"الإرهابيون حطّموا آمالاً كبيرة رسمتها منذ طفولتي. واليوم أنا أمام حقيقة واحدة هي العمل لكسب قوت عائلتي"
جيل من المحرومين من الدراسة أنتجته الظروف الأمنية الصعبة التي مرّ بها العراق خلال سيطرة التنظيمات المتشددة على مناطق من البلاد وتحكمهم بمصير سكانها.
طاهر مجبل فاضل يُعِدّ نفسه مثالاً حيّاً على دمار مستقبل جيل كان مقدّراً له أن يكون عمود مستقبل العراق لو أنّه وجد ما يحتاجه من أمن. بالنسبة إليه، فإنّ "الإرهابيين حطّموا آمالاً كبيرة رحت أرسمها منذ طفولتي، واليوم أجد نفسي أمام حقيقة واحدة وهي العمل من أجل كسب قوت عائلتي وتحقيق حلم طفولتي من خلال إخوتي".
اقــرأ أيضاً
قصة طاهر المولود في عام 1994 تبدأ في عام 2007 حين قتل عناصر من تنظيم القاعدة والده، بتهمة التجسس والعمالة لصالح القوات الحكومية العراقية. يقول لـ"العربي الجديد" إنّ "كلّ ما في الأمر هو أنّ والدي كان معروفاً بقناعاته العقائدية المخالفة للتشدد، وبسبب ذلك لم يكن على علاقة ودية مع أشخاص يسكنون في قرى قريبة من قريتنا انضموا إلى تنظيم القاعدة. وهو ما جعلهم يتهمونه بأنّه يوصل أخبار عناصر القاعدة إلى قوى الأمن العراقية".
يضيف طاهر: "نحن نعلم جيداً من كان وراء مقتل أبي. وبعد سيطرة القوات الحكومية على مناطقنا والقضاء على القاعدة، رفعنا في عام 2009 دعوى قضائية ضدّ قتلته. نحن نعرفهم جيداً ولدينا أدلة كافية تدينهم". ويتابع: "هم ثلاثة أشخاص وقد تمّ القبض عليهم لكنّ المحكمة لم تتمكّن إلا من إثبات أنّهم كانوا أدلاء يرشدون عناصر التنظيم إلى الأشخاص الذين يعدّونهم جواسيس، ونالوا حكماً بالسجن 15 عاماً".
لم يدم السلام الذي عاشته قرية كرحة قازان التابعة لناحية الرشاد في محافظة كركوك (شمال) حيث تسكن عائلة طاهر، طويلاً. فعناصر كثر كانوا يوالون تنظيم "القاعدة" اختبأوا في قرى ومزارع تقع جنوبيّ كركوك وفي محافظات أخرى، وراحوا ينتظرون الفرصة المناسبة ليظهروا من جديد. فكان لهم ذلك في يونيو/ حزيران من عام 2014، حين سيطر تنظيم "داعش" على الموصل، ووجود تلك الخلايا النائمة مكّن "داعش" من السيطرة بسرعة على مناطق واسعة في خلال أيام قليلة.
مقتل والده الذي كان ينفق على أسرته من خلال عمله كأجير مياوم في مجال الزراعة، أجبر طاهر على ترك تعليمه والبحث عن عمل يمكّنه من توفير مدخول لأسرة مؤلّفة من خمسة أولاد وأم. فعمل في الزراعة تارة وفي حقول الدواجن تارة أخرى، وفي عام 2011 انضم لقوات "الصحوة" في مقابل مرتب شهري ثابت. يُذكر أنّ "الصحوة" من أبرز أسباب هزيمة "القاعدة"، إذ إنّها تأسست بدعم من القوات الأميركية وتتألّف من قوات شعبية تعمل للدفاع على مناطقها.
لكنّ طاهر لم يكن محظوظاً من جرّاء انضمامه لهذه القوات، إذ إنّه تعرّض لإصابات عدّة في جسمه عندما انفجرت عبوة ناسفة استهدفت مجموعته التي كانت في مهمة اعتيادية في داخل ناحية الرشاد. وقد أدّى ذلك إلى ترك "الصحوة"، خصوصاً أنّها كانت تُستهدف من قبل ما تبقى من خلايا نائمة تابعة لتنظيم "القاعدة".
