04 نوفمبر 2024
صيف سياسي ساخن في تونس
على خلاف السنوات الفارطة، حيث تركن السياسة في تونس، في الصيف، إلى الهدوء والسكينة، تاركة السياسيين، والمواطنين عموما، يتفرغون لشؤونهم الخاصة، بعيدا عن ضغط المكاتب ولغط النقاشات والخطابات، لتكون قبلة هؤلاء التونسيين، على مختلف أصولهم الاجتماعية، المناسبات العائلية والشواطئ، مستفيدين من حملات ترويجية تحرص على تنشيط السياحة الداخلية "دواءً مرّا" لأزمة القطاع، على إثر تدهور صورة البلاد السياحية، بعد الضربات الإرهابية المشينة التي طاولت السياح والمنشآت السياحية، سيشهد الموسم السياسي استمرارا، وربما يرتفع نسقه بشكلٍ غير مألوف.
عرف الموسم السياسي الحالي تعديلا جوهريا في زمنه، أي مواعيده الكبرى وآجاله القصوى، فضلا على نسقه وكثافته، فإذا كانت الأعراف قد ثبتت انتهاء الموسم السياسي في أواخر شهر مايو/ أيار من كل سنة، فإن البلاد شذّت عن هذه القاعدة، ذلك أن اعتصام "الكامور" الذي انطلق في بداية موسم الربيع، والذي عبر فيه شباب مناطق الجنوب التونسي عن رفضهم منوال التنمية، ومطالبتهم بالحق في التشغيل والتنمية، والذي امتد ليشمل مناطق أخرى، على غرار منطقتي الحامة والفوار التي تهدّد بوقف إنتاج البترول والغاز، وهي الموارد الشحيحة في تونس أصلا، قد أمد في أنفاس الموسم السياسي على إثر الزيارات المتكرّرة لأعضاء الحكومة لهذه المنطقة، وتنشيط التفاوض مع المحتجين.
كما أن رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، اختار لحربه ضد الفساد توقيتا استثنائيا، إذ ما أن بات الموسم السياسي على وشك الانتهاء، حتى انطلقت أولى معاركه التي اختار لها، ولأسباب
عديدة، رجال الأعمال المتهمين بالتهريب، وعدة شبهات أخرى، يشتغل عليها القضاء حاليا، وهي حربٌ لا تزال تثير جدلا في تونس، حول مبدئيتها وصلابتها، إذ تحوم شكوكٌ حول انتقائيتها، فضلا عن المقاربة القانونية المتعبة إلى حد الآن، إذ أحيل بعض من هؤلاء المتهمين على أنظار المحكمة العسكرية، وتحت طائلة قانون الطوارئ... إلخ، في حين يصر بعضهم على أن يكون القضاء العادي (المدني) هو من يتولى النظر في هذه الملفات. هذه الحرب التي تدور في ظل شح التصريحات والتكتم الشديد شدت الانتباه، وقد بدت الإيقافات جزءا من نشرةٍ إخباريةٍ تكاد تكون يومية.
يصرّ أنصار رئيس الحكومة، في ظل هذا التكتم، على أن الأمر يتعلق بحربٍ حقيقيةٍ، ستكشف الأيام المقبلة عن ملامحها ومقاربتها الشاملة. ولعل من شأن استقبال رئيس الحكومة، قبل أيام، هياكل القضاء وممثليهم أن يمنح هذه المعركة أبعادها التي ما زالت مغيبة. إذ استطاعت جملة اللقاءات المتسارعة بين يوسف الشاهد والقضاة أن تبدّد شكوكا عديدة، في ظل فتور العلاقات بينهم، ما اضطر القضاة إلى تنفيد جملة من الحركات الاحتجاجية غير المسبوقة، على شاكلة إضرابات متعددة وتعليقٍ للنشاط... إلخ. ويبدو أن الأمر لا يعود إلى مجرد مطالب مادية، يرفعها القضاة على غرار الأجر وظروف العمل، ولا أيضا إلى مسألة الاستقلالية، خصوصا بعد تركيز المجلس الأعلى للقضاء، بل يعود هذا الفتور الى ما يعتبرونه تهميشا لهم من رئاسة الحكومة التي تشي بعض التصريحات باستياء رئيس الحكومة من أداء القضاة أنفسهم في التعاطي مع ملفات الفساد تحديدا.
