02 نوفمبر 2024
طهران لا تعبأ بعدو مثل كورونا
بين الدول في الشرق والغرب التي ابتليت بالفيروس التاجي، تميز التعامل الإيراني الرسمي مع الوباء بمزيج من الإنكار واللامبالاة والاستخفاف، علاوة على افتقاد الشفافية والتحكّم بالمعلومات ومصادرها، وغضّ النظر عن التجمعات، خصوصا في المراحل المبكّرة والأولى .. ولم يحمل هذا السلوك مفاجأة تُذكر، فالصحة العامة وسلامة المجتمع والحياة البشرية برمتها ليست من القضايا التي يُؤبه بها في بلد الإعدامات، مقارنة بأجندة التسلط على المجتمع، وبسط النفوذ في الإقليم وعسكرة السياسة الخارجية، ومذهبتها. وبينما كان العالم يتسابق إلى اتخاذ إجراءات العزْل والحجر، حافظت طهران على جذب التجمعات الدينية إلى قم، وأوفدت الوفود إلى كربلاء والنجف في العراق، وإلى بيروت، حيث معقل حزب الله، ذراعها الرئيسة في الإقليم، وقد حرص هذا الحزب على استخدام سطوته لإبقاء خط الطيران قائما مع طهران في الأسابيع الأولى لانتشار الوباء، على الرغم من أن إيران كانت من أوائل البلدان التي تفشّى فيها هذا الوباء منذ يناير/ كانون الثاني الماضي. وقد نشط خلال ذلك رجال دين في طهران في ابتداع وصفاتٍ لقتل الفيروس من التراب إلى بول البعير إلى زيوت مجهولة، فيما كان الضحايا يتساقطون، وفيما كانت شركة طيران إيرانية (ماهان) تواصل رحلاتها المعتادة إلى الصين بؤرة المرض الأولى. ويستخفّ زعماء هذا البلد في إجراءات الحجْر والإغلاق، ويعتبرونها مؤامرة على الاقتصاد الإيراني، ومن هؤلاء رئيس الجمهورية، حسن روحاني، الذي نُسب إليه القول إن بلاده يمكن أن تضحّي بمليوني إيراني على أن تسمح بشلّ اقتصادها أو إضعافه.
وبينما تُبدي سائر الدول قلقا مشروعا من انتشار الوباء، ومدى تأثيره المدمر على مختلف أوجه الحياة، فإن مسؤولين في طهران "يتفاءلون" بالوباء، كونه أصاب الولايات المتحدة إصابات بليغة وجسيمة، ما قد يُضعف من مجمل قدراتها. والحق أن الدولة العظمى ثبت فشل نظامها الصحي في التعامل مع الجائحة، وهو ما تكشف عنه السرعة الهائلة في انتشار الوباء بأرقام قياسية
مفزعة. وقد احتاجت الولايات المتحدة إلى مساعدات لتأمين مستلزماتها الطبية، غير أن المرض لم يوقف انتشاره السريع. ومع هذه الصورة القاتمة التي تكشف خللا بنيويا في النظام الصحي الأميركي عموما، وبمواجهة الأوبئة الفتاكة على الخصوص، فإنه يحسب لهذا البلد أنه لا يعمد إلى التستر على أعداد المصابين والضحايا، ولا يقلل من خطورة الوباء، ومن منحه مرتبةً متقدّمة في الأولويات الرسمية، خلافا للموقف الإيراني.
ومن المفارقات أنه في وقتٍ رأت دوائر إيرانية ظهور كورونا مؤامرة أميركية ضد الصين وإيران، وأن الفيروس مصمم لاستهداف جينات شعبي البلدين دون سواهما، إلا أن مسؤولين في طهران لا يكتمون مراهنتهم الضمنية على أن يتمكّن الوباء من الجنود الأميركيين. وهو ما عبّر عنه الناطق باسم القوات المسلحة، أبو الفضل الشكرجي، عندما دعا المسؤولين الأميركيين إلى إنقاذ جنودهم (جنود البحرية) في مياه الخليج من الوباء، وذلك في معرض ردّه على تهديدات الرئيس دونالد ترامب بقصف زوارق إيرانية، تقترب بصورة خطيرة من سفن أميركية. وكأن النظام الصحي الإيراني يضمن سلامة الجنود وأعضاء الحرس الثوري وبقية المؤسسات، بعد أن أصاب المرض 25 نائبا في البرلمان، بمن فيهم رئيسه علي لاريجاني. وتشير شواهد عدة إلى أن إيران تخفي الواقع المأساوي لانتشار المرض، وتتعامل معه باستخفاف، وبطريقة الزجر العسكري للشبح الضئيل المستتر!
وفيما يجري رصد الميزانيات في الدول للتعامل مع المرض، وتداعياته الاقتصادية والاجتماعية، فإن طهران تنشغل، في هذه الأثناء، بالاستعراضات العسكرية، بصرف النظر عن الكلفة المالية، ومنها إطلاق قمر صناعي باسم نور، وباستخدام تكنولوجيا باليستية بعيدة المدى، قابلة لأن تستخدم في إطلاق صواريخ رؤوس حربية نووية، وفي طواف القائد الجديد لفيلق القدس في الحرس الثوري، إسماعيل قاآني، في العراق وسورية، مطمئنا على وضع مليشياته وأذرعه المسلحة في البلدين، في ضمان تمدد النفوذ الايراني وسيطرته على القرار السياسي فيهما، وصولا إلى بلد ثالث هو لبنان، وحتى بالقيام بزيارات وجاهية (توقّف عنها مسؤولو العالم) كالتي أدّاها وزير الخارجية، محمد جواد ظريف، إلى دمشق قبل أيام، ولقائه رئيس النظام هناك، وذلك دعما لمجمل سياسات النظام الداخلية والخارجية في وجه انتقادات روسية قوية لها أخيرا.