يخبر طاهر أنّه "في يونيو/ حزيران من عام 2014، دخل تنظيم داعش إلى قريتنا، ورحت أختبئ منهم. فقد وصلني تهديد من عناصر في التنظيم باعتقالي لأنّني كنت في صفوف قوات الصحوة، وكان يتوجّب على أفراد الصحوة جميعاً أن يعلنوا التوبة والتبرّؤ من الصحوة وإلا يُقتلون. إلى ذلك، كان لهم مع عائلتنا ثأرٌ إذ إنّنا تسببنا في حبس عناصر من القاعدة". ويواصل: "عدد كبير من عناصر القاعدة المختفين وغيرهم من المتشددين الذين نعرفهم في منطقتنا انضموا إلى داعش وبدأوا ينتقمون من الذين تسببوا في هزيمة القاعدة، فقتلوا عدداً ليس بقليل من الرجال فضلاً عن اعتقال آخرين وتعذيبهم". ويشير إلى أنّ "عناصر داعش هددوا أعمامي وأقاربي بالقتل إن لم نتنازل في المحكمة عن حقّنا في قضية المجرمين الثلاثة الذين قتلوا والدي. وهذا ما حصل بالفعل، وجرى الإفراج عن اثنَين منهم في حين بقي الثالث لارتكابه جرائم موثقة عدّة".
اقــرأ أيضاً
ويذكر طاهر أنّه نجح في الهروب رفقة عائلته إلى المناطق التي تسيطر عليها قوات البشمركة الكردية في محافظة كركوك، ومنذ ذلك الحين يقيم وعائلته في مخيّم داخل هذه المحافظة. ويؤكّد: "لا شيء أهمّ من الأمان. نعم نعيش في مخيّم لكنّه مؤمّن. واليوم أخرج إلى العمل في المزارع وأعود إلى المخيّم حيث أسرتي ومعي ما تحتاجه". ويكمل: "يفرحني أنّ إخوتي الذين يصغرونني سنّاً يواصلون دراستهم، وأنا أساعدهم في ما يحتاجون إليه حتى يحققوا حلمي الذي لم أستطع تحقيقه في مواصلة الدراسة ونيل أعلى الشهادات".
جيل من المحرومين من الدراسة أنتجته الظروف الأمنية الصعبة التي مرّ بها العراق خلال سيطرة التنظيمات المتشددة على مناطق من البلاد وتحكمهم بمصير سكانها.
طاهر مجبل فاضل يُعِدّ نفسه مثالاً حيّاً على دمار مستقبل جيل كان مقدّراً له أن يكون عمود مستقبل العراق لو أنّه وجد ما يحتاجه من أمن. بالنسبة إليه، فإنّ "الإرهابيين حطّموا آمالاً كبيرة رحت أرسمها منذ طفولتي، واليوم أجد نفسي أمام حقيقة واحدة وهي العمل من أجل كسب قوت عائلتي وتحقيق حلم طفولتي من خلال إخوتي".
قصة طاهر المولود في عام 1994 تبدأ في عام 2007 حين قتل عناصر من تنظيم القاعدة والده، بتهمة التجسس والعمالة لصالح القوات الحكومية العراقية. يقول لـ"العربي الجديد" إنّ "كلّ ما في الأمر هو أنّ والدي كان معروفاً بقناعاته العقائدية المخالفة للتشدد، وبسبب ذلك لم يكن على علاقة ودية مع أشخاص يسكنون في قرى قريبة من قريتنا انضموا إلى تنظيم القاعدة. وهو ما جعلهم يتهمونه بأنّه يوصل أخبار عناصر القاعدة إلى قوى الأمن العراقية".
يضيف طاهر: "نحن نعلم جيداً من كان وراء مقتل أبي. وبعد سيطرة القوات الحكومية على مناطقنا والقضاء على القاعدة، رفعنا في عام 2009 دعوى قضائية ضدّ قتلته. نحن نعرفهم جيداً ولدينا أدلة كافية تدينهم". ويتابع: "هم ثلاثة أشخاص وقد تمّ القبض عليهم لكنّ المحكمة لم تتمكّن إلا من إثبات أنّهم كانوا أدلاء يرشدون عناصر التنظيم إلى الأشخاص الذين يعدّونهم جواسيس، ونالوا حكماً بالسجن 15 عاماً".
