يبدو أن عدوى التزمّت الثقافي بذريعة الدفاع عن قيم الإسلام قد انتقلت إلى الداخل الفلسطيني، لتسجّل لأول مرة، انتصاراً لمجموعة سلفية صغيرة مجهولة، تمكنت من منع عرض "ستاند-أب" كوميدي مساء السبت الماضي، عندما حشدت العشرات (من غير المتدينين!) أمام قاعة العرض في عكا.
المحتشدون تظاهروا ضد عرض "وطن ع وتر" الذي لا يخرج، برأي متابعين، عن كونه عرضاً ترفيهياً ينتمي إلى "مسرح الكباريه السياسي". وادّعى المتجمهرون في عكا أن العرض "يسيء للإسلام"، مع أنه يتجول في الداخل الفلسطيني منذ أكثر من ستة أشهر.
ورغم صدور دعوات "سلفية" بين حين وآخر لـ"وقف الابتعاد عن قيم الدين والشريعة"، إلا أن حادثة عكا هذه سجلت تصعيداً لعله الأول من نوعه، عندما قام المتجمهرون بضرب مدير القاعة وتهديد حياة فريق العرض، إلى درجة وجدت الشرطة الإسرائيلية ذريعة للتدخل وتفريق المتجمهرين لإخراج أفراد العرض من القاعة بسلام.
تتناول عروض "وطن ع وتر" قضايا راهنة، اجتماعية وسياسية تفرض ثقلها على الواقع الفلسطيني من خلال قالب درامي كوميدي. ويحاول فريق العمل (منال عوض وخالد المصو وعماد فراجين)، توظيف الكوميديا الساخرة لتمرير انتقادهم اللاذع لعبثية الواقع الفلسطيني.
يشمل العرض انتقادات ساخرة في قضايا سياسية واجتماعية يمر بها الوطنُ العربي عامة، والشعب الفلسطيني خاصة، نتيجةً لما يجري من أحداث في الوطن العربي وللتحولاتِ التي يمرُّ بها وتأثيرها على الشعب الفلسطيني، وما يقوم به السياسيون لفرض واقع سياسي مُعيّن. ويشكل غلاء الأسعار والعنف المجتمعي، وانتخابات المجالس المحلية العربية في الداخل الفلسطيني، مواضيع للعرض الممنوع بأمر السلفيين.
وحاول مسوّق العروض محمود أبو عصبة التخفيف من حجم وتأثير ما حدث بقوله لـ"العربي الجديد": "هؤلاء مجموعة صغيرة من المتعصبين السلفيين يحاولون إرهابنا. لقد قدمنا عرضنا في بلدات كثيرة، ولنا عروض قريبة ونحن مستمرون".
ورغم أن الحديث يجري عن مجموعات سلفية صغيرة، مجهولة الهوية، إلا أن الموقع المحلي "واين" أشار إلى أن مجموعة نسائية تطلق على نفسها اسم "صناع الحياة، علم، إيمان وعمل" نظمت قبل العرض بيومين وقفة احتجاجية، ضد قدوم "وطن ع وتر" إلى عكا، وقد رفعت المشاركات شعارات عديدة ضد العرض، يوم الجمعة الماضي، قرب جامع الجزار تستنكر بشدة عرض العمل في مدينة عكا، وتتهم الفرقة بالإساءة إلى الإسلام والمسلمين.
وكانت "لجنة الدعوة القُطرية في الحركة الإسلامية" قد أصدرت قبل أسبوعين بياناً حول عرض "وطن ع وتر" جاء فيه: "وأشهر ما جاء في مشاهدها التطاول على الدين والأخلاق والاستهزاء بالمتدينين والتباهي بالكلام الهابط... وغالبها لا يخلو من لغو ونساء، وعليه نذكّر أهلنا في الداخل الفلسطيني من آباء وأمهات ومدرسين ومدرسات وأئمة مساجد وغيرهم أن هذه العروض خطر على أولادنا".
في المقابل أصدر "التجمع الوطني الديمقراطي" بياناً استنكر ما حدث، وجاء فيه "إن منع العرض يشكل ضربة قاسية لحرية التعبير وحرية الفن والإبداع ومحاولة مكشوفة لبث الفرقة في المجتمع العكي. إننا نستنكر هذه المحاولة البائسة من تنصيب البعض أنفسهم أوصياء على عقول الناس وأوصياء على الدين الإسلامي والاعتداء على حرية الآخرين ومحاولة الترهيب الكلامي والجسدي وتكفير من يختلف معهم بالرأي".
وأضاف البيان "لن ننجر وراء هذه المخططات المشبوهة والتي ينفذها البعض عن وعي أو عدم وعي، ونرى أن ساحة نضالنا الرئيسية هي ضد المشروع الصهيوني العنصري في البلاد عامة، وفي عكا خاصة. فقط بوحدتنا الوطنية واحترام تعدديتنا نستطيع أن نتصدى لمشاريع السلطة الصهيونية".