وهكذا، فإن حال الطوارئ الصحية والعامة التي تعيشها دول العالم ومجتمعاته لا تنسحب على بلد مثل إيران (وتضاهيها في ذلك، وبدرجات، إسرائيل وكوريا الشمالية وغيرهما، بما يتعلق بالأجندة الحربية والسياسية)، إذ لا شيء يتغير على الأجندة الإيرانية، على الرغم من المخاوف الشائعة التي تنطوي عليها تصريحات منظمة الصحة العالمية المتواترة عن إقامة طويلة للفيروس في
عالمنا، مع ما لذلك من تبعات جسيمة. بل يتسابق المسؤولون الإيرانيون في التهوين من خطر الوباء، وفي الإيحاء بصمود أجندتهم التوسعية في هذه الظروف من دون أي تغيير. ومن ذلك ما نشر، قبل أيام، عن إقامة مقار لكتائب حزب الله العراقي قي قلب العاصمة بغداد، بتسهيلاتٍ من حكومة عادل عبد المهدي لتصريف الأعمال. والغرض هو توتير الأجواء وإرساء واقع عسكري جديد، يوازي الوجود العسكري النظامي لمصلحة المليشيات، والضغط على رئيس الحكومة المكلف، مصطفى الكاظمي، الذي أعلن أن "السيادة خط أحمر"، مع إثارة مواجهات مع الوجود الأميركي في العراق لحساب إيران، وليس بطبيعة الحال لمصلحة الشعب العراقي الذي يتطلع لخروج كل القوات الأجنبية، ووقف كل تدخل خارجي، بما فيه الإيراني، وهو ما تنبئ به الاحتجاجات العراقية التي عادت مظاهرها إلى شوارع العاصمة بغداد. وليس بعيدا عن ذلك ما تبديه مليشيات الحوثيين في اليمن، وهي ذراع أخرى لإيران، برفض الهدنة المرعية دولياً، وانتهاكها بصورة يومية، مع إبداء اللامبالاة التامة تجاه خطر انتشار الوباء في ربوع اليمن، ما يفاقم مأساة شعبه.
وبهذا، للعالم أن ينشغل بالدفاع عن المخاطر التي تتهدّد الحياة البشرية، أما نظام رجال الدين في طهران فلهم "عالم آخر".
ومن المفارقات أنه في وقتٍ رأت دوائر إيرانية ظهور كورونا مؤامرة أميركية ضد الصين وإيران، وأن الفيروس مصمم لاستهداف جينات شعبي البلدين دون سواهما، إلا أن مسؤولين في طهران لا يكتمون مراهنتهم الضمنية على أن يتمكّن الوباء من الجنود الأميركيين. وهو ما عبّر عنه الناطق باسم القوات المسلحة، أبو الفضل الشكرجي، عندما دعا المسؤولين الأميركيين إلى إنقاذ جنودهم (جنود البحرية) في مياه الخليج من الوباء، وذلك في معرض ردّه على تهديدات الرئيس دونالد ترامب بقصف زوارق إيرانية، تقترب بصورة خطيرة من سفن أميركية. وكأن النظام الصحي الإيراني يضمن سلامة الجنود وأعضاء الحرس الثوري وبقية المؤسسات، بعد أن أصاب المرض 25 نائبا في البرلمان، بمن فيهم رئيسه علي لاريجاني. وتشير شواهد عدة إلى أن إيران تخفي الواقع المأساوي لانتشار المرض، وتتعامل معه باستخفاف، وبطريقة الزجر العسكري للشبح الضئيل المستتر!
وفيما يجري رصد الميزانيات في الدول للتعامل مع المرض، وتداعياته الاقتصادية والاجتماعية، فإن طهران تنشغل، في هذه الأثناء، بالاستعراضات العسكرية، بصرف النظر عن الكلفة المالية، ومنها إطلاق قمر صناعي باسم نور، وباستخدام تكنولوجيا باليستية بعيدة المدى، قابلة لأن تستخدم في إطلاق صواريخ رؤوس حربية نووية، وفي طواف القائد الجديد لفيلق القدس في الحرس الثوري، إسماعيل قاآني، في العراق وسورية، مطمئنا على وضع مليشياته وأذرعه المسلحة في البلدين، في ضمان تمدد النفوذ الايراني وسيطرته على القرار السياسي فيهما، وصولا إلى بلد ثالث هو لبنان، وحتى بالقيام بزيارات وجاهية (توقّف عنها مسؤولو العالم) كالتي أدّاها وزير الخارجية، محمد جواد ظريف، إلى دمشق قبل أيام، ولقائه رئيس النظام هناك، وذلك دعما لمجمل سياسات النظام الداخلية والخارجية في وجه انتقادات روسية قوية لها أخيرا.
وهكذا، فإن حال الطوارئ الصحية والعامة التي تعيشها دول العالم ومجتمعاته لا تنسحب على بلد مثل إيران (وتضاهيها في ذلك، وبدرجات، إسرائيل وكوريا الشمالية وغيرهما، بما يتعلق بالأجندة الحربية والسياسية)، إذ لا شيء يتغير على الأجندة الإيرانية، على الرغم من المخاوف الشائعة التي تنطوي عليها تصريحات منظمة الصحة العالمية المتواترة عن إقامة طويلة للفيروس في
وبهذا، للعالم أن ينشغل بالدفاع عن المخاطر التي تتهدّد الحياة البشرية، أما نظام رجال الدين في طهران فلهم "عالم آخر".