عبد الناصر والسيسي
يُبالغ بعضهم في تصوير السيد عبد الفتاح السيسي، وزير الدفاع المصري المستقيل والمرشح الرئاسي، وكأنه نسخة من الرئيس الراحل، جمال عبد الناصر، فتُرى صُوَرَهُ بجوار صورة عبد الناصر دائماً (وثالثهما أسدٌ لا أعرف دوره). والحقيقة أن هناك أوجه تشابه، وهناك اختلافات كبيرة.
أما أوجه التشابه فهي، أولا: كلا الرجلين عسكري، ينتمي إلى القوات المسلحة قلباً وقالباً، وكلاهما وصل إلى ما وصل إليه، بسبب انتمائه إلى هذه المؤسسة. ثانياً: كلاهما لم يستطع التعايش مع وجود جماعةٍ بحجم "الإخوان المسلمين" وقدراتها، وكلاهما رأى في الجماعة (وفي التيار الإسلامي عموماً) خطراً على فكرة الدولة القومية. ثالثاً: كلاهما خاض معركة إقصاء وتطهير (بالعنف) ضد التيار الإسلامي، وضد كل المعارضين. وكلاهما أوغل في الدم، من دون أي مراعاة لحقوق الإنسان، أو حقوق المواطنة، وكلاهما، في سبيل ذلك، اتخذ إجراءات استثنائية، لا أول لها ولا آخر. رابعاً: كلاهما حكم مصر، من خلال تعظيم دور أجهزة الأمن، وخصوصاً جهاز المخابرات العسكرية، وقصة الزعيم جمال عبد الناصر مع مخابرات صلاح نصر معروفة، وروايات السجن الحربي، وما جرى فيه ضد كل التيارات السياسية معروفة أيضاً. والسيد السيسي، بحكم رئاسته هذا الجهاز فترة، ما زال يعتمد عليه، كما تواترت بذلك الأنباء في إدارة كثير من شؤون الدولة. خامساً: كلاهما، في بداية حياته، لم يكن في موقع الرجل رقم واحد، عبد الناصر كان خلف اللواء محمد نجيب، ثم أزاحه بانقلاب عسكري في عام 1954، والسيسي كان خلف الرئيس المعزول، محمد مرسي، ثم أزاحه بانقلاب عسكري في 2013، وهو اليوم يتقدم بخطى واثقة نحو الرئاسة.
" |
أوجه الاختلاف، أولها: كان عبد الناصر منحازاً للطبقات الفقيرة والكادحين، وهذا سر جاذبيته عند مصريين كثيرين إلى اليوم، وعاش ومات على الكفاف (ولم يثبت عكس ذلك). هذا الانحياز إلى الفقراء غير موجود حالياً في غالبية قيادات الدولة المصرية على مدار عقود مضت، بل العكس هو الصحيح، فالغالبية العظمى من القيادات ترفل في ثياب النعيم، من أموال الفقراء المعدمين، حتى أصبحت مصر دولة تكره الفقراء (غالبية الأمة)، وتكرّم الأغنياء من أهل البلد، أو من غير أهلها، لا كرامة في مصر اليوم لفقير. ثانياً: عبد الناصر حارب عدة مرات، حارب بنفسه جندياً في أرض المعركة، وحارب قائداً عسكرياً، وسياسياً في غرفة العمليات، بعكس السيد السيسي، فهو من جيل العسكريين المصريين ممن عملوا بعد توقيع اتفاقية السلام المعروفة (كامب ديفيد)، وبالتالي، لم يخوضوا أي حروب. ثالثاً: كان عبد الناصر يرى ويقود دوراً كبيرا لمصر في الوطن العربي وإفريقيا والعالم. كان يرى مصر دولة عظمى، بعكس السيد عبد الفتاح السيسي، حيث رُهِنَتْ إرادةُ مصر في عهده لدى بعض الدول المانحة، كما أنه جاء في عصر أصبحت فيه مصر تابعة لأميركا وإسرائيل بالفعل. رابعاً: عبد الناصر كان رجلاً مُسَيَّسًا من قمة رأسه إلى أخمص قدميه، ومن يقرأ تاريخه يعرف أنه كان مهتماً بالشأن العام، ومارس السياسة، وعرف معنى التنظيمات السرية، واشترك في عملية اغتيال فاشلة، وكان موجوداً في الحياة السياسية المصرية، قبل انقلاب يوليو/تموز 1952 وبعده. أما السيد عبد الفتاح السيسي فشخصيته أشبه ما تكون بشخصية الرئيس المعزول، حسني مبارك، جميعهم موظفون، لا يهتمون بأي شيء خارج حدود (الوظيفة). وبالتالي، لم يمارسوا السياسة، ولم نعرف لهم آراءً في أيٍّ من الموضوعات الكبرى التي حدثت في عشرات السنين التي عاشوها بيننا. على سبيل المثال، بإمكانك أن تعرف، بسهولة، رأي جمال عبد الناصر في حادثة قصر عابدين في 4 فبراير/ شباط 1942، وبإمكانك أن تعرف رأي أنور السادات في الاستعمار البريطاني قبل انقلاب يوليو/تموز، وبإمكانك أن تعرف رأي خالد محيي الدين في الملك فاروق، ورأي حسين الشافعي في الإقطاع قبل انقلاب يوليو/تموز...إلخ. لكنك لن تستطيع أن تعرف أي رأي سياسي للسيد عبد الفتاح السيسي في بيع القطاع العام مثلاً، أو في سجن الفريق سعد الدين الشاذلي في السجن الحربي، بتهمة ملفقة (كان السيد السيسي في الخدمة آنذاك، هو وكل أعضاء المجلس العسكري الذي تولى قيادة "الثورة"، ولم نسمع واحداً منهم يعترض على ما حدث).
لن تعرف رأي السيسي في تدخل الجيش المصري في ضرب العراق، أو في عدم تدخل الجيش المصري، حين غزت إسرائيل لبنان. لن تعرف رأيه في أيٍّ من الموضوعات التي حدثت طوال ستين عاما مضت. إنه رجل غير مُسَيَّس، لم يعرف عنه أي ولعٍ، أو ميلٍ، أو حتى متابعة للشأن العام. أما عبد الناصر، فكان غارقا في السياسة منذ طفولته إلى مماته.
من كل ما سبق، أقول لكل من يتوهم أن السيسي سوف يقود الدولة المصرية بشكل مختلف، أو أنه سيفكر خارج الصندوق، أو أنه سيتمكن من عمل أي شيء مفيد لهذا البلد، المثقل بأحمال الحكم العسكري ... أقول لهم: لا تبنوا قصوراً من الأوهام لا أساس لها. أنتم تنتخبون رجلاً بلا تاريخ سياسي، ولن يستطيع سوى أن يقود القطار على قضبان دولة الاستبداد، المتخلفة ... القضبان التي أوصلتنا إلى الهاوية. أما من يعلق آمالاً على مصالحةٍ وطنيةٍ على يدي السيسي، فهذا أسخف من أن يُردّ عليه.
ملحوظة: سيحاول بعضهم أن يخرج بموضوع المقال عن حدوده، فيقارن بين محمد مرسي وعبد الناصر، أو بين السيسي ومرسي، وبدوري أقول إن المقالة مقارنة بين ضابطين، جمال عبد الناصر، وعبد الفتاح السيسي.