عادت الصواريخ البالستية، مجدداً، إلى صدارة عناوين الحرب المستمرة في اليمن منذ أكثر من عامين، مع التصعيد اللافت من قبل مسلحي جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) وحلفائهم من القوات الموالية للرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، بإطلاق عدد من الصواريخ باتجاه السعودية. ويحمل هذا التطور العديد من الدلالات، ويلفت الأنظار مجدداً إلى القدرات الصاروخية للانقلابيين، ويطرح تساؤلات حول ما إذا كانت تمثل تهديداً عسكرياً لـ"التحالف العربي"، أم أنها صواريخ تحمل رسائل سياسية قائمة على حسابات متعددة؟
وكان الحوثيون أعلنوا، مساء الخميس، إطلاق "عدة صواريخ" بالستية، باتجاه قاعدة الملك بن عبدالعزيز الجوية، في مدينة الطائف السعودية، فيما أعلن "التحالف" أن قواته الجوية اعترضت صاروخاً بالستياً "أطلقته المليشيات باتجاه مكة"، مضيفاً أنه "جرى اعتراضه فوق منطقة الواصلية بمحافظة الطائف، أي على بعد 69 كيلومتراً من مكة، من دون وقوع أي أضرار".
وتعتبر الطائف جزءاً إدارياً من منطقة مكة التي تتألف من العديد من المدن. ويعود هذا التطور بالأنظار إلى أحد أشهر الصواريخ التي أطلقها الحوثيون وحلفاؤهم في أكتوبر/ تشرين الأول 2016، حين أعلنوا استهداف مطار مدينة جدة العسكري. ولأن الأخيرة تعد جزءاً إدارياً من مكة، فقد اعتبرها "التحالف" استهدافاً لمكة، ما حصد تضامناً مع الرياض وإدانات دولية، ومن الدول الإسلامية، ضد الحوثيين وحلفائهم، ومن غير المستبعد أن يؤدي التصعيد الجديد إلى موجة ردود أفعال مشابهة.
من زاوية أخرى، وجه "التحالف العربي"، في بيان أصدره في وقت متأخر مساء الخميس، أصابع الاتهام مباشرة إلى "ميناء الحديدة"، باعتباره المرفأ الذي يسيطر عليه الحوثيون. ويتحدث "التحالف" عن تهريب الصواريخ عبر الميناء. وقال إن "استمرار تهريب الصواريخ إلى الأراضي اليمنية يأتي بسبب غياب الرقابة على ميناء الحديدة، وسوء استخدام التصاريح التي يمنحها التحالف للشحنات الإغاثية والبضائع". وهذا الموقف يعني أن تصعيد "التحالف" قد يتجه نحو محافظة الحديدة، على الرغم من أنه أكد في البيان نفسه، دعمه للمقترحات التي قدمها المبعوث الأممي، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، بشأن الرقابة على الميناء.
إلى ذلك، جاء التصعيد بالصواريخ باتجاه الطائف بعد أيام من إعلان "جماعة أنصار الله" أنها أطلقت صاروخاً "بعيد المدى"، استهدف منشأة نفطية في مدينة ينبع السعودية. ولم تؤكد الأخيرة اعتراض الصاروخ. غير أن شبكة "سي أن أن" نقلت عن مسؤولين أميركيين أن الحوثيين أطلقوا صاروخاً غير مسبوق، من حيث المدى، حلّق ما يزيد عن 900 كيلومتر في الأجواء السعودية. وإذا كان الصاروخ قد قطع المسافة فعلاً، إلى سماء ينبع، فإنها المرة الأولى التي يتم فيها إطلاق صاروخ بهذا المدى. ويشار إلى أن الحوثيين أعلنوا عن تدشين "مرحلة ما بعد الرياض" في استهدافهم للأراضي السعودية.
ويثير هذا التطور التساؤلات مجدداً حول القدرة الصاروخية للحوثيين والقوات الموالية لصالح. وتفيد مصادر قريبة من الجيش اليمني لـ"العربي الجديد"، بأن الصواريخ البالستية التي تُطلق باتجاه السعودية، هي في الأصل من نوع "سكود"، روسية الصنع، والتي كانت في مخازن الجيش اليمني. والصواريخ التي أطلق عليها الحوثيون اسم "بركان1" و"بركان2" هي صواريخ في الحقيقة "سكود"، يقول الحوثيون إنه تم تطويرها محلياً.
