عبد الفتاح القرموطي

24 نوفمبر 2015
+ الخط -
في مصر مذيع شهير، اسمه جابر القرموطي، لكن شهرته من تلك التي تتفرد بها المحروسة، فالناس في مصر يشتهرون بطريقة عكسية، إما لفرط جرائمهم (بالتأكيد نعرف من هو)، أو وقاحتهم (المستشار رئيس أحد الأندية صاحب اللسان الطويل)، أو صفاقتهم (المذيعة التي أوقفت مواقع التواصل برنامجها أخيراً)، أو غرابتهم (المذيع مؤسس المنهج العكاشي في الإعلام)، أو طرافتهم أو أكاذيبهم أو فضائحهم أو جهلهم (جميع الأذرع الإعلامية)، إلى درجة أن بعضهم يتفانى في إطلاق التصريحات الاستفزازية، فقط ليحصل على الشهرة، ويعرف في الوسط المحيط به، حتى لو كانت إحدى الأنواع سابقة الذكر.
ينتمي القرموطي، في معظم ما يقدمه على الشاشة، إلى النوع الطريف، فقد وجد نفسه يقدم برنامجاً من المفترض أن مضمونه جاد، لكن ليس له أي حظ من الانتشار لأسباب عديدة، بعضها يختص بقدراته الشخصية، والآخر بتوقيت برنامجه وطبيعة القناة التي يظهر فيها، والتي لا تتناسب مع ميل المشاهدين للمحتوى الترفيهي، فماذا يفعل القرموطي؟
ببساطةٍ، لجأ إلى افتعال أي مشاهد غريبة متناسبة مع الأحداث، فإذا كانت هناك مباراة كرة قدم، يرتدي ملابس أحد الفريقين. وعند افتتاح تفريعة قناة السويس، وجدناه يرتدي ملابس قبطان بحري. وعند دخول موسم المدارس، يتقمص دور طالب في المدرسة، ويعزي الشعب الروسي بقميص يحتوي على كلمات عزاء باللغة الروسية، عقب سقوط الطائرة، ويعلق على الأزمة الاقتصادية بقميص مطبوع عليه عملة الجنيه، ويلتحف البطانية في موسم الشتاء، ويحمل أدوات التنظيف، بعد غرق مدينة الإسكندرية، ويمتطي "الحمار" في أثناء عرضه مشكلات الفلاحين، ويحمل حجارة مع العقال الفلسطيني للتضامن مع قضية القدس، وغير ذلك الكثير، حتى إن برامج أخرى أصبحت "تستورده"، لينتزع الضحكات من الجمهور، فظهر في برنامجين آخرين، أحدهما يحمل "عوامة"، والآخر ارتدى فيه زي طباخ.
يفعل القرموطي ذلك كله، وهو متأكد أن الصحافيين سيجدون، فيما يفعله، لقطات وزوايا مناسبة للكتابة عنها، باعتبارها من الأخبار الطريفة والعجيبة. وبالتالي، ستنتشر أخبار ما سيفعله ويشتهر. وفي تقديري، القرموطي هو أول مذيع تلفزيوني يستمد شهرته من الأخبار التي تنشرها عنه الصحف والمواقع الإخبارية، وفي النهاية حقق ما يريد.