تبدّدت الشكوك، قبل أيام، بعد أن اقتنع رئيس الحكومة بأن هذه المعركة لا تخاض إلا وقد ضم في جيش محاربيه القضاة، ولعل التجربة الإيطالية في هذا الأمر تحديدا أكثر من ملهمة. كما أن السنة السياسية أبت إلا أن تطول أنفاسها من خلال جملة من التحويرات المهمة في أعلى هرم السلطة التنفيذية، على غرار رئيس ديوان مكتب رئيس الحكومة ذاته والكاتب العام للحكومة، فضلا عن تحويراتٍ أخرى، شملت وزارات مهمة، وهي تحويراتٌ يرجّح أن تكون تمهيدا لتحوير وزاري أعمق، سيشمل عددا مرتفعا من أعضاء الحكومة في الأسابيع القليلة المقبلة، ما يجعلها أقرب إلى إعادة تشكيل للحكومة، و يبدو أن توقيت الإعلان عنها سيكون هذا الصيف تحديدا.
كما أن تواصل المعارك الجانبية السياسية بين كتل حزبية مشاركة في حكومة الوحدة الوطنية
التي يتهم بعضها بعضا بالفساد، إلى حد أن وصلت تصريحات إعلامية على المباشر وبلغة أحيانا صادمة ومخالفة للأعراف السياسية، شدّت، في الأيام القليلة الماضية، الرأي العام، ومنحت بدورها عنفوانا على نهاية مفترضة للموسم السياسي الحالي.
تحدث كل هذه الجلبة السياسية على إيقاع صخب الحملة الإعلامية والتعبوية للانتخابات البلدية المقبلة، والتي انطلقت قبل أيام بحملات التسجيل في انتخاباتٍ هي الأولى من نوعها التي تشهدها البلاد بعد ثورةٍ، إذ منذ أكثر من ست سنوات، ظلت البلديات، بشكل خاص، تدار بشكل مؤقت، ما عطل أداءها، وراكم تدهور الخدمات البلدية، ناهيك عن الفساد والاعتداءات التي طاولت الملك العمومي... إلخ. بدأت حملة التسجيل في القوائم الانتخابية رتيبة وبطيئة، وإذا كان بعضهم يتحدث عن عوائق ظرفية: رمضان، ونسق الحياة وانشغال التونسيين بالامتحانات... إلخ، فإن آخرين يتوقعون زيادة عزوف المواطنين عن الشأن الانتخابي، إذ لا ننسى أن قرابة ثلاثة ملايين ونصف مليون مواطن تونسي لم يشاركوا أصلا في الانتخابات التسريعية أو الرئاسية السابقة. ويرجح بعضهم زيادة هذا العدد، في ظل نسب تشاؤم مرتفعة ومشاعر خيبة متنامية من أداء الطبقة السياسية برمتها: حكامها ومعارضيها، خصوصا مع استفحال الصراعات الداخلية بين شقوق حزب نداء تونس تحديدا.
لن يكون كالعادة صيف البلاد السياسي هذه السنة كالعادة، وربما تشهد فيه البلاد إجراءات سياسية وقرارات ستشدّ الرأي العام والنخب معا. وهذا ما سيجعل السنة السياسية تتمدّد لتصل أولها بآخرها من دون انقطاع: هناك مشاريع قوانين ومعارك أخرى، ستطفو على السطح قريبا: مجلة الجماعات العمومية والمحلية (البلديات والسلط المحلية)، فضلا عن قانون المصالحة الاقتصادية، وتطورات الحرب على الفساد، فضلا عن ملامح التحويرات الوزارية المحتملة.
عرف الموسم السياسي الحالي تعديلا جوهريا في زمنه، أي مواعيده الكبرى وآجاله القصوى، فضلا على نسقه وكثافته، فإذا كانت الأعراف قد ثبتت انتهاء الموسم السياسي في أواخر شهر مايو/ أيار من كل سنة، فإن البلاد شذّت عن هذه القاعدة، ذلك أن اعتصام "الكامور" الذي انطلق في بداية موسم الربيع، والذي عبر فيه شباب مناطق الجنوب التونسي عن رفضهم منوال التنمية، ومطالبتهم بالحق في التشغيل والتنمية، والذي امتد ليشمل مناطق أخرى، على غرار منطقتي الحامة والفوار التي تهدّد بوقف إنتاج البترول والغاز، وهي الموارد الشحيحة في تونس أصلا، قد أمد في أنفاس الموسم السياسي على إثر الزيارات المتكرّرة لأعضاء الحكومة لهذه المنطقة، وتنشيط التفاوض مع المحتجين.