من جانب آخر، يتحدث "التحالف العربي" عن تهريب أسلحة إيرانية إلى الحوثيين، خصوصاً بعدما ظهرت العام الماضي، صواريخ قصيرة المدى، شبيهة بصواريخ إيرانية الصنع أطلقتها الجماعة باتجاه مناطق سعودية. ومن غير المستبعد أن تكون طهران التي ضبطت البحرية اليمنية سفينة أسلحة آتية منها إلى الحوثيين عام 2013، نجحت بتهريب صواريخ بالستية إيرانية إلى الجماعة في سنوات سابقة. لكن الحديث عن أن ذلك جرى في ظل الحرب وحصار "التحالف العربي" البري والجوي والبحري المفروض على مناطق سيطرة الحوثيين وحلفائهم.
وتعتبر صواريخ "الجيش اليمني" البالستية، من أبرز ملفات الحرب منذ تصاعدها في مارس/ آذار 2015، إذ تتحدث التقديرات والأرقام المنشورة في المراجع المتخصصة، عن وجود 200 إلى 300 صاروخ بالستي. غير أن الحرب كشفت مفاجآت، جعلت من احتمالية أن يكون العدد أكبر من ذلك، أمراً ممكناً. وأعلن "التحالف العربي" في إبريل/ نيسان 2015، بعد أقل من شهر على بدء عملياته في اليمن، أنه نجح بتعطيل وتدمير القوة الصاروخية البالستية التي استولى عليها الحوثيون والواقعة تحت سيطرة القوات الموالية لصالح، بعد ضربات متكررة، تصل إلى الآلاف، وكان تركيزها في الأشهر الأولى للحرب على معسكرات الصواريخ بمحيط صنعاء.
وبالنظر إلى مختلف المعطيات المرتبطة بالصواريخ، من الواضح أنها تحمل رسائل سياسية، أكثر من كونها عاملاً تدميرياً للخصم، إذ إن الرسالة الأهم التي يوصلها الحوثيون وحلفاؤهم باتجاه الجانب السعودي، هي أنهم لا يزالون قادرين، بعد عشرات الآلاف من الضربات الجوية، على تهديد الأجواء السعودية، كأقصى ما يقدر عليه الانقلابيون في ظل غياب التوازن، الذي يتفوق فيه "التحالف" بالضربات الجوية. فالصاروخ الذي يتم إطلاقه، يمكن أن تأتي بمقابله مئات الضربات الجوية. ولا يمتلك الحوثيون وحلفاؤهم الدفاعات الجوية التي تعطل ضربات الطيران.
وكمثال على الصواريخ التي تحمل رسائل سياسية، كان آخر صاروخ أطلقه الحوثيون قبل التصعيد الأخير، هو الصاروخ الذي أعلنت الجماعة إطلاقه باتجاه قاعدة عسكرية في الرياض، قبل يوم من زيارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في 22 من مايو/ أيار الماضي، وأعلن "التحالف" اعتراضه دون أضرار.
وهناك تفسيرات عدة متباينة بشأن الهدف السياسي للصواريخ التي أطلقها الحوثيون في الأيام الأخيرة. ويربط البعض بينها وبين التقدم الذي حققته قوات يمنية موالية للشرعية أو للإمارات، بالسيطرة على معسكر "خالد بن الوليد"، غرب محافظة تعز، إذ يحاول الانقلابيون تعويض الخسارة بالتصعيد تجاه السعودية. ويربط آخرون هذا التصعيد بالخلافات المستعرة بين الحوثيين وحزب صالح، الأمر الذي تبرز معه تساؤلات عمن يسيطر على الصواريخ ومن يتخذ قرار إطلاقها، وما إذا كانت رسالة مشتركة يحاول الطرفان من خلالها التغطية على الخلافات بالتصعيد، أو رسالة لأحد الطرفين. ولا يمكن استبعاد احتمال أن تكون الصواريخ رسائل قائمة على حسابات متعلقة بالتطورات الإقليمية والدولية أو باستباق تصعيد محتمل من "التحالف العربي". وكان زعيم "جماعة أنصار الله"، عبد الملك الحوثي، قد توقع في آخر خطاباته التي ألقاها منذ ما يقرب من أسبوع، موجة تصعيد مقبلة من قبل "التحالف" ودعا للاستعداد لها.