ما زال ملف الجامعات في الأردن حديث الطلبة الذين يعانون من رسوم مرتفعة لتخصصات يرغبون بها وتناسب معدلاتهم والعائق بينهم وبين ذلك "سعر الساعة" الذي يتجاوز قدرتهم المالية، والطالب الذي يسجل في برنامج التنافس أو الموازي يتعرض "لأزمة" تسديد رسوم السنة الدراسية من ناحية ومعضلة "التخصصات المشبعة" في سوق العمل من ناحية أخرى.
ومن هنا كان لـ"العربي الجديد" حديث مع نائب عميد كلية الإعلام في جامعة اليرموك، الدكتور خلف الطاهات، وسؤاله عن غياب استحداث تخصصات جديدة تواكب متطلبات سوق العمل وتعالج معضلة الخريجين لتأمين فرص عمل.
يقول الطاهات إن: "هناك جملة أسباب من أهمها غياب التخطيط الحقيقي لقراءة مخرجات التعليم العالي واستمرار إغراق الساحة المحلية بمخرجات تنتمي إلى تخصصات تقليدية هدفها الحصول على شهادة علمية دون حاجة فعلية لسوق عمل، مما أدى الى تراكم حملة الشهادات، وأيضاً الجامعات الأردنية كانت تمد دول الخليج بخريجين ينتمون إلى تخصصات تحتاجها سوق العمل الخليجية بشكل رئيسي، وظل هذا الأمر إلى أن بدأت دول الخليج بتأسيس هذه البرامج الأكاديمية واستقطاب كفاءات أكاديمية عربية ودولية فاقت التخصصات الأردنية بكل مستوياتها".
ويوضح أن: "أهم هذه الأسباب يعود لمرجعيات التعليم العالي في الأردن، حيث إنها لا تقوم بما يكفي من تنسيق مع أصحاب سوق العمل ورؤساء الجامعات وديوان الخدمة المدنية في مراجعة التخصصات الراكدة والمطلوبة لاتخاذ ما يلزم من قرارات في ربط مخرجات التعليم بسوق العمل".
وبسؤاله عن رفع الرسوم بشكل دوري في الجامعات، يتابع الطاهات: "لا أعتقد أن الجامعات الحكومية تحديداً تميل إلى رفع الرسوم الدراسية من عام لآخر رغبة في التجارة، قد يكون هذا الكلام جزئياً صحيحاً في الجامعات الخاصة، لأن الاستثمار في التعليم بالنسبة لهم هو تجارة".
الجامعات الحكومية رسومها الدراسية مقبولة، وهناك جامعات حكومية عمرها يمتد إلى أكثر من أربعين عاماً، لا يزال كثير من تخصصاتها يكلف أقل من 10 دولارات أميركية "8 دنانير" للساعة، لكن ما يحصل في الحقيقة أن بعض الجامعات الحكومية تقوم بمراجعة الاعتماد العام والخاص لبعض برامجها بناء على طلب التعليم العالي، وهذا الاعتماد الجديد يتطلب متطلبات جديدة أكثر كلفة من السابق وهو ما يدفع بعض الجامعات إلى رفع نسبي معقول لساعات التخصصات التي يتم اعتمادها حديثاً لتغطية النفقات.
وبخصوص معاناة الخريجين من ضعف التطبيق عند انطلاقه لسوق العمل، يؤكد نائب عميد كلية الإعلام في جامعة اليرموك الأردنية، أنه: "يعاني الخريج الجديد من ضعف تطبيقي لأن كثيراً من التخصصات "العملية" للأسف يتم تدريسها في سياقات نظرية مملة ومتعبة للطالب. والسبب الرئيس في ذلك أن آليات تعيين أعضاء هيئة التدريس لا تأخذ بعين الاعتبار "الخبرة المهنية" لعضو هيئة التدريس".
ويضيف: "بالرغم من أن أغلب توصيفات المساقات المعتمدة في الجامعات وخاصة للتخصصات التطبيقية تتضمن أكثر من 60% توصيفاً "عملياً" يتطلب تدريسها بأسلوب تطبيقي لكن الواقع كلياً مختلف".
ويتابع: "لهذا تكون مخرجات بعضٍ من هذه التخصصات التطبيقية "ضعيفة" ويلجأ كثير من الطلبة إلى الدورات التدريبية بعد التخرج لاستكمال ما لم يستطع بعض أعضاء الهيئات التدريسة غير المؤهلين، لتدريس المساقات العملية، أن يمنحوا خبراتهم للطلبة.
وبحسب الطاهات فإن "الجودة قد دخلت أخيراً إلى جامعاتنا الأردنية، وحينما وجدت في بعض الوحدات كان حضورها شكلياً لأغراض البرستيج والديكور، أما الآن فأعتقد أن مستوى الجدية التي توليها إدارات الجامعات في موضوع الجودة يؤكد أن روح التنافسية في تطوير وضمان تحقيق التخصصات والبرامج هو الأساس".
