09 نوفمبر 2024
عصر "اللبننة" السورية
خرج رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلى روسيا، في الأسبوع الحالي، للاجتماع مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين. ليست المرة الأولى التي يلتقيان فيها، لكنهما اعتادا على عقد الاجتماعات، وفي روسيا تحديداً، قبل أي حدثٍ مفصلي. في 21 سبتمبر /أيلول 2015، عقد الثنائي لقاءً في موسكو، كشف فيه بوتين عن التدخّل الروسي العسكري في سورية، الذي عاد وحصل في 30 سبتمبر/ أيلول من العام عينه. سلّم نتنياهو لبوتين لائحة بأكثر من 1150 هدفاً "يجب ضربها في سورية"، أكثريتها عائدة لـ"جبهة فتح الشام" (جبهة النصرة سابقاً). أراد الإيحاء بأن ما يعرفه عن الأرض السورية أكثر بكثير مما يعرفه الكرملين.
وبعد نحو عامين من التدخّل العسكري المباشر، بدأت روسيا صياغة حلول مرحلية في سورية، عبر اتفاقات "خفض التصعيد". حلول توجد فيها إيران وحلفاؤها عناصر أساسية، خصوصاً في الجنوب السوري. هناك، وعلى الحدود بين سورية والأردن من جهة، وبين سورية والأراضي الفلسطينية المحتلة من جهة أخرى، تبدو المسألة أقرب إلى تكرار نموذج لبنان في ثمانينات القرن الماضي.
أبدى نتنياهو خشيته من الوجود الإيراني، واستطراداً حزب الله، في سورية. قدّم لبوتين عرضاً عن "الخطر الإيراني وتأثيره على إسرائيل". كان رئيس الموساد، يوسي كوهين، أساسياً في تقييم الوضع الميداني الإيراني في سورية. "تفّهمت" روسيا "المخاوف" الإسرائيلية. ربما كان يكفي بوتين الابتسام قليلاً، لمنح الضوء الأخضر لنتنياهو، بغية شنّ هجماتٍ في سورية، وإبعاد إيران وحزب الله عن المناطق المتاخمة لفلسطين المحتلة.
لن يقوم نتنياهو بأي هجوم ضد حزب الله، ولا ضد إيران، في سورية. كان واضحاً في ذلك، عبر توجيهه رسالة غير مباشرة لبوتين: "إيران تحاول إجراء عملية لبننة لسورية، والسيطرة عليها بواسطة مليشيات شيعية مثلما فعلت مع حزب الله في لبنان"، مضيفاً أن "إسرائيل ستعمل حيث يجب، وبموجب خطوطها الحمراء التي تضعها، وعندما فعلت ذلك في السابق لم تطلب إذناً من أحد".
أمران تجدر ملاحظتهما هنا. الأول أن نتنياهو استخدم مصطلحاتٍ مشابهة لما استخدمه مناحيم بيغن في أثناء الانسحاب الإسرائيلي من صيدا اللبنانية عام 1985، بما يتعلق بـ"المليشيات الشيعية"، في إشارة إلى مرحلة طويلة من النزاع المستقبلي، في حال استمرّ وجود إيران وحلفائها على مقربةٍ من الحدود الفلسطينية المحتلة مع سورية. الثاني استعمال نتنياهو مصطلح "لبننة سورية". والمعروف أن "اللبننة"، في سياق مفهوم الدولة، هي الطريق الأفضل لتهديم بنيان الدولة. و"اللبننة" التي أفرزتها الحرب اللبنانية نسيج اجتماعي مفكّك، وأرض مشتتة، وأحزاب ومليشيات صنعت "الدولة العميقة" داخل الدولة الأساسية. تؤدي هذه "اللبننة" إلى كل أنواع التقسيم المجتمعي والديمغرافي والفكري، لكنها لا تؤدي إلى رسم حدود جغرافية، لتكريس هذا الانقسام، بل تترك الأمور في سياق مراوحةٍ قاتلة، وتبادل أدوار طوائفية داخل بنيان الدولة الأساسي، الهشّ.
يعلم نتنياهو أن "الطبيعة" الروسية، المتأتية من طبيعة سوفياتية، ترفض تقاسم أي أرض مع حلفاء مشتركين. سورية ليست برلين، ليتم تقاسمها مع دول أخرى. سورية "نظامٌ استدعى حليفاً من الأقاصي البعيدة لنجدته". ولا يمكن أن يسمح هذا الحليف بمشاركة ندّية من أي طرفٍ إقليمي ودولي في سورية، باستثناء الأميركيين، لاعتباراتٍ تتجاوز الشرق الأوسط، إلى أوكرانيا والوسط الآسيوي وبحر الصين الجنوبي، وصولاً إلى كوريا الشمالية. بالنسبة للروس، الإيرانيون وحلفاؤهم "فريق ثانٍ" في سورية، لا "فريق أول". لا يعني هذا أن الصدام حاصل بين موسكو وطهران، لكنه فراغٌ كافٍ لصياغة "اللبننة" السورية، في مرحلة ما قبل "طائفٍ سوري" يفسح المجال لتقسيم سورية إلى دويلات أو لحصول صداماتٍ تسبق قيام "دولة عميقة" جديدة، وهو ما يفيد الإسرائيلي. مع العلم أنه حين يتحدّث عن نيّته القيام بهجمات فإنه يعني أنه لن يقوم بها.
