05 نوفمبر 2024
ظهر تونس وكتفاها
محمد طلبة رضوان
يظهر عبد الفتاح السيسي، منذ واقعة محمد علي، أكثر من إعلامييه. يفتعل المؤتمرات، والندوات، ويمسك بالميكروفون، ويتحدث كثيرا عن نفسه، يحلف على شرفه، على نزاهته، على صدقه، ويحذّر من المؤامرات، من الهواتف المحمولة التي تتآمر، من مواقع التواصل التي تتآمر، من المواقع الصحافية (المحجوبة في مصر) التي تتآمر، من القنوات الإخبارية التي تتآمر، قنوات قطر، وتركيا، القنوات الأوروبية، الأميركية. الكون كله يتآمر. يتذمر السيسي من تصديق المصريين خصومه، ويطالبهم بالدعم والتأييد، وإلا سيلقون مصير سورية، لا يسأله أحد، لكنه يجيب: نعم مطمئن، مصر مذكورة في القرآن، تجلى الله فيها، ولذلك مطمئن.. اللهم قوِّ إيمانك، يا ريس، سآخذ حقي عند ربنا، كأن القصور لا تكفي، والله العظيم نحن أقوياء، والله العظيم عندنا إنجازات فوق الخيال. يلوم المصريين لأنهم لم يروا الإنجازات. دعموا جمال عبد الناصر وطالبوه بالبقاء في "قمة الهزيمة"، كما يقول، فيما يطالبونه هو بالرحيل في "قمة النصر".. أي نصر؟ لا يخبرنا السيسي، ولكن علينا أن نعرف بأنفسنا، فنحن منتصرون، من دون أن نشعر!
يحمّل السيسي المصريين مسؤولية كل شيء، ويرى الحل في استسلامهم لأي شيء. يقول ذلك بصريح العبارة: من فعل بسورية؟ يطرح السؤال، وينتظر الإجابة من مؤيديه. لا تأتيه. يبدو أن السؤال عارض، عفوي، لم يتفقوا. يجيب بنفسه: أهلها، ليس بشار الأسد، إنما السوريون هم من دمّروا بلادهم.. السوريون هم من استدعوا الروس، السوريون هم من استدعوا إيران، السوريون هم من ألقوا البراميل المتفجرة على أنفسهم، السوريون هم من هجّروا أنفسهم، السوريون هم من حوّلوا المطالبة برحيل الأسد من مظاهرات سلمية طوال ثمانية أشهر، إلى ساحة حرب، فاتركوني أحكمكم، كي لا أفعل بكم ما فعله بشار بهم، ثم أحمّلكم المسؤولية كاملة.
تذكّرت عادل إمام، في المشهد العبقري من مسرحية "الزعيم"، وهو يدعو الله أن يخرب بيت "الشعوب كلها"، ليريح الزعماء المساكين من همّهم. كان رئيس المخابرات، في المسرحية، يجلس فوق رأسه، وقوات الجيش المسلحة تحاصر بيته. ولذلك كان مبرّرا أن يدعو على نفسه، وعلى شعبه. السيسي يفعل الآن الشيء نفسه مع ملايين المصريين، ابتداءً من تفتيش موبايلاتهم مرورا باقتحام بيوتهم واختطافهم، وصولا إلى تصفيتهم، لو لزم الأمر، أو لم يلزم. وعلى الرغم من ذلك لم يتصالحوا مع فكرة أنهم المسؤول الأول، والوحيد، عن بؤسهم، ويدعون على أنفسهم مثلما فعل الممثل الوطني، فلماذا؟ دفعنا لكم ثمن تهجيركم من بيوتكم، يا مصريين. جمال عبد الناصر لم يفعل. لا يكتفي السيسي بمقارنة نفسه بعبد الناصر، بل يرى أنه أفضل! دفعنا لكم ثمن محطات الكهرباء، يا مصريين، دفعنا لكم ثمن تحويل مياه المجاري إلى مياه شرب، يا مصريين، أليس لهذه المليارات نهاية؟ يتساءل السيسي، فيصفق "المدفوع لهم".
في صفاقةٍ، ووضاعةٍ، غير مسبوقةٍ، من مسؤول مصري، يتحدّث السيسي عن مصر، فيقول إنها تعرّت، عرّت ظهرها، وكتفيها. يشبّه بلاده التي يحكمها بالعاهرة، لأنها سمحت لنفسها أن تثور على حسني مبارك. يحذّر من تكرار فعل الثورة معه، وإلا سيحدث لكم أكثر من سورية، يا مصريين.. كل هذه البذاءة في مواجهة هتافاتٍ لم تكتمل، كل هذا الذعر إزاء مظاهرات لم تكتمل، كل هذه الاعتقالات، واختطاف الفتيات، وتعذيبهن، (يا واطي)، خشية ثورةٍ لم تزل فكرة، هذا هو النظام القوي المستقر الآمن المطمئن إذن!