شيء من هذا القبيل يقوم به عبد الفتاح السيسي مع أنصاره، ففي كل فترة، نجد أنصاره يلبسونه رداء إحدى الشخصيات التاريخية، وكأنه امتداد لها، على الرغم من اختلاف هذه الشخصيات مع بعضها، إلى درجة التناقض والصراع. كان أول التشبيهات، وأكثرها تداولاً، تشبيه السيسي بالرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وهو تشبيه يتلاءم مع خطاب المؤامرة الكونية العالمية التي تقول أذرعه الإعلامية إنه يواجهها، بينما يعقد صفقات السلاح والمعونات مع الدول الكبرى. كما أن خلفية السيسي العسكرية، وانقلابه العسكري، وولعه بتكرار التجربة الناصرية في السيطرة والتحكم في الإعلام زادت من جرعة "ناصرية" السيسي المتخيلة. ووصل التأكيد على هذا التشابه إلى درجة أننا وجدنا شخصاً مجهولاً، قدمه الإعلام في أكثر من مناسبة، بصفته "شبيه عبد الناصر" فقط، ليقول إن عبد الناصر لو كان حيًّا لقام بما يقوم به السيسي حاليًا، بالإضافة بالطبع إلى تصريحات من أبناء عبد الناصر نفسه، تؤكد استكمال السيسي مشروع والدهم.
يتجاهل هؤلاء أن منظمات اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة هي المدافع الأكبر عن السيسي، وإسداء الأخير خدمات كبرى لإسرائيل، مثل حصار المقاومة، وإغراق الحدود، والتصويت لإسرائيل في الأمم المتحدة، والتوجهات الرأسمالية في الاقتصاد، ومحاباة رجال الأعمال، ونيته رفع الدعم نهائياً، فالمهم هو أن السيسي يواجه "المؤامرة".
توالت التشبيهات بعد ذلك، وتجاوزت حدود مصر، لتصل إلى الولايات المتحدة نفسها، وعلى لسان الكاتب والروائي، علاء الأسواني، أو "أديب الثورة" كما كان يحلو لبعضهم أن يسميه، فإذا بنا نجده يدافع عن الانقلاب، في مقالاته في صحيفة نيويورك تايمز، ووصف السيسي، في لقاء مع الصحافي روبرت فيسك، بأنه "أهم قائد عسكري بعد أيزنهاور".
على صعيد القادة العسكريين أيضا، نجد ابنة الفريق سعد الدين الشاذلي، رئيس أركان الجيش المصري في حرب أكتوبر 1973، تقول إن السيسي يذكّرها بوالدها الراحل "فيما يأخذه من مواقف وقرارات تتصف بالحسم والقوة، فضلا عن تقديره الوقت المناسب لاتخاذها، بالإضافة إلى اتصافه بالتواضع والبساطة مع الشعب".
وإذا عدنا بالتاريخ إلى القرن التاسع عشر، نجد الزعيم أحمد عرابي الذي أكد حفيده أن السيسي يشبهه، وأن المطالب التي كان يطالب بها جده تحققت على يد السيسي، حتى إنه تلعثم من فرط محاولته الجمع بين الاثنين، في أي جملة مفيدة، وقال جملة مضحكة كان نصها "أعتبر أن السيسي رمز من رموز أحمد عرابي"، وأترك الجملة لعلماء اللغة لتفسيرها. وجاء جديد التشبيهات من ابنة الرئيس الراحل أنور السادات التي قالت، في حوار قبل أسبوعين، إن السيسي يكمل مسيرة والدها، مضيفة "وجه الشبه بينه وبين بابا عشق البلد، وربنا يوفق السيسي ويعينه علينا". وكانت ملامح التشابه بين السادات والسيسي قد بدأت منذ جمع بينهما حلم رآه الأخير في منامه، وحكاه للمقربين منه، وعرفه الناس بعد نشر تسريباته، يقول فيه السيسي للسادات إنه سيصبح رئيساً لمصر. وقد عبر السيسي، أكثر من مرة، عن إعجابه بسياسات السادات الاقتصادية والاجتماعية، وأشاد في أثناء توليه وزارة الدفاع بقرار السادات رفع الدعم، وأكد أنه عازم على اتخاذ قرار مماثل. وهو ما جعل أنصاره في حيرة من أمرهم، هل هو يشبه السادات، أم عبد الناصر كما يقول أنصاره الآخرون؟ فتفتق ذهن أحدهم عن فكرة جديدة نفذها، فأنشأ صفحة في "فيسبوك" سمّاها "سيادة المشير عبد الفتاح السيسي قلب عبد الناصر وعقل السادات". وقد حصل تصريح ابنة السادات على تعليقات كثيرة، تتمنى معظمها أن يصدق حديثها، ويكمل السيسي مسيرة والدها، حتى النهاية.

D90F1793-D016-4B7E-BED2-DFF867B73856
أسامة الرشيدي

صحفي وكاتب مصري، شارك في إنجاز أفلام وحلقات وثائقية عن قضايا مصرية وعربية، وكتب دراسات ومقالات نشرت في مجلات ومواقع إلكترونية.