عقل الإعلام الثوري

31 ديسمبر 2015
الأمر ليس ضرباُ من الخيال (Getty)
+ الخط -
رغم دقة اللحظة الراهنة التى تعيشها الأمة العربية وخطورتها، ورغم أهمية الدور المحوري الذي يلعبه الإعلام فى الصراع بين الثورات العربية والثورات المضادة، ورغم المساندة المادية والتخطيطية والسياسية من دول كبرى للثورات المضادة.. إلا أن الإعلام الثوري بعد قرابة خمس سنوات من الحراك الثوري ما زال يعمل بلا رؤية إعلامية واضحة يستطيع الثوار أن يطمئنوا إليها ويشعروا أن خلفهم إعلاما قويا مبنيا على أسس علمية يدفع ثورتهم إلى الأمام ويحافظ على إنجازاتها ويعالج إخفاقاتها.


عشرات الملايين إن لم تكن مئات تنفق سنوياً على الإعلام الثوري بكل مكوناته المرئية والمسموعة والمقروءة، لكن هذه المكونات تختلف استراتيجيتها من عام إلى عام بل وفي بعض الأحيان من شهر إلى شهر ومن برنامج إلى برنامج آخر.

الأرقام ودلالتها غير مريحة ولا تدعو إلى الاطمئنان؛ فعدد منافذ الإعلام الثوري في محيط الإعلام العربي تقدر بالعشرات ليس بينها مركز دراسات إعلامي واحد ترتكن إلى أبحاثه ودراساته وسائل الإعلام تلك.

تُنفق سنوياً عشرات ملايين الدولارات إن لم تكن المئات على النوافذ الإعلامية ولا ينفق دولار واحد على الدراسات الميدانية أو بحوث المشاهدة الجادة.

القريب والمتابع للإعلام الثوري يعرف أن الإدارة "بالانطباع" دون الانطلاق من أسس علمية هي السمة السائدة في هذا الإعلام، هذا إذا سلمنا أن الانطباع صادر من إعلاميين متخصصين.. في الوقت الذي تنفق فيه وسائل إعلام الثورة المضادة الملايين على بحوث ودراسات التأثير الجماهيري.

الأمر اللافت والخطير أنه في كثير من الأحيان يتحكم إعلام الثورة المضادة في محتوى الإعلام الثوري وتوجهاته عن طريق إثارة ومناقشة الموضوعات والمواقف الجذابة التي تفتح شهية الإعلام الثوري فيترك كل شيء ويتحول لمناقشة وعرض تلك الموضوعات والتشهير بالممثلة التي تدعو إلى الجنس أو الشيخ الذي يطلق فتوى تدعو للضلال أكثر منه إلى الهداية..

هذه الممارسات تشير إلى إعلام ثوري - في كثير من الأحيان - بلا عقل رشيد وأنه يمكن أن ينساق إلى معارك لا يختارها ولا يختار توقيتها بل ولا يعرف الدافع إليها.

أوشك الوقت على النفاد.. هذه هي الأزمة الحقيقية؛ فلا يوجد وقت جديد للتجربة في مصير الشعوب وأمن البلاد.. لا يوجد وقت للتعامل مع الأفكار الشخصية غير المبنية على معلومات ولا دراسات ولا حقائق، واعتبار تلك الأفكار الشخصية وحيا منزّلا.

سُنَن الله لن تتغير من أجل أحد مهما كان، والذي أفتتح رسالته بـ: "اقرأ" لن ينصرها بدون علم مبني على حقائق لا أوهام؛ لأنه سبحانه يعلمنا أن مناط التغيير مبني على العلم.

الأمر ليس ضربا من الخيال.. ما المانع أن يوظّف بكل وسيلة إعلامية شخصٌ يقوم بالدرس والبحث لرسالتها الإعلامية؟ ما المانع أن تنفق وسائل الإعلام راتب موظف إضافي على أبحاث المشاهدة؟!

إن الإعلام الذي يعمل دون تخطيط كالشخص الذي يعرف أين يريد أن يذهب لكنه لا يعرف كيف يذهب فيجرب كل وسائل المواصلات حتى يجد الوسيلة التي توصله إلى مبتغاه دون النظر إلى الوقت أو الجهد أو المبالغ التي تنفق أو حتى إلى التضحيات التي تبذل.

لا يختلف اثنان على أهمية وخطورة الإعلام في هذه المرحلة لكن أيضا لن يختلف نفس الاثنين على أن الإعلام الثوري لم يحقق المطلوب منه حتى الآن.

إقرأ أيضاً: أبجديات الإعلام الثوري

(مصر)

المساهمون