وصفة جاهزة لا يجد صعوبة في إعدادها، فهي موجودة على أجهزة الكمبيوتر لدى موظفيه، باتت أجنداته المقدمة للحكومات محفوظة لجميع المتابعين لنشاطه لا ابتكار فيها، وأضحت اقتراحاته محل انتقادات شديدة من كبار الساسة وخبراء الاقتصاد والغيورين على بلدانهم، علاجه المقترح دوماً هو الضغط المستمر على الفقراء والباعة الجائلين والمهمشين وموظفي الجهاز الإداري للدولة، وعدم مراعاة أحوال الشريحة العظمى من المواطنين الغلابة.
سياساته المطبقة على مدى 60 عاماً خربت اقتصاديات دول عديدة، وأثارت نقمة المواطنين على حكوماتهم، وحولت دولاً كبرى كانت على طريق النمو الاقتصادي السريع والثراء إلى دول فقيرة ممزقة اجتماعياً رغم مواردها الكبيرة، لا يراعي خصوصية كل دولة، أصبح مبتزاً ومقاول أنفار، فإما تطبيق "روشتته" المجحفة وإما الانجراف نحو هاوية الإفلاس والتعثر المالي وارتفاع الأسعار والقلاقل السياسية والاجتماعية.
كل ما يعنيه هو استرداد أمواله وديونه التي يقرضها للدول التي تمد يدها إليه راجية منه إنقاذها، وفي حال عدم منحه قروضاً لهذه الدول تبقى مهمته الأساسية هي الحفاظ للحكومات على إيرادات مريحة وموازنة معقولة، حتى إذا فكرت هذه الحكومات في توسيع رقعة الفساد المالي والإنفاق السياسي تكون الموارد المالية تحت أيديهم، وإذا فكرت في الاقتراض مستقبلا لا تجد عوائق، فالموازنة منضبطة.
إنه صندوق النقد الدولي وهو وكالة متخصصة من منظومة بريتون وودز التابعة للأمم المتحدة، أنشئ بموجب معاهدة دولية في عام 1945 للعمل على تعزيز سلامة الاقتصاد العالمي. يقع مقره في العاصمة الأميركية واشنطن، ورغم أن المعلن على صفحته على الإنترنت هو أن جميع بلدان العالم البالغ عددها 188 بلداً تشارك في إدارته ووضع سياساته، إلا أن الحقيقة تقول إن القرار الأميركي هو من يسيطر على سياسات الصندوق، ويسيره حسب مصالحه لا حسب مصالح المساهمين وأصحاب رأس المال، فالنظام السياسي الذي ترضى عنه أميركا تفتح له أبواب الصندوق ليغترف من أمواله مليارات الدولارات، أما النظام الذي تناصبه أميركا العداء فلن يطول دولاراً واحداً حتى وإن كانت دولته من المساهمين في الصندوق.
بالأمس نصح الصندوق كلاً من مصر وتونس والأردن والمغرب والعراق وغيرها من الدول العربية بزيادة أسعار الوقود والكهرباء والمياه وزيادة الضرائب القائمة، بل وفرض ضرائب جديدة منها ضريبة القيمة المضاعفة حتى يتم علاج عجز الموازنات العامة على حساب الفقراء، واليوم ينصح الصندوق دول الخليج بفرض ضرائب على مواطنيها، وذلك بعد أن طلب منها العام الماضي زيادة أسعار الوقود رغم أن هذه الدول منتج رئيسي للنفط والمشتقات البترولية.
والملفت أن مطالبة صندوق النقد الدولي دول الخليج بفرض ضرائب على مواطنيها صاحبها تحذير صادر من مديرة الصندوق كريستين لاغارد لدول الخليج من أمام منتدى عقد في أبوظبي أول من أمس الاثنين من أن أسعار النفط المنخفضة ستبقى على الأرجح فترة طويلة، وبالتالي يجب فرض ضرائب على المواطنين.
لم نسمع نصيحة من صندوق النقد الدولي للملوك والرؤساء العرب تقول "رشدوا نفقاتكم وخفضوا موازنات القصور الرئاسية والملكية"، ولم نسمع نصائح للحكومات بخفض الإنفاق العام والتوقف عن شراء أحدث أساطيل السيارات والمواكب والموتوسيكلات وفرش السجاد الأحمر في الزيارات الميدانية، ولم نسمع مطالبة بخفض رواتب الوزراء وأعضاء المجالس النيابية، ولم نسمع مطالبات برفع الدعم الحكومي المقدم لمصانع الأثرياء ورجال الأعمال والمستثمرين الأجانب، فقط نسمع دوما "دوسوا على الفقراء، فهم لا يعنوننا ولا يعنون أيضا الحكومات التي تتولى إدارتهم".
اقرأ أيضا:
روشتة صندوق النقد السامة
مجاملات صندوق النقد الدولي