وبشأن تقرير البنك الدولي حول التعليم في الأردن الذي أشار إلى أزمة أداء تعليمي من الكوادر التعليمية مما انعكس على أداء الطلبة، يقول الطاهات إنه: "باعتقادي أن للأردن تجربة غنية وعميقة باستقبال اللاجئين وتعاملت مع موجات اللجوء التاريخية بكل كفاءة واقتدار. وهذا لا يقلل حجم الضغط على البنى التحتية وبالتالي على المعلم نفسه وعلى حجم الحصة الدراسية، لكن الأكيد أن موجات اللجوء للأردن أثّرت قاعات الصف والتدريس بنوعيات مميزة جادة راغبة في التعليم.. في جامعة اليرموك وبالنظر على سبيل المثال لبعض الطلبة اللاجئين ممن أتيحت لهم فرصة".
ويؤكد أن "مسؤولية التعليم هي مسؤولية جماعية ومجتمعية لا يتحمل طرف مسؤوليتها دون الآخر.. التعليم هو أخطر ملفات تنمية المجتمعات وتراجعه له آثارٌ مدمرة على الأوطان ولهذا حلقة المسؤولية في الحالة الأردنية تتسع لتشمل كافة الأطراف من رسمية وأكاديمية ومجتمعية".
رأي الطلبة
وبالحديث مع طلاب "كلية الهندسة التكنولوجية _ البولتيكنك " وسؤالهم عن حرمانهم دخول امتحان "second" لعدم تسديد الرسوم كاملة وتراجع الجامعة عن قرار منعهم، يقول أحد الطلاب لـ"العربي الجديد"، إن الجامعات تفتقد لمراعاة الطالب وظروفه الاقتصادية وتقوم بمساومة حقها بالرسوم بحقه بالدراسة وهو الأمر الذي يشكل عبئاً نفسياً ومعنوياً على أدائنا الأكاديمي في الجامعات.
ويتم طرد طلبة من قاعة الامتحان إذا لم يكونوا حاصلين على "براءة ذمة مالية". يطردون أمام زملائهم ولا تعلم الجامعة مدى التأثير السلبي لهذه التصرفات.
وفي ما يتعلق بالعدول عن قرار منع الطلبة من تقديم الامتحان، يقول أحد الطلبة: "قمنا نحن الطلبة وممثلي الأقسام في كلية الهندسة بلقاء عميد الكلية، وتم التراجع عن القرار، ولكننا نوجه سؤالاً إلى جامعاتنا الأردنية والمعنيين بالأمر، إلى متى سنبقى ندفع ثمن علمنا بهذه التكلفة وهذه الآلية؟
وفي سؤال دكتور سليمان العباس دكتور اللغة الإنكليزية في الجامعة العربية المفتوحة عن هذه القضية يقول لـ"العربي الجديد": يدور جدل كبير متعدد الجوانب حول مسألة حرمان الطلبة الذين لم يسددوا رسومهم الدراسية سواء على مستوى المدارس أو الجامعات من تقديم امتحاناتهم، أو حجز شهاداتهم عند تخرجهم من الجامعات.
والحقيقة أن هذه المسألة تتداخل فيها جوانب إنسانية وقانونية. فمن ناحية إنسانية هناك شعور مؤلم حين يضطر طالب لدفع ثمن سوء ظروف أهله، أو تهربهم ولكن من ناحية أخرى، لا بد من أخذ وضع المؤسسة التعليمية بعين الاعتبار، فالمدرسة أو الجامعة ليست جمعية خيرية، وإنما هي مؤسسة لديها الكثير من الالتزامات المالية التي ينبغي عليها الوفاء بها، كما أنه من حق المستثمرين في المجال التعليمي أن يحققوا مستوى معيناً من الربح، شأنهم في ذلك شأن من يستثمر في أي مجال، وفي هذه الحالة يضطرون إلى اللجوء لكل الطرق التي تضمن لهم حقوقهم. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الأصل أن يقدر الأهل وضعهم المادي ويعملوا على تسجيل أبنائهم في المؤسسات التعليمية التي تتناسب مع إمكاناتهم.
والجدير بالذكر، أن القوانين لا تسمح بحجز شهادات الطلبة أو حرمانهم من الامتحانات بسبب تقصيرهم في دفع الرسوم، وتعتبر أن هذه مسألة قانونية يتم اللجوء فيها للقضاء. وللأسف يستغل كثيرون من الأهالي هذا الجانب للتهرب المتعمد من دفع الرسوم.
خلاصة القول، إن الأمر بحاجة إلى إجراءات منصفة من قبل الجهات الرسمية بحيث تضمن حقوق المؤسسات التعليمية، وفي الوقت ذاته لا تشكل عائقاً أمام فرص تقدم الطلبة لمستويات أعلى.