المخدّرات تنتشر اليوم في العالم بطريقة غير مسبوقة. ومن لا يستطيع توفير تكلفتها، يلجأ إلى أدوية تُصنَّف "مخدّرة" لتلبية حاجته. في ليبيا، لا يختلف الأمر عن بلدان أخرى كثيرة. لكنّ غياب دور السلطات يفاقم الوضع.
يتوجّه الليبيون الذين يتابعون علاجات للأمراض النفسية والعقلية إلى صيدليات تابعة لشركات خاصة، بهدف الحصول على ما يحتاجونه، في حين تغضّ السلطات الليبية المعنية الطرف عن نشاط تلك الشركات، فلا تفرض رقابة على عملها ولا على الأدوية المستوردة.
وتصل جهازَ الإمداد الطبي في طرابلس تقارير تؤكّد "بيع الشركات الخاصة أدوية مخدّرة يتوجّب بحسب القانون عدم صرفها لأيّ مريض من دون وصفة طبية مختومة من طبيب معتمد لدى نقابة الأطباء". هذا ما يشير إليه المسؤول في الجهاز، العارف الزرقاني، في حديث إلى "العربي الجديد". ويقول إنّ "النشاط الصيدلاني يشهد انفلاتاً غير مسبوق في البلاد، إذ إنّ الصيدليات العاملة في البلاد بمعظمها، لم تجدّد رخصها، في حين أنّ عدداً كبيراً منها يزاول نشاطه من دون ترخيص في الأساس. كذلك فإنّ صيدليات عدّة تُدار من قبل أشخاص ليست لهم أيّ علاقة بقطاع الصيدلة ويحملون مؤهّلات ليست ذات صلة". يضيف الزرقاني: "لا نثق بصلاحية الأدوية المستوردة، أو المهرّبة، من قبل تلك الشركات. لكنّ عدم قدرة وزارة الصحة في حكومات ليبيا المتعاقبة على توفير الأدوية لمن يعاني من أمراض نفسية وعقلية، جعلنا عاجزين عن متابعة الصيدليات".
في حيّ الدريبي وحيّ بن غشير وسط العاصمة الليبية، تفتح الشركات الخاصة أبوابها في العلن لكلّ شخص يرغب في شراء أيّ دواء، وإن لم يكن يحمل وصفة طبية. في بن غشير وحدها، أحصت "العربي الجديد" ستّ شركات يعمل في إطارها تجّار ليست لهم علاقة بمهنة الصيدلة. ويشير أحد هؤلاء إلى أنّ الأدوية بمعظمها تُجلَب عن طريق البرّ تهريباً، عبر الحدود المصرية الليبية، وتُنقَل في شاحنات لا تتوفّر فيها شروط التخزين السليم.
في السياق، يقول عضو نقابة الصيادلة في طرابلس، ماهر نوح، إنّ "فتح المجال لشراء أدوية مخدّرة لكلّ شخص، شجّع عدداً كبيراً من الشباب على شرائها، نظراً إلى رخص ثمنها، وذلك بغية تعاطيها لتعويض المخدّرات التي تُباع بأسعار مرتفعة". يضيف لـ"العربي الجديد" أنّ "ثمّة أطباء من الأصدقاء أكّدوا لي وصول حالات مرضية إلى المستشفيات نتيجة إدمان أدوية من هذا القبيل، تسبّبت في مضاعفات خطيرة"، لافتاً إلى أنّ "الملاحقة القانونية غير متوفّرة لعدم وجود قوّة رادعة تساند وزارة الصحة". ويتابع نوح أنّ "ثمّة صيادلة يستخرجون رخصاً ويعمدون إلى تأجيرها لتجّار. وعند سؤال التاجر عن رخصته، يستدعي صاحبها للتغطية القانونية". ويوضح أنّ "هذا الإجراء كان معتمداً قبل الثورة، أمّا اليوم، فالباب مفتوح على مصراعَيه للمتاجرة في الدواء".
ويشير مصدر مطّلع لـ"العربي الجديد" إلى "دور المليشيات في البلاد في ترويج أنواع من الأدوية المخدّرة بين الشباب، لا سيّما الذين يقاتلون في صفوفها". ويقول إنّه "بالإضافة إلى ترامادول، ثمّة أدوية تسهّل المليشيات وصولها إلى مقاتليها، إذ تمنحهم شعوراً بالاندفاع، الأمر الذي يجعل المقاتل يتخطّى حاجز الخوف ويندفع في المعارك. لكنّ إدمان هذا النوع من الأدوية له مضاعفات خطيرة جداً". يضيف المصدر نفسه أنّ "المليشيات تؤمّن لمقاتليها كذلك أدوية تمنحهم شعوراً بالراحة والسعادة، للتخفيف من مضاعفات العقاقير الأخرى أو من حالات نفسية وعصبية قد يعاني منها المقاتل"، لافتاً إلى أنّ مستشفيات خاصة للأمراض النفسية في طرابلس استقبلت أشخاصاً كثيرين يعانون من مضاعفات تلك الأدوية". ويعيد انتشار هذه الأدوية إلى "رخص ثمنها".
ما هو دور السلطات الليبية المعنية في هذا السياق؟ يجيب مدير الشؤون الإعلامية في مركز الرقابة على الأدوية والأغذية، ناصر كركارة، أنّ "وزارة الصحة كانت على تنسيق دائم مع منظمة الصحة العالمية لتوفير ما تحتاجه من أدوية للذين يعانون من أمراض نفسية وعقلية. لكنّ الوزارة اليوم عاجزة تماماً أمام سلطة المليشيات التي تحمي بعض تجّار الأدوية الكبار". يضيف كركارة أنّ "المريض من جهته يشكّل ضغطاً على السلطات العاجزة عن توفير الدواء له، بالتالي لا مناص من غضّ الطرف عن نشاط التجّار الذين يوفّرون أدوية نفسية كثيرة وغيرها من العقاقير". ويؤكد أنّ "مركز الرقابة متوقّف عن مزاولة مهامه بشكل شبه كامل".
وعن سبل مقاومة تسرّب مثل هذه الأدوية إلى الشباب، يقول كركارة إنّه "لا يوجد حلّ سوى حملات التوعية التي طالبنا كثيراً بتقديم الدعم اللازم لها من قبل الوزارة. لكنّ مراسلاتنا لا تلقى جواباً، فنتوجّه اليوم إلى مؤسسات المجتمع المدني لتشكّل ضغطاً على السلطات. كذلك في إمكانها العمل على تنظيم ندوات وحملات توعية بين الشباب".