ذاكرةُ وجراح أسلافٍ، تحملهما على كاهليك. حتى الموظف ليس حياديًا، فكيف بك؟
إن إصلاح شيء، لإعادته إلى الشكل الأصلي، يعني إزالة الجرح إلى الأبد.
فكيف لك؟
ولقد تفيء لصمت جزيل، إلى الندوب بتمعّن، لأن الصوت، هو أيضاً سلطة: بالأخص سلطة.
صحيح أن هنالك استمرارية في الكتابة، بعد وصول الضفة الثانية، لكن السياق مختلف.
إلا أنّ من حسن حظك كبشري، أنه في الحب والفن، تبقى العاطفة مشتركة، ولا حدود لها. لذا، ما تُرك وراءك مهجوراً، ولم تلتفت إليه، ها هو يعودك في أوقات، ليتحول إلى فن ما، مع غَبَاش من الألم.
غباش، ليس لأن هذه الطريقة في فهم العالم ليست واضحة، بل لأنها ـ وقد تعبتْ ـ تركض من نقد إلى نقض.
ومع ذلك، بالفعل، ثمة ما يستحق أن تلهث من أجله: توسيع الرئتين.
يقولون لك: إنه اختبار الله. الى متى سوف تجرّبني؟ لماذا لا تجرّب الآخر؟
وها أنتذا: تحدس أن شيئاً ما سيحدث. في بعض الأحيان لا يحدث ذلك، ولكن في بعض الأحيان يحدث. إن ما لا يحدث أبداً هو أن الشاعر الذي لا يشعر بشيء مميز، يعمل ويظل يعمل.
لمَ؟ لأنه يعاني من صدى نادر يترجّع من مسافات بعيدة لأصوات هي نادرة بدورها. آه، لعله كان من الضروري قولها ووضعها باللون الأسود على الأبيض: "أصبحتُ عبداً لهذه اليوميات".
إنما، لماذا ترفض قبعةُ النائب الخروج؟ ذات يوم، أولاك أحدهم ما تسميه: "الرعاية الحرجة"، فاختنقت وهربت ثالث يوم. لأنك لا تريد أن تختمها بالانضمام إلى نادي المُجاملين.
الآن؟ ليس لهم. هو وقت الناس في الأدب. الذين ماتوا بلا أحذيتهم [نهاية أكثر من فريدة. تعني أنهم كانوا يمشون. أنهم أبداً لم يكونوا أسرى أسرّة]، الذين هم في السجن الذين هم في المنفى، هذه أجندة عمل: أولوية اللحظة. الملايين من قتلى الدمار. الملايين من النازحين الثديين غير الناطقين.
الملايين والبشرية التي لم يتم التغلب على دناءتها.
الملايين، وكانت ملفوفة في مسافة من الصمت الذي يقهر، والصمت الذي لا.
فالحمد لمن يستحق الحمد:
كل مكانك في العالم هو حرف. فكيف تعمل إذاً على هذا الترادف المسرف؟
يجب أن تستعيد الحالة الطبيعية: يكفي وصف واحد.
ثم إنه جليّ: لعلك بحاجة إلى مغادرة السرير والمضي قدماً نحو شيء ما ـ مشاهدة والإنصات إلى طائر شحرور في جنوب كوستاريكا، مثلاً؟
هُم؟ اقتربتَ منهم فحسب، ثم ولّيت: كانوا ينعمون بعلم الوراثة المذهل. مكفوفون حتى لا يدمرهم بَصَر.
في الساعة الرابعة، في فترة ما بعد هجوع الألم وقبل الشعاع، لعبتَ وغنيت واستحممت، شاكراً من قد لا يستحق، على كل هذه النعم.
بعد هذا، قلتَ: "في تعاملي مع متشردين، أردت أن أضع الاحترام في المقدمة، وأعتقد أن هذا كان قد توقف منذ فترة طويلة، والأفضل هو الاستمرار فيه".
إنه جزء من ردّ الجميل، غير أنه لم يُعفك أبداً من السؤال بلا هوادة:
"ما الذي يجعلك تعتبر وجودك جذريَّ المعاصرة. لا لشيء، إلا لأنك تحيا وتغرف من هواء عصرك"؟
والحق أنك ممتعض من مساهمة الملكية الإسبانية في تأسيس الولايات المتحدة.
