قبل عام تقريباً، تمكن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، ومن خلال دعايته الانتخابية، التي قامت على التحريض العنصري ضدّ العرب في الداخل، والتلويح بتطرف قومي فاشي، من إحراز نصر في الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية وتكريس قوة حزبه "الليكود" بـ30 مقعداً. سرعان ما بدأ التراجع بعدها، في دائرة مؤيديه لصالح القوى الأكثر تطرفاً وفاشية لدى الاحتلال، ممثلة بحزب "البيت اليهودي"، الذي ربح، بحسب آخر استطلاع أجري السبت ونشرت نتائجه القناة الثانية، ثلاثة مقاعد إضافية، وحزب "ليبمان"، الذي استعاد مقعدين، وارتفع عدد مقاعده إلى 8.
اقرأ أيضاً: اغتيال عمر النايف... اتهام الموساد والمسؤولية الفلسطينية
وفي قراءة للعام الأول من حكومته الرابعة، فإن أول ما يتبادر إلى الذهن، هو غلو نتنياهو في إشهار مواقفه العنصرية ضدّ العرب في إسرائيل، وضد الفلسطينيين عموماً، مع إطلاق يد وزراء حكومته في التحريض الفاشي، المشبع بالتطرف الديني القومي. وتمثل ذلك في أكثر من مناسبة، في دعوات أعضاء الكنيست ووزراء حكومة الاحتلال لتكريس تقسيم زماني ومكاني في المسجد الأقصى المبارك، على غرار ما قام به الاحتلال في الحرم الإبراهيمي في الخليل.
داخلياً
وعلى الصعيد الداخلي، سجلت حكومة نتنياهو خطوات ملموسة في حربها على الفلسطينيين في الداخل، بدءاً من تحريض نتنياهو المتواصل ضدّ الأحزاب العربية والناخبين العرب، كما حصل يوم الانتخابات عندما أعلن أن "العرب يتدفقون بكميات كبيرة على صناديق الاقتراع"، مروراً بقرار الكابينيت السياسي والأمني بإخراج الحركة الإسلامية، بقيادة رائد صلاح، عن القانون، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، وما تبع ذلك من دعوات صريحة من نتنياهو نفسه لإخراج نواب التجمع الوطني الديمقراطي (جمال زحالقة وحنين زعبي وباسل غطاس) من الكنيست، بسبب دعمهم لحق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال. ثم استغلال عملية تل أبيب للتحريض بشكل سافر على مجمل فلسطينيي الداخل، وهو ما أعطى ضوءاً أخضر لسيل من التحريض الفاشي العنصري ضد العرب في الداخل وضد الشعب الفلسطيني في العموم.
وبموازاة هذه الحملة الشرسة ضدّ فلسطينيي الداخل، انبرى نتنياهو (نتيجة فشله في وقف الاتفاق الدولي مع إيران)، في شنّ حرب دعائية منهجية لتبرير جرائم الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية والقدس المحتلة، بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية، تقوم على محاولات المساواة بين المقاومة الإسلامية في غزة والمقاومة الفلسطينية عموماً، مع تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، واستغلاله لهذا الخط لتصوير دولة الاحتلال وكأنها في حالة دفاع عن النفس في وجه الإسلام المتطرف، بشقيه السني والشيعي.
وإذا كان نتنياهو فقد، بحسب استطلاعات الرأي، من تقدير الإسرائيليين له باعتباره "الأقوى في مواجهة حماس"، فإنه مع ذلك لا يزال يشكل عملياً الشخص الوحيد، في الظروف الحالية في إسرائيل، القادر على تشكيل أي حكومة مقبلة، لعدم وجود بديل له سواء من اليسار والوسط، أو حتى داخل حزبه ومعسكر اليمين، وذلك على الرغم من فشله في القضاء على الانتفاضة الفلسطينية.
وفي هذا السياق، برزت هذا العام فجوة بين مواقف القيادات العسكرية في إسرائيل، ومواقف القيادة السياسية الممثلة بالحكومة في أكثر من ملف، أهمها في تأكيد المؤسسة العسكرية على أن إيران، وخلافاً لادعاءات نتنياهو، ستكون شديدة الحرص على الوفاء بتعهداتها في الاتفاق النووي مع الدول الغربية. وأيضاً في الملف الفلسطيني، إذ تؤكد القيادات العسكرية أن الانتفاضة الفلسطينية ستستمر، وأنه لا يمكن القضاء عليها بحل عسكري وبدون إطلاق مبادرة سياسية.
