بغداد والفلوجة والبصرة وذي قار والقادسية وبابل، تمتهِنُ صناعة خبز التنور الطيني، ولهم زبائن يقصدون هذا النوع من الخبز من كل أنحاء العراق. إذْ لا يقتصِر هذا النوع من التنور على صنع الخبز، بل يستخدم لشواء اللحوم والدجاج والأسماك أيضاً.
طريقة صناعة التنور
يقول صانع التنور، أبو ابراهيم، لـ"العربي الجديد": "نصنع تنور الطين من الطين الموجود في بحر النجف، لأنّ هذا الطين يحتوي نسبة عالية من الحديد، ويمكن تمييز هذا الطين عن غيره، عن طريق لونه الأحمر. ونعمل على تقطيع هذه الكتل الطينية، إلى قطع صغيرة، ثمّ نذيبها في حوض مُعدّ لهذه العملية، حتى يتجانس لمدة يومين، ويكون رائب الشكل. وبعدها نضيف إلى هذا المخلوط، مادة تسمى النفاش، وذلك لزيادة تماسك الطين. ونضيف، أيضاً، نسباً معينة من الرمل، وتساعد مادة الرمل في زيادة حرارة التنور عند الاستخدام في عملية الخبز". ويؤكد أبو ابراهيم، أنّ التنور لا يمكن أن يُصنَع فقط من مادة الطين، بلْ يحتاجُ إلى إضافة مادة النفاش والرمل للحفاظ عليه وتماسكه وإطالة عمره، فالطين ينفلش بمرور الزمن بدون هذه الإضافات.
الخلاص من رائحة الغاز
ويضيف أبو ابراهيم: "بعدها نقطعه إلى قطع مناسبة، ونعمله على شكل أشرطة طينيّة، ليسهل علينا تشكيله كطبقات طينية متناسقة. الطبقة الأولى تكون 40 سم، وبعدها أيضاً نفس الكمية ليرتفع إلى 80 سم. وهذا الحجم يعتبر نصف حجم التنور المتوسط الذي تستخدمه العوائل العراقية داخل البيت، إذْ يكونُ مُعدّل ارتفاع التنور 160 سم. أمّا بالنسبة لتنور المطاعم والأفران، فيجب أن يكون أكبر من هذا الحجم". أمّا العم، أبو أحمد، فيقول لـ"العربي الجديد": "اليوم حضرت لشراء تنور الطين، وذلك للخلاص من رائحة الغاز التي يبعثها التنور الغازي، وحنيناً للماضي، ولطعم الخبز اللذيذ الذي ينتجه هذا التنور، وبنفس الوقت هو خبز صحي".