لم يدم السلام الذي عاشته قرية كرحة قازان التابعة لناحية الرشاد في محافظة كركوك (شمال) حيث تسكن عائلة طاهر، طويلاً. فعناصر كثر كانوا يوالون تنظيم "القاعدة" اختبأوا في قرى ومزارع تقع جنوبيّ كركوك وفي محافظات أخرى، وراحوا ينتظرون الفرصة المناسبة ليظهروا من جديد. فكان لهم ذلك في يونيو/ حزيران من عام 2014، حين سيطر تنظيم "داعش" على الموصل، ووجود تلك الخلايا النائمة مكّن "داعش" من السيطرة بسرعة على مناطق واسعة في خلال أيام قليلة.
مقتل والده الذي كان ينفق على أسرته من خلال عمله كأجير مياوم في مجال الزراعة، أجبر طاهر على ترك تعليمه والبحث عن عمل يمكّنه من توفير مدخول لأسرة مؤلّفة من خمسة أولاد وأم. فعمل في الزراعة تارة وفي حقول الدواجن تارة أخرى، وفي عام 2011 انضم لقوات "الصحوة" في مقابل مرتب شهري ثابت. يُذكر أنّ "الصحوة" من أبرز أسباب هزيمة "القاعدة"، إذ إنّها تأسست بدعم من القوات الأميركية وتتألّف من قوات شعبية تعمل للدفاع على مناطقها.
لكنّ طاهر لم يكن محظوظاً من جرّاء انضمامه لهذه القوات، إذ إنّه تعرّض لإصابات عدّة في جسمه عندما انفجرت عبوة ناسفة استهدفت مجموعته التي كانت في مهمة اعتيادية في داخل ناحية الرشاد. وقد أدّى ذلك إلى ترك "الصحوة"، خصوصاً أنّها كانت تُستهدف من قبل ما تبقى من خلايا نائمة تابعة لتنظيم "القاعدة".
يخبر طاهر أنّه "في يونيو/ حزيران من عام 2014، دخل تنظيم داعش إلى قريتنا، ورحت أختبئ منهم. فقد وصلني تهديد من عناصر في التنظيم باعتقالي لأنّني كنت في صفوف قوات الصحوة، وكان يتوجّب على أفراد الصحوة جميعاً أن يعلنوا التوبة والتبرّؤ من الصحوة وإلا يُقتلون. إلى ذلك، كان لهم مع عائلتنا ثأرٌ إذ إنّنا تسببنا في حبس عناصر من القاعدة". ويواصل: "عدد كبير من عناصر القاعدة المختفين وغيرهم من المتشددين الذين نعرفهم في منطقتنا انضموا إلى داعش وبدأوا ينتقمون من الذين تسببوا في هزيمة القاعدة، فقتلوا عدداً ليس بقليل من الرجال فضلاً عن اعتقال آخرين وتعذيبهم". ويشير إلى أنّ "عناصر داعش هددوا أعمامي وأقاربي بالقتل إن لم نتنازل في المحكمة عن حقّنا في قضية المجرمين الثلاثة الذين قتلوا والدي. وهذا ما حصل بالفعل، وجرى الإفراج عن اثنَين منهم في حين بقي الثالث لارتكابه جرائم موثقة عدّة".
ويذكر طاهر أنّه نجح في الهروب رفقة عائلته إلى المناطق التي تسيطر عليها قوات البشمركة الكردية في محافظة كركوك، ومنذ ذلك الحين يقيم وعائلته في مخيّم داخل هذه المحافظة. ويؤكّد: "لا شيء أهمّ من الأمان. نعم نعيش في مخيّم لكنّه مؤمّن. واليوم أخرج إلى العمل في المزارع وأعود إلى المخيّم حيث أسرتي ومعي ما تحتاجه". ويكمل: "يفرحني أنّ إخوتي الذين يصغرونني سنّاً يواصلون دراستهم، وأنا أساعدهم في ما يحتاجون إليه حتى يحققوا حلمي الذي لم أستطع تحقيقه في مواصلة الدراسة ونيل أعلى الشهادات".