خارجياً
وعلى صعيد السياسة الخارجية، فإن نتنياهو في العام الأول لحكومته الرابعة، وبعدما أصرّ على خط المواجهة مع إدارة باراك أوباما، على خلفية الملف الإيراني، اعتمد في المقابل سياسة بناء التحالفات الإقليمية المختلفة، وأهمها التحالف الثلاثي بين قبرص واليونان وإسرائيل، الذي توج في مؤتمر القمة الثلاثي في قبرص في 27 يناير/ كانون الثاني الماضي، إضافة إلى إعلان اللوبي الإسرائيلي – الأفريقي، قبل أسبوعين، تتويجاً لعلاقات التحالف المتينة التي أقامتها حكومة الاحتلال في أفريقيا، ناهيك عن تعاون وثيق مع عدد من دول أوروبا الشرقية سابقاً، وفي مقدمتها رومانيا (التي يصل رئيسها اليوم في زيارة رسمية لفلسطين المحتلة) وبلغاريا وبولندا.
وهدف نتنياهو من وراء سياسة العلاقات الثنائية مع هذه الدول، وإقامة التحالفات، يتمثل في كسر مواقف الكتل الدولية، (كالاتحاد الأوروبي) في حالة وجود موقف مناهض لسياسات إسرائيل، وتفتيت هذه المواقف من خلال بناء علاقات ثنائية مؤيدة لإسرائيل (كما حدث عند تصريح المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الشهر الماضي بأن الوقت الحالي ليس أوان العمل لحل الدولتين، وهو موقف استغله نتنياهو لمواجهة إطلاق المبادرة الفرنسية). يأتي ذلك بموازاة تجنيد الاستثمار الإسرائيلي والدعم الإسرائيلي لدول أفريقية لجهة تصويت هذه الدول لصالح إسرائيل في المؤسسات الدولية. وهو ما أعلنه نتنياهو صراحة في مراسم إطلاق "اللوبي الإسرائيلي الأفريقي" في الكنيست الأسبوع الماضي.
ولعل أبرز ما حققه نتنياهو خلال العام الأخير، منذ الانتخابات الإسرائيلية، هو تكريس التنسيق الأمني مع روسيا في سورية، وتوصله إلى اتفاق مع روسيا لإقامة لجنة عسكرية مشتركة للطرفين لتنسيق تقاسم الأجواء السورية، بحجة تفادي وقوع مواجهات أو معارك جوية بين إسرائيل وروسيا، كعبرة لحادثة إسقاط تركيا لمقاتلة روسية اخترقت أجواء تركيا.
وتطور هذا التنسيق الأمني الإسرائيلي الروسي في الأسابيع الأخيرة إلى نوع من التفاهم بين البلدين في الخطوط العريضة للحل في سورية، مع إبراز لـ"الخطوط الحمراء" الإسرائيلية في سورية. بدليل ما أعلنته صحف إسرائيلية أن إسرائيل أبلغت روسيا مسبقاً بأمر عملية اغتيال سمير القنطار، مع ما رافق هذه العملية من إطلاق صواريخ موجهة في المنطقة التي انتشرت فيها شبكات الرصد والرادار الروسية، وبرغم وجود بطاريات روسية من طراز "إس 400".
في الخلاصة، فإن الصورة الداخلية في إسرائيل، بعد عام من الانتخابات، لا تشي في الوقت الحالي بقرب سقوط حكومة نتنياهو الرابعة. بل إن أحد المعلقين الإسرائيليين، عميت سيجل، رأى أن نتائج الاستطلاع الأخير، وحقيقة تراجع قوة حزب وزير المالية موشيه كاحلون، قد تدفع الأخير إلى إبداء حرص أكبر على الائتلاف الحالي، والموافقة على تمرير ميزانية لعامين، بدلاً من المراهنة على انتخابات جديدة.
اقرأ أيضاً: التحالف القبرصي اليوناني الإسرائيلي: محاصرة تركيا أولاً