لا يخبرنا السيسي لماذا لا يتعرّى ظهر تونس وكتفاها. ثلاثة انتقالات سلسة للسلطة، صناديق وانتخابات، وجيش يحمي الكعكة ولا يقتسمها، وملايين المواطنين في الميادين، يغنون لثورتهم. لماذا نحن مخيّرون بينه أو أن نكون سورية، لماذا لا نكون تونس؟ الفرق ليس بين المصريين والتوانسة. المواطنون بالأخير يحلمون، ويحاولون. المواطن فرد، لا قبل له بمواجهة دولة. لا يخبرنا السيسي لماذا نجحوا ولماذا فشلنا. لا توجد ثورات ناجحة من دون جيوش منحازة. انحاز الجيش التونسي بصدق، وانحاز الجيش المصري بـ"سيسي"، فكان ما كان.. هانت.
تذكّرت عادل إمام، في المشهد العبقري من مسرحية "الزعيم"، وهو يدعو الله أن يخرب بيت "الشعوب كلها"، ليريح الزعماء المساكين من همّهم. كان رئيس المخابرات، في المسرحية، يجلس فوق رأسه، وقوات الجيش المسلحة تحاصر بيته. ولذلك كان مبرّرا أن يدعو على نفسه، وعلى شعبه. السيسي يفعل الآن الشيء نفسه مع ملايين المصريين، ابتداءً من تفتيش موبايلاتهم مرورا باقتحام بيوتهم واختطافهم، وصولا إلى تصفيتهم، لو لزم الأمر، أو لم يلزم. وعلى الرغم من ذلك لم يتصالحوا مع فكرة أنهم المسؤول الأول، والوحيد، عن بؤسهم، ويدعون على أنفسهم مثلما فعل الممثل الوطني، فلماذا؟ دفعنا لكم ثمن تهجيركم من بيوتكم، يا مصريين. جمال عبد الناصر لم يفعل. لا يكتفي السيسي بمقارنة نفسه بعبد الناصر، بل يرى أنه أفضل! دفعنا لكم ثمن محطات الكهرباء، يا مصريين، دفعنا لكم ثمن تحويل مياه المجاري إلى مياه شرب، يا مصريين، أليس لهذه المليارات نهاية؟ يتساءل السيسي، فيصفق "المدفوع لهم".
في صفاقةٍ، ووضاعةٍ، غير مسبوقةٍ، من مسؤول مصري، يتحدّث السيسي عن مصر، فيقول إنها تعرّت، عرّت ظهرها، وكتفيها. يشبّه بلاده التي يحكمها بالعاهرة، لأنها سمحت لنفسها أن تثور على حسني مبارك. يحذّر من تكرار فعل الثورة معه، وإلا سيحدث لكم أكثر من سورية، يا مصريين.. كل هذه البذاءة في مواجهة هتافاتٍ لم تكتمل، كل هذا الذعر إزاء مظاهرات لم تكتمل، كل هذه الاعتقالات، واختطاف الفتيات، وتعذيبهن، (يا واطي)، خشية ثورةٍ لم تزل فكرة، هذا هو النظام القوي المستقر الآمن المطمئن إذن!
لا يخبرنا السيسي لماذا لا يتعرّى ظهر تونس وكتفاها. ثلاثة انتقالات سلسة للسلطة، صناديق وانتخابات، وجيش يحمي الكعكة ولا يقتسمها، وملايين المواطنين في الميادين، يغنون لثورتهم. لماذا نحن مخيّرون بينه أو أن نكون سورية، لماذا لا نكون تونس؟ الفرق ليس بين المصريين والتوانسة. المواطنون بالأخير يحلمون، ويحاولون. المواطن فرد، لا قبل له بمواجهة دولة. لا يخبرنا السيسي لماذا نجحوا ولماذا فشلنا. لا توجد ثورات ناجحة من دون جيوش منحازة. انحاز الجيش التونسي بصدق، وانحاز الجيش المصري بـ"سيسي"، فكان ما كان.. هانت.
مقالات أخرى
29 أكتوبر 2024
22 أكتوبر 2024
15 أكتوبر 2024