وبعد نحو عامين من التدخّل العسكري المباشر، بدأت روسيا صياغة حلول مرحلية في سورية، عبر اتفاقات "خفض التصعيد". حلول توجد فيها إيران وحلفاؤها عناصر أساسية، خصوصاً في الجنوب السوري. هناك، وعلى الحدود بين سورية والأردن من جهة، وبين سورية والأراضي الفلسطينية المحتلة من جهة أخرى، تبدو المسألة أقرب إلى تكرار نموذج لبنان في ثمانينات القرن الماضي.
أبدى نتنياهو خشيته من الوجود الإيراني، واستطراداً حزب الله، في سورية. قدّم لبوتين عرضاً عن "الخطر الإيراني وتأثيره على إسرائيل". كان رئيس الموساد، يوسي كوهين، أساسياً في تقييم الوضع الميداني الإيراني في سورية. "تفّهمت" روسيا "المخاوف" الإسرائيلية. ربما كان يكفي بوتين الابتسام قليلاً، لمنح الضوء الأخضر لنتنياهو، بغية شنّ هجماتٍ في سورية، وإبعاد إيران وحزب الله عن المناطق المتاخمة لفلسطين المحتلة.
لن يقوم نتنياهو بأي هجوم ضد حزب الله، ولا ضد إيران، في سورية. كان واضحاً في ذلك، عبر توجيهه رسالة غير مباشرة لبوتين: "إيران تحاول إجراء عملية لبننة لسورية، والسيطرة عليها بواسطة مليشيات شيعية مثلما فعلت مع حزب الله في لبنان"، مضيفاً أن "إسرائيل ستعمل حيث يجب، وبموجب خطوطها الحمراء التي تضعها، وعندما فعلت ذلك في السابق لم تطلب إذناً من أحد".
أمران تجدر ملاحظتهما هنا. الأول أن نتنياهو استخدم مصطلحاتٍ مشابهة لما استخدمه مناحيم بيغن في أثناء الانسحاب الإسرائيلي من صيدا اللبنانية عام 1985، بما يتعلق بـ"المليشيات الشيعية"، في إشارة إلى مرحلة طويلة من النزاع المستقبلي، في حال استمرّ وجود إيران وحلفائها على مقربةٍ من الحدود الفلسطينية المحتلة مع سورية. الثاني استعمال نتنياهو مصطلح "لبننة سورية". والمعروف أن "اللبننة"، في سياق مفهوم الدولة، هي الطريق الأفضل لتهديم بنيان الدولة. و"اللبننة" التي أفرزتها الحرب اللبنانية نسيج اجتماعي مفكّك، وأرض مشتتة، وأحزاب ومليشيات صنعت "الدولة العميقة" داخل الدولة الأساسية. تؤدي هذه "اللبننة" إلى كل أنواع التقسيم المجتمعي والديمغرافي والفكري، لكنها لا تؤدي إلى رسم حدود جغرافية، لتكريس هذا الانقسام، بل تترك الأمور في سياق مراوحةٍ قاتلة، وتبادل أدوار طوائفية داخل بنيان الدولة الأساسي، الهشّ.
يعلم نتنياهو أن "الطبيعة" الروسية، المتأتية من طبيعة سوفياتية، ترفض تقاسم أي أرض مع حلفاء مشتركين. سورية ليست برلين، ليتم تقاسمها مع دول أخرى. سورية "نظامٌ استدعى حليفاً من الأقاصي البعيدة لنجدته". ولا يمكن أن يسمح هذا الحليف بمشاركة ندّية من أي طرفٍ إقليمي ودولي في سورية، باستثناء الأميركيين، لاعتباراتٍ تتجاوز الشرق الأوسط، إلى أوكرانيا والوسط الآسيوي وبحر الصين الجنوبي، وصولاً إلى كوريا الشمالية. بالنسبة للروس، الإيرانيون وحلفاؤهم "فريق ثانٍ" في سورية، لا "فريق أول". لا يعني هذا أن الصدام حاصل بين موسكو وطهران، لكنه فراغٌ كافٍ لصياغة "اللبننة" السورية، في مرحلة ما قبل "طائفٍ سوري" يفسح المجال لتقسيم سورية إلى دويلات أو لحصول صداماتٍ تسبق قيام "دولة عميقة" جديدة، وهو ما يفيد الإسرائيلي. مع العلم أنه حين يتحدّث عن نيّته القيام بهجمات فإنه يعني أنه لن يقوم بها.