كما أن رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، اختار لحربه ضد الفساد توقيتا استثنائيا، إذ ما أن بات الموسم السياسي على وشك الانتهاء، حتى انطلقت أولى معاركه التي اختار لها، ولأسباب
يصرّ أنصار رئيس الحكومة، في ظل هذا التكتم، على أن الأمر يتعلق بحربٍ حقيقيةٍ، ستكشف الأيام المقبلة عن ملامحها ومقاربتها الشاملة. ولعل من شأن استقبال رئيس الحكومة، قبل أيام، هياكل القضاء وممثليهم أن يمنح هذه المعركة أبعادها التي ما زالت مغيبة. إذ استطاعت جملة اللقاءات المتسارعة بين يوسف الشاهد والقضاة أن تبدّد شكوكا عديدة، في ظل فتور العلاقات بينهم، ما اضطر القضاة إلى تنفيد جملة من الحركات الاحتجاجية غير المسبوقة، على شاكلة إضرابات متعددة وتعليقٍ للنشاط... إلخ. ويبدو أن الأمر لا يعود إلى مجرد مطالب مادية، يرفعها القضاة على غرار الأجر وظروف العمل، ولا أيضا إلى مسألة الاستقلالية، خصوصا بعد تركيز المجلس الأعلى للقضاء، بل يعود هذا الفتور الى ما يعتبرونه تهميشا لهم من رئاسة الحكومة التي تشي بعض التصريحات باستياء رئيس الحكومة من أداء القضاة أنفسهم في التعاطي مع ملفات الفساد تحديدا.
تبدّدت الشكوك، قبل أيام، بعد أن اقتنع رئيس الحكومة بأن هذه المعركة لا تخاض إلا وقد ضم في جيش محاربيه القضاة، ولعل التجربة الإيطالية في هذا الأمر تحديدا أكثر من ملهمة. كما أن السنة السياسية أبت إلا أن تطول أنفاسها من خلال جملة من التحويرات المهمة في أعلى هرم السلطة التنفيذية، على غرار رئيس ديوان مكتب رئيس الحكومة ذاته والكاتب العام للحكومة، فضلا عن تحويراتٍ أخرى، شملت وزارات مهمة، وهي تحويراتٌ يرجّح أن تكون تمهيدا لتحوير وزاري أعمق، سيشمل عددا مرتفعا من أعضاء الحكومة في الأسابيع القليلة المقبلة، ما يجعلها أقرب إلى إعادة تشكيل للحكومة، و يبدو أن توقيت الإعلان عنها سيكون هذا الصيف تحديدا.
كما أن تواصل المعارك الجانبية السياسية بين كتل حزبية مشاركة في حكومة الوحدة الوطنية
تحدث كل هذه الجلبة السياسية على إيقاع صخب الحملة الإعلامية والتعبوية للانتخابات البلدية المقبلة، والتي انطلقت قبل أيام بحملات التسجيل في انتخاباتٍ هي الأولى من نوعها التي تشهدها البلاد بعد ثورةٍ، إذ منذ أكثر من ست سنوات، ظلت البلديات، بشكل خاص، تدار بشكل مؤقت، ما عطل أداءها، وراكم تدهور الخدمات البلدية، ناهيك عن الفساد والاعتداءات التي طاولت الملك العمومي... إلخ. بدأت حملة التسجيل في القوائم الانتخابية رتيبة وبطيئة، وإذا كان بعضهم يتحدث عن عوائق ظرفية: رمضان، ونسق الحياة وانشغال التونسيين بالامتحانات... إلخ، فإن آخرين يتوقعون زيادة عزوف المواطنين عن الشأن الانتخابي، إذ لا ننسى أن قرابة ثلاثة ملايين ونصف مليون مواطن تونسي لم يشاركوا أصلا في الانتخابات التسريعية أو الرئاسية السابقة. ويرجح بعضهم زيادة هذا العدد، في ظل نسب تشاؤم مرتفعة ومشاعر خيبة متنامية من أداء الطبقة السياسية برمتها: حكامها ومعارضيها، خصوصا مع استفحال الصراعات الداخلية بين شقوق حزب نداء تونس تحديدا.
لن يكون كالعادة صيف البلاد السياسي هذه السنة كالعادة، وربما تشهد فيه البلاد إجراءات سياسية وقرارات ستشدّ الرأي العام والنخب معا. وهذا ما سيجعل السنة السياسية تتمدّد لتصل أولها بآخرها من دون انقطاع: هناك مشاريع قوانين ومعارك أخرى، ستطفو على السطح قريبا: مجلة الجماعات العمومية والمحلية (البلديات والسلط المحلية)، فضلا عن قانون المصالحة الاقتصادية، وتطورات الحرب على الفساد، فضلا عن ملامح التحويرات الوزارية المحتملة.