ألم يكن هناك ـ وقتها ـ يقينٌ نبوئي بالكارثة القيامية؟
ولهذا السبب، قررت دراسة التاريخ واللغة الإسبانية، بعيداً عن الجامعات والكورسات.
من أفمام الناس مباشرة، وبعض القراءة الذاتية.
قمت بذلك كله وأنت متيقن: لغة جديدة هي أوتوستراد للهروب. وهكذا استطعت أن تتعلم، على سبيل المثال، كيف أن تقسيم المسيحية بين الأرثوذكس من ناحية والكاثوليك واللوثريين من أخرى، هو تطوّر تاريخي ملحوظ في أي مكان مُعشب.
بلى، كل يوم، أنت تنتقد المزيد من إسبانيا.
خاصة بعد أن طوّفت بآفاق برشلونة، من الفجر إلى الفجر التالي، ونمَت وبك ـ للمرة الأولى ـ نوازع ستالينية غريبة عن مسارك ومسيرتك.
لعله الغيظ من قهر رأس المال؟
بيد أنك تستيقظ وأنت فرحان: "الكون في يديك، دون الحاجة ـ يا ولد ـ إلى معلومات أخرى". وعلاوة على ذلك، فإن معظم أعضائك، ظلت موالية للعهد الأيديولوجي، كنوعٍ من رياضة الحنين.
فبالنسبة لكهل وصلَ متأخراً إلى حضارة الألوان والأصوات. فإن الشيءَ شيءٌ صعب وأنت تحاول الصعبَ بعضَ الشيء، دون الاستعانة بأهمية الخيال كسلاح للتغلب على الخوف من ميكانيكا الكم.
أهو القلبُ شيخٌ ينتمي إلى وابلٍ من التراجيديا:
رقبته دوماً ملتوية إلى الوراء، وعيناه مقلوبتان للداخل؟
تنام آملاً، كما لو أن وجودك الحقيقي قد يتحقق في مكانٍ ما من الحلم.
ثم فجأة، في ثَمَل البرزخ: ذلك الخوف من أن بلادك اختفت في بحر من التجريد. ثم في فجأة موالية: قبل كل شيء، استعادة الثقة المفقودة بجميع سنوات العمر، دون تخصيص.
يا له من مجد أنهنّ في الرمبلا بأجساد شابة.
من بؤس أنك تشيخ.
شتاءَ هذه السنة، سمعتَ شيخاً يقول العبارة في الشارع: "لم أفكر أبداً أنني سأشعر بالتعب في سن السابعة والثمانين".
فأخبرته فوراً أنه واحدٌ من أثرى الناس، على الإطلاق. نعم: تلك الظلمة الظاهرة، هذا اللسان العيي. الحياة الميتة/ الحيّة وتقنياتها.
والعجافُ السنواتُ على قرميد البيت، من تأليفنا وإخراج البارئ. والقبول بمكانتك في العالم، فقط داخل الطبيعة الأم.
وما أخبرته به عن فن عضّ الأصابع: لا بد بعد العضّ أن يخرج صوت.
سوى هذا غير منطقي. قال: مزيداً من الجدل مزيداً من الحساسيات التي تجرح.
قال: كي نغدو أكثر الجرحى وسامةً.
قلت: نقْلُ الحب من اللغات والخط والحروف الهجائية إلى لغة الضاد.
قال: والمثالي؟ قلت: حتى أخلاقيته تبدو عقيمة ومجردة. قلت: أوروبا تجري برجل ملتوية. أراها بعيدة ولا تصل.
ثم في فجأة تاسعة ويانعة: اللامبالاة. بعدها بدقيقة تصل رسائل بسيطة، ونداء مُحب.
نداء يعزز فيك الحلم بعوالم مأنوسة، والتوق إلى تعزيز علامات الهوية الخاصة بك أمام الآخرين.
كما يعزز الإغراء لرفع الجدران، لفتح الباب، للنظر إلى المرآة مرة أولى، والتفكير في عزاء مستقبل قادم.